لماذا قطع كيري عطلة بوتين؟
لم تصل الوقاحة الأميركية ما وصلت اليه هذا الاسبوع، فإدارة الرئيس باراك أوباما، التي عرقلت على مدى السنوات الأربع الماضية تسليح وتدريب ثوار سوريا، والتي تحث دول الخليج على انهاء حملتها العسكرية في اليمن، ذهبت الى موسكو لإقناعها بأن انتصارات ثوار سوريا خلقت وضعا جديداً ومتغيراً على الأرض، وان الأفضل للروس ان يتخلوا عن الرئيس السوري بشار الأسد في أسرع ما يمكن، وان يقنعوه بضرورة مشاركة نظامه في عملية الانتقال السياسي، لئلا ينهار النظام وتصبح سوريا بأيدي الثوار بالكامل.
أميركا تعتقد ان الحل الأفضل لمشاكل منطقة الشرق الأوسط هو عملية انتقال سياسية تؤدي الى دخول الدول العربية في ترتيبات أمنية مع إيران، تحفظ للأخيرة "مصالحها" داخل سوريا واليمن.
أول مؤشرات التفكير الأميركي فجاءت عن طريق المعلق في صحيفة "واشنطن بوست" دايفيد اغناتيوس، الذي كتب في 30 الشهر الماضي ان "الأمل الأميركي هو ان يدفع الضغط العسكري في سوريا واليمن المتحاربين الى عملية دبلوماسية كالتي تحدث عنها (وزير الخارجية الإيراني جواد) ظريف (في نيويورك)، ولكن مع تقدم لحلفاء الولايات المتحدة في ساحات المعركة"، وهو التقدم نفسه التي سعت واشنطن ومازالت تسعى الى احباطه على قاعدة ان الموازين العسكرية لا تهم لأن الحلول ستكون سياسية حصرا.
وأضاف اغناتيوس، المقرب من الإدارة، ان "الولايات المتحدة ترى ان الخطوة التالية ستكون تجديد واشنطن وموسكو لمجهودهما المشترك للبدء بحوار سوري سلمي، تنضم اليه إيران في وقت لاحق".
وبالكاد مرت عشرة أيام على كلام الكاتب الأميركي حتى وصل وزير الخارجية جون كيري الى روسيا. وللضرورة، زار كيري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجعه في سوتشي، وهي الزيارة الأرفع لمسؤول أميركي لبوتين منذ سنتين.
وفي سوتشي، سمع الوزير الأميركي موافقة روسية على العودة الى "اتفاقية جنيف 1"، والتي لم ينفك مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا ستيفان ديميستورا يهاجمها، بتحريض من الروس والأميركيين، ويدعو الى استبدالها. وتنص الاتفاقية المذكورة على ضرورة انخراط الطرفين المتحاربين في سوريا في حوار يؤدي الى انتقال سلمي للسلطة. لكن الوثيقة لا تحدد مصير الأسد في عمليتي الحوار والانتقال.
والعودة الى مجهود أميركي – روسي مشترك لرعاية انتقال سلمي في سوريا، بمشاركة إيران حسب اغناتيوس، هو التصور الذي تحدث عنه كيري في جلسة الموافقة على تعيينه وزيرا للخارجية في الكونغرس في كانون الثاني 2013، عندما قال انه سمع من نظيره الروسي سيرغي لافروف "نية روسية في رؤية الأسد يرحل... لكن لديهم (أي الروس) تصورا مختلفا للتوقيت وللطريقة التي يرحل بها". وفي الجلسة نفسها قال كيري ان على بلاده ان تجعل "الرئيس الأسد يرى الكتابة على الحائط"، بعد ان يتقين من ان معركته العسكرية في الإبقاء على حكمه خاسرة، وان يقوم الأسد بالخيار الصائب بوقف الموت وإبقاء الدولة متماسكة من أجل عملية انتقالية".
ثم اكتشف كيري، بعد وقت قصير، ان معلمه باراك أوباما لم يكن مهتما بإنقاذ أرواح السوريين، بل مهتما أكثر بالحفاظ على النظام السوري من استبداله بمجموعات ثورية في صفوفها إسلاميين.
وللحفاظ على الوضع القائم في سوريا، راحت إدارة أوباما تراوغ، وتعلن عن برامج تدريب للثوار ظلت تماطل في اقامتها، وتطلب من الثوار مواجهة تنظيم "الدولة الاسلامية"، لكن من دون ان توافق على تسليح هؤلاء الثوار، بل لطالما مارست الولايات المتحدة الأميركية ضغوطاً على حلفائها الشرق اوسطيين لثنيهم عن تسليح المعارضة السورية.
ثم جاء يوم رأى فيه حلفاء أميركا ان واشنطن تراوغ، وأن لا حل لديها لدوامة العنف في سوريا، فقرروا تسليح المعارضة السورية، ما أدى الى قلب الموازين العسكرية على الأرض، وراح "جيش الفتح" يحرز الانتصار تلو الآخر، فيما الأسد والقوات المتحالفة معه تتراجع.
انتصار الثوار هو ما دفع كيري الى الاذعان والهرع للقاء بوتين عله يقنعه برحيل الأسد، وبقاء النظام، والإبقاء على حصص روسيا وإيران في سوريا، التي يبدو ان الوزير الأميركي صار يخشى ان الثوار قد يسيطروا عليها قريبا.