"أم.تي.في" توبّخ الدروز: التضامن مع الشيعة ممنوع!
أسوأ ما اضطرت اليه "أم تي في"، هو تسمية الأشياء بأسمائها، وبوضوح كامل. حق القناة أن تعبر عن شعور جمهورها أو جزء منه. وفي المقابل، من حق الآخرين الاستنتاج بأن ما ظهر علناً، في تقرير نشرته عبر حسابها في "انستغرام"، بأنه تحريضي، وتضليلي، ولا لُبس في أبعاده المذهبية. والأسوأ من كل تلك الأوصاف، أنه اضطر الجمهور للإنزلاق الى خطاب طائفي مقابل، تحريضي أيضاً، طائفي بمكنوناته، للردّ على الفعل الأول.
"أصوات شيعية"
والتقرير المُشار اليه، نشرته القناة في حسابها في "انستغرام"، تهاجم فيه ثلاثة أحزاب سياسية درزية، اجتمعت مع "الحزب القومي السوري الاجتماعي"، وأصدرت بياناً طالبت فيه سكان الجبل بالتضامن مع أهل الضاحية والجنوب، لجهة عدم استغلال الأزمة والمخاوف، والإحجام عن طلب إيجارات خيالية للسكن، وذلك بعد "ارتفاع أصوات شيعية تشكو مما سمته استغلالاً من أبناء الجبل لوضعهم".
هالَت القناة هذه المبادرة. في تأوليها لطلب السكان بدل ايجارات يصل الى 2500 دولار، أسقطت فكرة العرض والطلب، واعتبرت أن طلب إيجارات باهظة، يعني أن اصحاب المنازل لا يريدون تأجير الهاربين من مخاوفهم.
اعتبرت القناة أن الأحزاب غير ذات اختصاص. هاجمتهم، وأعادت التذكير بـ"استغلال في مناسبات كثيرة لم تأبه فيها بيئة الحزب للتضامن". أعادت التذكير بهجوم 7 ايار 2008، والهجوم على المتظاهرين في 17 تشرين، وتحدثت في التقرير عن استغلال وعدم تضامن من بيئة الحزب. وقالت: "الوحدة الوطنية ليست لائحة طعام نختار منها ما نريد".
أميّة سياسية واقتصادية
لا مجال لتقديم إيضاحات حول الظروف الأمنية والاقتصادية، ولا ضرورة للتذكير بقواعد اقتصادية مرتبطة بالعرض والطلب، ولا بالدورة الاقتصادية التي يخلقها النازحون في بيئة ينزحون اليها، ولا بتداعيات الايجارات المرتفعة على سكان المنطقة نفسها في حال ارتفاع أسعار الايجارات..
كذلك، لا داعلي للتذكير ببيوت أهل الجنوب والشمال والبقاع التي فُتِحَت لمسيحيين ودروز في حرب الجبل، وللمسيحيين في حرب الإلغاء وحرب التحرير في أواخر الثمانينيات عندما عانت منها المناطق المسيحية.. ولا داعي لنكء جراح لبنانيين مدنيين ممّن دفعوا أثمان الصراعات السياسية على مدى عقود، ولم يشفوا منها بعد...
كذلك، لا داعلي للتذكير ببيوت أهل الجنوب والشمال والبقاع التي فُتِحَت لمسيحيين ودروز في حرب الجبل، وللمسيحيين في حرب الإلغاء وحرب التحرير في أواخر الثمانينيات عندما عانت منها المناطق المسيحية.. ولا داعي لنكء جراح لبنانيين مدنيين ممّن دفعوا أثمان الصراعات السياسية على مدى عقود، ولم يشفوا منها بعد...
شواهد التاريخ
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، لا يمكن قراءة التقرير إلا من زاوية أن معركة القناة، ليست معركة سياسية مع "حزب الله". أي تأويل عكس ذلك، هو ضرب في الخيال والنفاق. هي معركة مع طائفة، بمعزل عن انتماءاتها السياسية. معركة مع رقعة جغرافية، بمعزل عن مذاهب سكانها. معركة مع كتلة بشرية، لا يهمّ ما إذا كانت مؤيدة للحرب، أو متخوفة منها، أو متحفظة عليها، أو رافضة لها. معركة مع بيئة مقتدرة، تدفع مقابل الأمان، في تركيا والأردن وسوريا –ربما-، ويصبح رفضها هزالاً وسذاجة وأميّة سياسية واقتصادية.
مَن قال إن الشيعة كلهم مؤيدون لحزب الله؟ فلتركن القناة الى نتائج الانتخابات لتتأكد من مزاعمها وتعميمها.. ومَن قال إن سكان الضاحية أو الجنوب بأكملهم من الشيعة؟ فلتُجرِ مسحاً سكانياً وتنشر الأرقام.. ومَن قال إن سكان الضاحية من الشيعة، كانت لديهم خيارات أخرى للسكن، بعدما أمعن "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" وباقي أقطاب اليمين المسيحي الذي تحابيه القناة اليوم، بفرض شروط على التملّك في المناطق اللبنانية.. ولعل التذكير بتعميم بلدية الحدت، وشروط بعض لجان العمارات في الحازمية وبعبدا أخيراً، خير دليل!
وطالما أن القناة أعادت التذكير بـ7 ايار، وهي واقعة يرفضها اللبنانيون، ومن ضمنهم شيعة، من المفيد التذكير بالتطهير على أساس ديني الذي شهدته الحرب اللبنانية، وترفض القناة، كما سائر اللبنانيين اليوم نكء تلك الجراح، علماً أن التطهير على أساس ديني في الحرب، دفع الطوائف الى كانتوناتها، ومن ضمنهم شيعة الضاحية اليوم الذين فروا من النبعة وبرج حمود وسن الفيل، ولاذوا بالرويس وبرج البراجنة وحي السلم منذ ذلك الوقت..
ومن المفيد أكثر، أن تذكر القناة، لدى التصفّح في ذلك التاريخ، حادثة واحدة لتطهير على أساس طائفي تعرضت له بلدة مسيحية في الجنوب والبقاع قائمة في محيط تسكنه غالبية شيعية خلال الحرب!
أداة تحريض سياسي
الواقع أن خروج "أم تي في" في تقريرها على أدبيات اللغة الإعلامية المتعارف عليها في لبنان، لجهة تسمية الطوائف والبيئات والرقع الجغرافية، يخرجها في الشكل من دورها الإعلامي، ويحيلها الى أداة سياسية تقسيمية. أداة تحريض. أداة عزل. أداة إقصاء.. في الواقع، تطالب القناة بعدم التضامن مع فئات مهمّشة، وعدم التضامن مع مدنيين هاربين من خطر محتمل، وتشريع استغلال الفئة الضعيفة منهم!
"أم تي في"، في هذا التقرير، ليست وسيلة إعلام بالمعنى التقليدي للمفهوم. تجسد أداة الثأر السياسي. الثأر بالمعنى القبَلي، لا بمعنى المحاسبة. فالثأر من بيئة بأكملها تضم أفراداً وجماعات من مختلف الطوائف، ومختلف المناطق، يشبه مفهوم العشائر للثأر، خارج القانون، وهو سابقة في وسائل الاعلام، لم ينزلق اليها الإعلام اللبناني (بهذا الوضوح أقلّه) في أي منعطف تاريخي، حتى في الحرب اللبنانية، وسابقة في الدعوة للاقتصاص الجماعي.
باختصار، التقرير يستحق المراجعة، فهو معيب ومخيب للآمال!