"أبو المقاومة" الأميركي في بيروت
خلف الجدار العازل الذي شيده لعزل مقرّه عن متظاهري النفايات، استقبل رئيس حكومة لبنان تمام سلام وفدا اميركيا ترأسه نائب مساعد وزير الدفاع الاميركي لشؤون الشرق الوسط اندرو اكسوم. وشارك في اللقاء سفير أميركا في لبنان دايفيد هيل وعاملين في السفارة. وجاءت زيارة اكسوم كجزء من زيارة اوسع للمسؤول الاميركي تضمنت بعض العواصم الاقليمية.
واكسوم هو عسكري سبق ان شارك في حرب افغانستان مطلع العقد الماضي، وحاز على اوسمة وتنويهات. وبعد خروجه من الجيش، أقام في بيروت حيث حاز على شهادة الماجستير من "الجامعة الاميركية في بيروت"، حسب سيرته الذاتية التي وزعتها وزارة الدفاع الاميركية ابان تعيينه في منصبه قبل شهور.
لكن ما لم تقله السيرة الذاتية ان السيد اكسوم لطالما أطلق على نفسه لقب "أبو مقاومة"، تيمنا بـ "حزب الله" اللبناني. وما لم تقله السيرة الذاتية انه، على اثر تعيينه، حاول اكسوم اخفاء اي أثر للقب الذي استخدمه محللا وكاتبا ومغردا.
واكسوم كان توجه، عبر تويتر، الى امين عام "حزب الله" اللبناني السيد حسن نصرالله، اثناء المواجهة بين احمد الأسير والجيش اللبناني في صيدا في حزيران ٢٠١٣، واثنى اكسوم على تأييد السيد نصرالله للجيش، وكتب متوجها الى "ابي هادي" انه لطالما كان التمسك بالجيش هو مفتاح الحلول. وقتذاك، كان اكسوم موظفا عاديا في مكتب وزير الدفاع الاميركي.
يومها تواجهنا، الكترونيا، وحاولت لفت نظر اكسوم ان موقفه خاطئ، وان موقف السفارة الاميركية في تأييد مواجهة الجيش ضد الاسير كان غير موفق كذلك، فعلى عكس المجموعات والافراد الذين تضعهم واشنطن على لائحة الارهابيين، لم يكن الاسير يوما على هذه اللائحة، واذا كانت المواجهة معه بهدف حظر استخدامه ومجموعته السلاح، فموضوع السلاح هذا ينطبق على مجموعات كثيرة، غير الأسير، لا تهب السفارة الاميركية لادانتها عند كل مواجهة مسلحة تكون هذه المجموعات طرفا فيها.
في المرة الاخيرة التي التقيت فيها اكسوم شخصيا، وهو من المعارف، تناقشنا مطولا، وتباينت وجهات نظرنا. اكسوم يعتقد بضرورة انفتاح واشنطن على "حزب الله" من دون شروط، واكسوم كان من اول القائلين بضرورة "الانخراط" الاميركي مع الرئيس السوري بشار الأسد بين ٢٠٠٩ و٢٠١١، ولا بد انه مازال يعتقد باعادة تأهيل الأسد كحل وحيد للأزمة السورية. واكسوم هو اول مؤيدي الاتفاقية النووية مع ايران، او حتى الانفتاح على طهران مع او من دون اتفاقية. لكن في لقائنا الاخير، قال لي "ابو مقاومة" انه قرر اعتزال الحياة العامة والانضمام لمجموعة "بوستن كونسلتنغ غروب" الاستشارية المرموقة، وتمنيت له التوفيق.
بعد فترة قصيرة في القطاع الخاص، عاد اكسوم الى السياسة بمنصب ارفع، وعاد الى بيروت، حيث اصدقاؤه كثر. ومع انه لم يتسن لي الحوار مع اي من المشاركين في لقاء سلام - اكسوم للوقوف على ما دار من حديث بينهما، الا ان من يعرف اكسوم يمكنه التكهن بما قاله المسؤول الاميركي في حضرة رئيس الحكومة اللبناني.
اليوم عاد اكسوم الى القيادة في واشنطن ليشبك ساعديه مع سواعد "مستشارين" اميركيين كثيرين، من امثال عضو "مجلس الأمن القومي" وصديق الأسد روبرت مالي، الذي شارك في المفاوضات النووية مع ايران، على الرغم من انه ليس ملماً بالشؤون النووية، ما دلّ على ان ما دار بين الاميركيين والايرانيين في تلك المفاوضات كان أوسع بكثير من الشؤون النووية.
وبين "ابو مقاومة" الاميركي وصديق الأسد ومشاركتهما في صياغة سياسة الرئيس باراك أوباما، وفي التفاوض مع حلفاء اميركا وخصومها، مثل ايران، لا يبدو صعبا التكهن بما يدور في لقاءات المسؤولين الاميركيين مع مضيفيهم الشرق اوسطيين. مع الرئيس باراك أوباما، لم يعد اكسوم وحده ابو مقاومة، بل اصبحت واشنطن بأكملها عاصمة المقاومة.