لو كانت حلب النهاية
أقسى ما في ابادة حلب لا المجازر والتهجير بحق مدنييها، بل أقسى ما في ابادة حلب انها لن تكون الاخيرة، فبعد حمص تستغيث، وداريا تحترق، وحلب تباد، ستتجه الانظار الى ادلب، فغوطة دمشق، فريف حمص وحماة، ثم الجنوب.
وكل عملية ابادة في سوريا ارتكبتها قوات روسيا وايران والرئيس السوري بشار الأسد، سبقتها عملية قصف مكثف، فمعارك، فمجازر بحق المدنيين، فعاصفة استنكار عالمية عبر الاعلام والاعلام الاجتماعي، فاخراج من تبقى من الاحياء من المدينة المنكوبة، فتعليق صورة الرئيس السوري بشار الأسد فوق بقايا مبنى محترق، وهي صور يبدو فيها الأسد عادة عملاقا فوق شعار “سوا منعمرها”، قبل ان يبدو صغيرا في وسط مدينة من الركام، وقبل ان يبدو صغيرا جدا وسط صراع دولي يلتهمه ويلتهم كل السوريين فيما هو يعتقد نفسه ينتصر.
أقسى ما في ابادة حلب انها مجزرة كانت منتظرة، وانها كانت مستهجنة، وان نفس من انتظروها واستهجنوها، انتظروا سابقاتها من محارق ومجازر، واستهجنوها كذلك، وبكوا، كما يبكون اليوم، وسيبكون غدا.
وأقسى ما في ابادة حلب انها محطة سريعة في خط طويل من الاحباطات العربية، من النكبة، فالنكسة، فحرب لبنان، ثم مجزرة قانا فجنين، فحروب العراق، فحربي غزة، فاشتعال سوريا واليمن وليبيا، والآتي قد يكون اعظم.
في مجلس الأمن، جلس مندوب الأسد بشار الجعفري يستعرض نُبل رئيسه وجيشه. رفع صورة ردد انها صورة سورية ركع امامها جندي من قوات الأسد لتدوس فوق ظهره وتعبر. اتضح ان الجعفري، على عادته، يكذب، وان الصورة لمقاتل من الحشد الشيعي العراقي ينحني امام مسنة عراقية. المشكلة ليست في اختلاق الأسد واصحابه للقصص وفبركتها. المشكلة هي في ان صورة الضحايا واالمهجرين العرب صارت اكثر من ان تحصى، جغرافيا وزمنيا.
أقسى ما في ابادة حلب انها اثبتت ان النظام الدولي أكذوبة، وان حقوق الانسان نقاش فكري للمثقفين من النخبة، وان شعوب العالم مازالت قبائل متناحرة ومتنافسة، تعلن انسانيتها فيما تضمر انانية شديدة تقتصر على مصالحها، او في الغالب مصالح اثريائها ممن يتلاعبون بعواطف الناس العاديين عن القومية والاثنية والمذهبية.
أقسى ما في ابادة حلب انه فيما كان الاطفال والمستشفيات تحت الركام، وفيما كان الحلبيون يركضون في الشوارع من دون هدى بحثاً عن ملجأ او مخبأ، كانت الولايات المتحدة، زعيمة العالم الحرّ المزعوم، تعيّن رئيس أكبر شركة نفط في العالم وزيراً لخارجيتها.
وأقسى ما في ابادة حلب ان المبعوثة الدائمة الأميركية الى الأمم المتحدة كانت تبكي متأثرة في سرّها، قبل ان تشن أقسى الهجمات الخطابية ضد روسيا وايران والأسد وتحملهم مسؤولية دماء الحلبيين، ثم تسكت. هذا الموقع الأميركي نفسه في مجلس الأمن، الذي وقف في وجه العالم حتى يستكمل مرتكبو مجازر قانا والمنصوري جرائمهم، وهو الموقع نفسه الذي منع العالم من التحري عن جرائم مخيم جنين ومقتل الطفل محمد الدرة في حضن ابيه. هذا المنصب الاميركي الفتّاك نفسه، يقف عاجزا متفرجا على ابادة حلب، والابادات التي سبقتها في العراق، والمجازر التي ستليها في سوريا.
أقسى ما في ابادة حلب هو تعزيز شعور العرب انهم احياء بالصدفة، وانهم حتى لو فرّوا من مجازر ماضية، قد يواجهون ابادات مستقبلية، فالدم العربي مباح، من المحيط الى الخليج، ولن يأتي العالم لنجدتهم، ولا لفرض مناطق حظر طيران فوق رؤوسهم، ولا ليمنع دموية قاتليهم عنهم.
اين يذهب العرب؟ اين ينفسون عن احباطاتهم؟ اين برامج ابعاد شبابهم عن اليأس المؤدي للتطرف؟ كلها اسئلة تطرحها حلب كما طرحتها من قبلها المجازر السابقة لحلب.
أقسى ما في مجازر حلب ان العرب لم يقتربوا من النهاية بعد، ولا لاح أمامهم بصيص أي امل، ولا يبدو ان في البعيد أي أفق.