التعليم والمستقبل.. خسائر إضافية في الحرب

المدن - ميديا
الإثنين   2024/10/07
الدراسة من بُعد في لبنان (غيتي)
وصل التلميذ علي الأكبر، إلى مدرسة في أحد أحياء بيروت قبل أيام، لا ليحصل العلم كما يفترض به أن يفعل في مثل هذا الوقت، بل نازحاً مع عائلته في قاعة دراسية استحالت غرفة نوم ومطبخ، فيما مصير العام الدراسي معلق على وقع القصف الإسرائيلي المتواصل منذ أسبوعين.

وكان العام الدراسي بدأ قبل وقت قصير من بدء التصعيد الأخير في بعض المدارس الخاصة، وكان من المقرر أن يبدأ في 1 تشرين الأول/أكتوبر في المدارس الرسمية. لكن وزير التربية اللبناني عباس الحلبي قرر الأحد تأجيل انطلاقه حتى 4 تشرين الثاني/نوفمبر، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

وتأثر 1,25 مليون تلميذ في "كافة مدراس لبنان من الحضانة إلى الصف الثالث الثانوي"، بحملة القصف المدمر الذي تنفذه إسرائيل منذ 23 أيلول/سبتمبر على مناطق لبنانية متعددة، وتهجر 40% منهم، حسبما قال مسؤول في وزارة التربية والتعليم، من بينهم الأكبر (14 عاماً) وعائلته الذين لجأوا إلى مدرسة "صبحي الصالح" في بئر حسن قرب الضاحية الجنوبية، معقل "حزب الله" حيث دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية منزلهم، وأجبرتهم و1,2 مليون آخرين على النزوح من الضاحية والجنوب وغيرها من المناطق.

وقال التلميذ المحب للرياضيات والذي يضع نظارة طبية وكان ينتظر عودة الدراسة بفارغ الصبر: "أشعر بحزن وأفتقد أصدقائي وأساتذتي". ولا ترى والدته، بتول أرعوني (37 عاماً) "أفقاً" للعام الدراسي الحالي، متحدثة من قاعة دراسية أزيحت مقاعدها وطاولاتها لإفساح المجال لوضع مراتب اسفنجية سوداء رقيقة على الأرض للنوم، فيما تناثرت حبات طماطم على طاولة دراسية قرب النافذة.

وقرب ملابس مغسولة معلقة في جانب الغرفة، قالت الأرعوني بحسرة: "لا توجد أم لا تحب ألا يتعلم ابنها"، لكنها تابعت: "أفضل هذا العام أن يبقى ابني في حضني لأنه لا منطقة آمنة في لبنان". وكان في الإمكان سماع أصوات القصف الإسرائيلي على بعد كيلومترات من هنا.

وعوضاً عن الكتب والأدوات الدراسية، تكتظ صفوف المدرسة بزجاجات مياه ووجبات ساخنة ومراتب توفرها جمعيات خيرية لأكثر من مئة أسرة لجأت إلى المكان. وقالت فاطمة (8 سنوات) بحزن: "أفتقد مدرستي وكراسة الرسم".

ومنذ بدء التصعيد في 23 أيلول/سبتمبر، استشهد أكثر من 1100 شخص في أرجاء البلاد، بحسب الأرقام الرسمية، من بينهم 127 طفلاً على الأقل، منذ بدء تبادل إسرائيل و"حزب الله" إطلاق النار قبل عام غداة اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس".

وتحدث وزير التربية عباس الحلبي عن "مخاطر أمنية وعوائق نفسية تمنع العديد من العائلات من القبول بانتقال أولادهم على الطرق للوصول إلى صفوفهم". وقال مدير عام وزارة التربية عماد الأشقر أن "أكثر من 600 مدرسة من أصل 1200 مدرسة رسمية في البلاد تستخدم كمراكز نزوح".

وقالت سلمى سلمان (30 عاماً) وهي تحتضن ابنتيها التوأم في شارع الحمرا في قلب بيروت: "لا أحد يؤمن بأن يرسل أبناءه الى المدرسة في هذه الحرب". وتابعت: "نحن نقيم في الشارع منذ أسبوعين. لا أحد يفكر بالدراسة الآن".

واعتبرت مديرة منظمة "سايف ذا تشيلدرن" في لبنان جينيفر مورهيد أن التصعيد الأخير تسبب بـ"تعطيل شديد" للعام الدراسي، مبدية أسفها على "سنوات من التعليم الضائع التي لا رجعة فيها"، وهي "خسارة لا يمكن تعويضها". وشهدت كل السنة الدراسية السابقة ارتباكاً في جنوب لبنان بسبب تبادل القصف بين "حزب الله" وإسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وكان الحلبي تحدث، الأحد، عن الاستعداد لبدء العام الدراس "حضورياً أو عن بعد أو مدمجاً"، قبل أن يقرر الإرجاء. واشتكى أولياء أمر من صعوبة التعليم عن بعد خصوصاً مع النزوح وترك الأجهزة الإلكترونية في المنازل أو لصعوبات مالية تحول دون توفير الإنترنت الضعيف أصلاً في لبنان، بشكل دائم. وأشار آخرون إلى أن تجربة التعليم عن بعد أثناء فترة وباء كوفيد-19 لم تكن ذات فاعلية كبيرة.

وفي بيتها الراقي قرب البحر في بيروت، جلست نور خواجة (36 عاماً) تساعد ابنتها جود (7 سنوات) في درس باللغة الفرنسية مستخدمة تطبيقاً عبر الكومبيوتر، لكن الصغيرة بدت غير مكترثة. والتحقت الصغيرة بمدرستها الخاصة لمدة أربعة أيام قبل أن يجبر التصعيد الدامي المدرسة على التحول إلى التعليم عن بعد.

وقال خوجة التي دفعت 70% بالفعل من مصاريف المدرسة: "الطفل يحتاج إلى مساحة للعب ورؤية أطفال من عمره". وتابعت: "الأم والأب ليسا مدرسين. وأنا ليس عندي صبر. لا أخجل أن أقولها. فالتدريس ليس من مهامي".