غموض إسرائيل حيال أهداف جيشها باجتياح لبنان

أدهم مناصرة
الإثنين   2024/10/07
إعلام إسرائيلي: "التاريخ يحذر من الغرق في المستنقع اللبناني العميق" (علي علوش)
ما يجري على الأرض يمحو كلام إسرائيل الرسمية في الإعلام. هذا ما يُمكن استنتاجه من التباين بين ما أعلنته قيادة جيش الاحتلال في الوهلة الأول، أي قبل أكثر من أسبوع، عن إطلاق عملية برية محدودة ومحددة في عمق أراضي الجنوب اللبناني، لكن ما يجري في الحقيقة أن الاحتلال يمضي قدما نحو توسيع العملية.
وهذا ما أكده أيضاً مراسل تلفزيون "مكان" العبري للشؤون العسكرية، إيال عاليما، إذ قال في إفادته الصباحية إن الجيش الإسرائيلي وسع توغله البري في لبنان خلال الساعات الأخيرة، مشيراً إلى مفارقة بخصوص ما تحدثت عنه قيادة الجيش في بادئ الأمر حول تنفيذ عملية توغل "محدودة"، لكننا "نرى في الواقع توسيعاً للعملية"، وهو أمر عده عاليما مثيراً للاستفهام بشأن "وجهة العملية البرية في لبنان"، في ظل استدعاء قوات احتياط إضافية لغاية توسيع "المناورة البرية" المذكورة.

وأضاف عاليما أن "جهوداً عسكرية كبيرة يبذلها الجيش في مناطق لبنانية متعددة"، مكرراً مزاعم المتحدث العسكري بشأن تدمير "ألفي هدف لحزب الله، بما فيها أنفاق". وهنا، ذكر مراسلون عسكريون إسرائيليون أنه خلافاً لأنفاق غزة التي تتخذ شكل شبكة، فإن أنفاق لبنان ليست "شبكة متصلة"، وإنما موزعة في مناطق متعددة بالجنوب اللبناني، كنقاط استعداد وانطلاق لقوات الرضوان التابعة لحزب الله، لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل. 

وربما ترتبط هذه المفارقة بين أنفاق غزة وتلك الموجودة في لبنان، بأمر لوجستي خاص بطبيعة تربة لبنان الصخرية التي تجعل حفر الأنفاق مختلفاً، بينما توجد في غزة رمال تجعل من الحفر فيها أكثر سهولة.

وزعم الاحتلال أنه اكتشف نفقاً بطول 250 متراً في الناحية الأخرى للحدود مع لبنان، عُثر في داخله على "كميات كبيرة من الأسلحة"، بادعاء أنه كان مُعداً لتنفيذ هجوم على إسرائيل. لكن وسائل إعلام عبرية نوهت بأن النفق لا يخترق العمق الإسرائيلي.

"وقائية.. عشية ذكرى 7 أكتوبر"!
بدورها، راحت صحف عبرية، منها "إسرائيل هيوم" إلى إبراز الجنود والضباط الإسرائيليين الذين قتلوا في الجبهة الشمالية، وخصوصاً خلال العملية البرية الحالية بالعمق اللبناني، وقالت إنه "عام الحزن"، غير أنها وصفت هؤلاء بـ"أبطال تركوا وطنهم.. من أجل وطنهم"، وهي معالجات إعلامية عبرية تهدف إلى تحفيز وتشجيع الجنود على مواصلة القتال في لبنان، وإلى أجل غير مسمى.

كما سلطت صحف عبرية أخرى الضوء على ما عدته "السير البري الإسرائيلي"، وعنونت "اضربوا العدو.. ومقدراته"، معتبرة أنه "امتحان متعدد الجبهات، واختبار شامل على مختلف الساحات".

في حين، وضعت أقلام إسرائيلية متخصصة بالشأن العسكري، عملية لبنان البرية، وكأنها عملية "وقائية واحترازية" قبل حلول الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 تشرين/أول على منطقة غلاف غزة، وسط تشديد جيش الاحتلال تأهبه على كافة الحدود، خشية اختراقها، ومحاولة أطراف تنفيذ عملية تحاكي هجوم القسام الذي نُفّذ قبل نحو عام، لإيصال رسائل تحد لإسرائيل.

رغم ذلك، طرحت محطات تلفزة عبرية خلال نشراتها، تساؤلات بشأن سقوف العملية البرية في لبنان، وكان أبرزها تقرير بثته قناة "كان" العبرية، وترجمته "مكان" إلى العربية.

4 عمليات توغل.. خلال 46 سنة!
واستذكر التقرير تاريخ العمليات البرية الإسرائيلية في لبنان منذ نحو 46 سنة، ومآلاتها، بدءاً من الاجتياح الأول الذي أعقب عملية الساحل العام 1978، والتي نفذها أفراد من منظمة "التحرير" الفلسطينية تسللت من جهة لبنان، وقررت إسرائيل حينها تنفيذ حملة عسكرية، وعمل جيشها في جنوب لبنان مدة ثمانية أيام، اغتال خلالها المئات من مقاتلي المنظمة الفلسطينية، وقد وصل جنود الاحتلال حينها حتى نهر الليطاني الذي حملت العملية الإسرائيلية اسمه وقتها. 


ونشر تقرير "كان" صوراً أرشيفية للقوات الإسرائيلية المتوغلة في العمق اللبناني في ذلك الوقت. واللافت أن نائب رئيس الأركان الإسرائيلي سابقاً، عوزي ديان، قال للتقرير إن تلك العملية لم تكن تحمل "تصوراً استراتيجياً شاملاً"، لكنه وصفها بـ"عملية انتقام ناجحة". كما عرض التقرير مقطعاً مصوراً قديماً للرئيس الراحل لمنظمة "التحرير" ياسر عرفات، وهو يصف التوغل الإسرائيلي الأول، بـ"اجتياح بربري".

ثم خرج جيش الاحتلال، وعاد إلى لبنان العام 1982، بحجة إقامة حزام أمني، وذلك تحت عنوان "عملية سلامة الجليل"، حيث وصل جيش الاحتلال إلى بيروت. وهنا، قال رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، عوزي ديان، أنّ فكرة العملية كانت "محاولة تغيير الحكم في لبنان". وبعد العملية بأشهر، انسحب جيش الاحتلال من لبنان في أعقاب خروج منظمة "التحرير"، لكنه عاد إلى خط الحزام الأمني في أراضي بلد الأرز. واللافت أيضا ًأن معد التقرير العبري أقر بأن الجيش الإسرائيلي غرق مدة 15 سنة في المستنقع اللبناني.

وبث التقرير صور انسحاب الجنود الإسرائيليين من جنوب لبنان العام 2000، ومنها لحظة فرح عبّر عنها جندي أثناء عودته عبر الحدود، وهو يعبر عن أمله بأن تكون المرة الأخيرة التي يدخل فيها لبنان، وأن لا يعود إليه مطلقاً.

"الجيش تغير عن 2006"
بيدَ أن جيش الاحتلال عاد ليجتاح أراضي الجنوب اللبناني العام 2006، وقد وصف التقرير الإسرائيلي، وأيضاً جنرال بالاحتياط، عملية التوغل في ذلك الحين بـ"عملية فاشلة"، من منطلق عدم وجود خطط عسكرية، والافتقار إلى معلومات استخباراتية، ووجود خطأ في طريقة اتخاذ القرار. وأجمع جنرالات تحدثوا للتقرير، بأن الجيش الإسرائيلي ذهب من جديد إلى التوغل في لبنان الآن، بعدما "استخلص العبر"، زاعمين أن "الجيش تغير عما كان عليه في ذلك الوقت".

وعلق قائد سلاح البر سابقاً، غاي تسور، على العملية البرية الجارية، بأنه "من الطبيعي أن يسقط قتلى وإصابات في صفوف جنودنا، لأنها الحرب"، وذلك في سبيل تأييده لاجتياح جنوب لبنان.

بيدَ أن تسور قال أيضاً إن "إكمال الصورة العسكرية بحاجة إلى عملية سياسية"، مضيفاً أنه "يمكننا أن نقرر إنهاء حزب الله، لكننا بحاجة أيضاً إلى تعاون من دول أخرى لتكريس واقع أمني وسياسي جديد هناك".

كابوس الغرق بـ"المستنقع اللبناني"
ثم ختم معد التقرير، بالتنويه بأن الجيش الإسرائيلي اصطدم بمقاتلي حزب الله المدربين العام 2006، متسائلاً: "كيف تبدو المعارك البرية اليوم؟".

والحقيقة أن السؤال الأبرز الذي طرحه تقرير "كان" العبري، مفاده: "متى ستخرج القوات الإسرائيلية من لبنان بعد اجتياحها الرابع له؟". 

والحال أن خاتمة التقرير اعترفت بأن الهدف الذي وضعه المستوى السياسي الإسرائيلي لعملية التوغل البري في لبنان، ما زال غامضاً وغير معروف بعد.. فهل الهدف يكمن في إقامة حزام أمني؟ أم القيام بعملية محدودة وسريعة ثم الانسحاب؟

وكانت الجملة الأخيرة في التقرير عبارة عن تحذير، وذلك بالتشديد على أن "التاريخ يحذر من الغرق في المستنقع اللبناني العميق"!

ويبدو أن غموض الهدف، ليس مؤشراً بالضرورة على عدم معرفة القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ما تريد، بقدر أنها لا تريد أن تلزم نفسها بـ"عنوان محدد"، وذلك لإتاحة الفرصة للوصول لأبعد مدى في خطتها العسكرية. وربما يرتبط الغموض المتعمد بشأن الهدف إلى "تضليل العدو والصديق"، بشأن ما تريده إسرائيل فعلياً من عمليتها في لبنان.