العبادي ممثلاً إيران في واشطن
لم يكد رئيس حكومة العراق حيدر العبادي يخرج من الباب الرئيسي للبيت الأبيض، حتى دخل من الباب الخلفي وفد من المسيحيين العراقيين عقد لقاء مع نائب مستشارة الامن القومي بن رودز. وجاء في بيان صادر عن برناديت ميهان، الناطقة باسم "مجلس الأمن القومي" الاميركي، ان رودز "اطلع الوفد على محادثات الرئيس" باراك أوباما مع ضيفه العبادي حول الحملة العالمية لمكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). وجاء في البيان أيضا ان السيد رودز جدد التزام أوباما بمساعدة مجموعات العراق المتنوعة، "بمن فيهم المسيحيون، والصابئة المندائيون، والشبك، والايزيديون".
والحال هذه، يصبح السؤال، من هم العراقيون الذين يمثلهم العبادي، حسبما قال عنه أوباما اثناء اللقاء بينهما، ان سر نجاح رئيس الحكومة العراقي يكمن في التزامه "حكومة جامعة يتوحد فيها الشيعة والسنة والكرد وكل شعوب العراق"؟ ولماذا لم يعقد رئيس حكومة الوحدة الوطنية العراقية، أي العبادي، لقاء مع العراقيين المسيحيين ليطلعهم على آخر المستجدات في بلدهم الأم، وعلى نتائج لقاءاته مع المسؤولين الاميركيين؟
الإجابة بسيطة، وتكمن في ان هدف زيارة العبادي الى العاصمة الأميركية هو تثبيت الترتيب الأميركي – الإيراني لوضع العراق تحت النفوذ الايراني، حتى ان أوباما نفسه قال بعد اللقاء انهما ناقشا "بشكل مفصل" الدور الإيراني في العراق، مضيفا انه " من الواضح ان العراق بلد ذو غالبية شيعية، ما يعني انه سيقع تحت النفوذ الإيراني وستكون له علاقات مع إيران". وتابع أوباما انه في الوقت الذي انهارت فيه القوات النظامية العراقية، كان مفهوما ان تتشكل ميليشيا "الحشد الشعبي لحماية بغداد ومناطق حساسة أخرى".
العبادي، وهو الوحيد ربما من حلفاء إيران العرب ممن يمكنهم زيارة واشنطن ولقاء رئيسها، سعى من خلف زيارته الى تثبيت وجهة نظر طهران امام الاعلام الأميركي والعالمي، ومن داخل البيت الأبيض نفسه، حيث دفع أوباما الى ما يشبه الإشادة بميليشيا "الحشد الشعبي" المثيرة للجدل.
وفي بلير هاوس، وهو المنزل المقابل للبيت الأبيض والذي تستضيف فيه الحكومة الأميركية زوارها من زعماء الدول، ألبس العبادي أوباما وادارته موقف إيران حول الأزمة في اليمن. ومما قاله رئيس الحكومة العراقي لمجموعة من الصحافيين ان الحكومة الأميركية تريد "ان يتوقف الصراع" في اليمن في أقرب وقت ممكن. لكن السعودية، حسب العبادي، "لا تريد وقفا لإطلاق النار الآن".
وكرر العبادي الموقف الإيراني من اليمن، فقال ان "مشكلة اليمن هي داخل اليمن"، وأضاف ان اتهام الحوثيين بأنهم "مجموعة تابعة لإيران"، هو "اتهام غير صحيح، فأنا اعتقد ان السعوديين مخطئون".
طبعا، سارعت إدارة الرئيس باراك أوباما الى نفي ما نقله العبادي عن مسؤوليها، وقال مسؤولون في الإدارة ان أياً منهم لم يناقش مع رئيس الحكومة العراقي الأزمة اليمنية، وان واشنطن لا تشارك العبادي وجهة نظره حول اليمن، بل هي تدعم الحملة العسكرية العربية التي تقودها السعودية في اليمن، وتؤيد الدفاع عن حكومة اليمن الشرعية.
ختاما، حاول العبادي اقناع واشنطن بيعه أسلحة متطورة: مقاتلات اف 16 الموعودة لبغداد منذ فترة، ومروحيات أباتشي وطائرات من دون طيار. لكن واشنطن واجهت طلبات المسؤولين العراقيين حول أسلحة متطورة بالصمت. وعندما أصر المسؤولون العراقيون، اجابهم نظراؤهم الاميركيون انه لا يروق لهم ان يروا دبابات ابرامز الأميركية ترفع اعلام "حزب الله" اللبناني وإيران. كما لا يروق للأميركيين ان يشاهدوا رايات داعش مرفوعة فوق عربات همفي الأميركية، التي خسرها العراقيون في الموصل.
ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان تزويد العبادي بأسلحة متطورة يعني إعطاء إيران هذه الأسلحة لنسخ تقنيتها، وهذا ما لا تريده واشنطن، حتى لو ان علاقتها مع طهران تبدو في تحسن.
لم يزر العبادي واشنطن ممثلا لجميع العراقيين او لحكومة وحدة وطنية، بل زارها ليفرض وجهة نظر طهران حول مواضيع العراق الداخلية وحول الأزمات الإقليمية، وليظهر وكأن اميركا تتبنى هذه النظريات. اما العراقيون من غير الشيعة، الذين يعانون من مرارة داعش والحرب عليها، فهؤلاء لهم بن رودز يتلو عليهم تأكيدات الإدارة حول التزام أوباما أمنهم.