إسرائيل تفضح نوايا التصعيد العسكري...برياً وبقصف الضاحية

أدهم مناصرة
الجمعة   2024/11/15
تروّج إسرائيل لضغط عسكري يُلزم لبنان بإتفاق على مقاسها (مصطفى جمال الدين)
تواظب إسرائيل في خطابها الرسمي والإعلامي على ربط تطورات المسار العسكري في لبنان، بالسياسي، بحجة أنهما متلازمان، وكذلك الحال عند تفسيرها لتصاعد هجمات حزب الله أخيراً.. وكأن نار الحرب المستعرة، شكل آخر للتفاوض المحتدم! 
وهذا ما يُستخلص من تحليلات التلفزة والصحف العبرية لتطورات العدوان على لبنان، ونقاشات إسرائيل مع أميركا وروسيا بخصوص "التسوية المطلوبة" مع بيروت.

فبعد الادعاء بتقدم مفاوضات وقف إطلاق النار، بدعوى أن الاتفاق بات شبه جاهز، عاد الصحافيون المقربون من الأمن والساسة في تل أبيب، ليتحدثوا عن نقاط خلافية في الاتفاق، والحاجة إلى "ضغط عسكري إضافي" على حزب الله.

بينما سلطت قنوات تلفزيونية عبرية الضوء على إطلاق الجيش الإسرائيلي المرحلة الثانية لـ"المناورة البرية" بجنوب لبنان، لكن هيئة البث الإسرائيلية فضلت استخدام تعبير "تعميق" العملية البرية لتشمل قرى لبنانية جديدة. وجاء الترويج لتوسعة التوغل بعد حديث مواقع عسكرية قبل يومين عن أن نحو 200 قرية لبنانية لم تدخلها القوات الإسرائيلية، وأن رشقات صاروخية انطلقت أخيراً من بلدات لم يتم التوغل فيها.

التوغل الموسّع.. لهدفين!
وأبرَزَ الإعلام العبري هدفين لتوسيع العملية البرية، أولاً عسكري يتمثل بالبحث عن منصات جاهزة لإطلاق صواريخ، وأسلحة، ومبان "يستخدمها" حزب الله. أما الهدف الثاني، فهو سياسي مزعوم، ومفاده ممارسة ضغط إضافي على حزب الله؛ لدفعه إلى "القبول" باتفاق يتضمن شروطاً جديدة.

والواقع أن إسرائيل روّجت لتوسيع عمليتها البرية أكثر من مرة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، لكن قواتها لم تتعمق فعلياً أكثر من 3 كيلومترات من الحدود. في حين قالت مراسلة القناة "11" العبرية، جيلي كوهين، إن المستوى السياسي الإسرائيلي منح الجيش الإذن بتوسيع العملية العسكرية "بشكل بسيط" في العمق اللبناني، بالتوازي مع المحادثات السياسية.

وسبقت إعلان توسيع العملية، إشارة المراسل العسكري لموقع "واللا"، أمير بخبوط، نقلاً عن مصدر عسكري، إلى جهود يبذلها حزب الله للعودة إلى الحدود، وأن المحافظة على "الإنجازات العسكرية" تتطلب حلاً سياسياً، أو تعميقاً "للمناورة البرية".

"موجة تصعيد"
وبالنسبة لهجمات حزب الله التي ازدادت وتيرتها مؤخراً، فقد عنونها مراسل تلفزيون "مكان" العبري في الجبهة الشمالية، بـ"موجة تصعيد في الشمال"، مشيراً إلى "رشقات صاروخية ومسيّرات وصافرات إنذار بلا توقف في الشمال". ونقلت قناة "كان" العبرية عن مصدر سياسي، بأنّ الحزب "تعافى من صدمة" اغتيال أمينه العام حسن نصر الله.

بينما استضاف التلفزيون الإسرائيلي الرسمي، جنرالاً في الاحتياط ليجيبه على سؤال بشأن دوافع "توسيع العملية البرية"، رغم إعلان وزير الجيش الجديد يسرائيل كاتس، قبل أيام قليلة، "الانتصار" على حزب الله.

ورأى محلل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنه إذا استمر القتال على الجبهة الشمالية، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى "الاقتصاد أكثر" في استخدام الذخائر، كما أن ظروف الشتاء ستجعل القتال أصعب. ووفق هرئيل، تحاول حكومة نتنياهو تعويد الإسرائيليين على الحرب، لكنه قال إن التقارير اليومية عن القتلى ليست "ثمناً طبيعياً".

صواريخ "قصيرة المدى".. هدف للتوغل "الموسّع"
وقال الجنرال الإسرائيلي إن المهمة الأساسية للجيش هي إبعاد مقاتلي الحزب إلى ما وراء الليطاني، معتبراً أن المرحلة الأولى لـ"المناورة البرية" تركزت على تدمير البنية التحتية القريبة من الحدود، بينما تهدف المرحلة الثانية إلى إبعاد "خطر الصواريخ قصيرة المدى" التي تُطلق من قرى قريبة من الحدود باتجاه حيفا ونهاريا، إضافة إلى إبعاد مقاتلي الحزب بشكل أكبر.

ووفق ضابط الاحتياط، أرادت إسرائيل في البداية أن تُحيّد الصواريخ قصيرة المدى باتفاق سياسي، لكنها "اضطرت الى تعميق" التوغل البري نتيجة تعقيدات تعترض الاتفاق في لبنان.

وبحسب مزاعم هذا الضابط الإسرائيلي، توجد الصواريخ قصيرة المدى "داخل بيوت" في قرى الخط الثاني في جنوب لبنان، ومن السهل إخراجها منها خلال دقائق أو نصف ساعة على الأكثر، ومن ثم إطلاقها. وادعى أيضاً بوجود طريقتين لتحييد "خطر" هذه الصواريخ: إما بحل سلمي، وإما بوصول القوات الإسرائيلية إلى تلك البيوت وتدميرها إلى جانب الصواريخ الموجودة داخلها.

وبالنسبة للصواريخ "الدقيقة"، أشار الجنرال في الاحتياط في حديثه التلفزيوني، إلى أن صعوبات اعتراض إطلاق الصواريخ "الدقيقة" (طويلة المدى)، أقل من الصواريخ القصيرة المدى؛ لأن "الدقيقة" تحتاج عملية إخراجها من الأنفاق والتحضير لإطلاقها، وقتاً أطول يصل إلى ما بين ساعة وساعة ونصف، وهي مدة زمنية كافية لرصدها من الطائرات الحربية الإسرائيلية واستهدافها.
"أسبوعان حاسمان".. للاتفاق
وبموازاة تطورات الميدان، طرح الإعلام العبري أسئلة على خبراء عسكريين واستراتيجيين، بشأن صحة "المعادلة" الرابطة بين اشتداد القتال بجبهة لبنان، واقتراب التوقيع على اتفاق سياسي..فأجمعت إجاباتهم على علاقة بينهما، خصوصاً من ناحية حزب الله، بادعاء محاولته فرض موقفه على طاولة المفاوضات.

ورغم تعقيد فرص إنهاء الحرب، نوهت قراءات عبرية بأنّ الأسبوعين المقبلين قد يحملان جديداً بخصوص الاتفاق مع لبنان، مضيفة أن وقف الحرب "مصلحة أميركية واضحة"، لكنها أشارت أيضاً إلى قضايا يجب حلها بين الولايات المتحدة ولبنان.. وكأن المفاوضات بين واشنطن وبيروت أولاً وأخيراً!

"وثيقة جانبية".. للاتفاق
وسط ذلك، سعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى "تبرئة" إسرائيل من عرقلة المفاوضات، بزعمها أن الإشكالية بين الولايات المتحدة ولبنان، وأن الاتفاق الذي ترنو إليه أميركا وإسرائيل، يتضمن "وثيقة جانبية" تشكل ضمانة أميركية بأن تل أبيب "ستحتفظ بحق التصرف العسكري إذا فشلت آلية التنفيذ للتعامل مع الانتهاكات"، وفق قولها.

بيدَ أن محرر الشؤون السياسية لتلفزيون "مكان" العبري، شمعون أران، وجد في لقاء وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في واشنطن، مؤشراً للافتراض أن ديرمر ربما "سيجني ثمار جهوده" لبلورة اتفاق مع لبنان، بعد تسلم ترامب مهامه رسمياً أواخر كانون الثاني/يناير 2025. 

في حين، ذكر موقع "مكور ريشون" العبري، أن حزب الله وإيران والدولة اللبنانية، متحمسون لاتفاق وقف إطلاق النار، بينما لا تستعجل إسرائيل التسوية؛ لأنها تريد اتفاقاً يضمن لها "سيطرة استخباراتية وعسكرية" في المنطقة ما بين الحدود والليطاني، للمحافظة على "إنجازاتها العسكرية وضمان واقع جديد".. وأن إسرائيل لا تريد اتفاقا يقضي بـ"احتواء حزب الله"؛ لأنها مرحلة "ولّت"، وإنما حسم أمره، بحسب الموقع العبري.  

أسئلة معقدة
وفي سياق الإيحاء الإسرائيلي بأن "العقبة لبنانية بحتة"، قالت قناة "كان" الرسمية إن السؤال الذي يعقد مفاوضات وقف إطلاق النار هو "متى سينتشر الجيش اللبناني جنوب الليطاني؟"،
بينما أقرت تحليلات عبرية أن شروط إسرائيل صعبٌ أن يقبلها حزب الله، لكنها طرحت سؤالاً عكسياً: إذا كانت الصيغة الحالية لا تحظى بقبول حزب الله، فما الصيغة المقبولة إسرائيلياً ولبنانياً في آن واحد؟

الحال أن طرح هذه الأسئلة يقود إلى الاستنتاج بأن الطريق إلى الاتفاق السياسي ما زالت متعثرة، وأن الأمور ربما تُرحل إلى السنة الجديدة، رغم تأكيد الإعلام العبري على محاولات كبيرة من إدارة بايدن لإبرام الاتفاق قبل انتهاء ولايتها التي تبقى لها أسابيع قليلة. 

ويبدو أن إسرائيل تعوّل أيضاً على فصل الشتاء، إذ اعتبر المحاضر الإسرائيلي في جامعة بار إيلان، باراك بوكس، خلال مقابلة تلفزيونية، أن فصل الشتاء والظروف الجوية العاصفة ستؤخذ بعين الاعتبار، لتقليل الفجوة بين إسرائيل ولبنان، لا سيما عندما يشكل الشتاء ضغطاً على الدولة اللبنانية وحزب الله لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار، يبدأ مؤقتاً لمدة ستين يوماً، ومن ثم يتم استئنافه عند دخول دونالد ترامب البيت الأبيض.

وبحسب باراك بوكس، فإن انتفاض السكان المدنيين النازحين، إثر معاناتهم التي ستشتد في فصل الشتاء، يمكن أن يشكل "تمرداً مدنياً" وضغطاً على بيروت وحزب الله، وبالتالي تقريب الاتفاق أكثر، وفق زعمه.