القصف الإسرائيلي يحوّل صور مدينة أشباح

المدن - ميديا
الجمعة   2024/10/25
رئيس البلدية: "العقلية الإسرائيلية نفسها، مع الدعم الأميركي نفسه والدعم الأوروبي.. لماذا سيكون الأمر مختلفاً في لبنان؟" (Getty)
تردد دوي انفجارات قوية وارتفعت أعمدة الدخان الأسود في السماء وخلت المواقع الأثرية من السياح وابتعد الصيادون عن السواحل وهجر المتنزهون الشواطئ، حيث حول القصف الإسرائيلي مدينة صور الساحلية اللبنانية الخلابة إلى مدينة أشباح.

وكانت صور في مأمن معظم فترات العام الذي شهد تبادل إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل. لكن الغارات الجوية الإسرائيلية هذا الأسبوع أثارت مخاوف من أنه لن يكون هناك مكان آمن في لبنان، حسبما نقلت وكالة "رويترز".

وبالقرب من أحد المباني السكنية الثلاثة التي تحولت إلى أنقاض، وضعت عائلة متاعها في سيارة متوقفة تحيط بها شظايا الزجاج المكسور والحطام. وحُمّلت ثماني حشيات على سقف السيارة وربطت بحبل. وحطم القصف الإسرائيلي واجهات المباني المحيطة فانكشفت أنابيب الحمامات ومطابخ بالكامل. وتناثرت الأمتعة الشخصية في كل مكان، الأحذية والصور والألعاب والملابس.

وخلت الشواطئ الخلابة في صور من الرواد. وفي الشهر الماضي فحسب، كان ناشطو حماية البيئة يساعدون السلاحف البحرية المهددة بالانقراض على وضع بيضها على طول الساحل، لكن منذ ذلك الحين، حذر الجيش الإسرائيلي من الأنشطة البحرية، قائلاً أنها قد تكون مستهدفة.

وجلس الصياد خليل علي (59 عاماً) على رصيف ويلقي صنارته بلا أمل في البحر. وقال: "نحن قلقون. الوضع قد يكون مماثلاً لغزة. الإسرائيليون يصدرون الأوامر لإخلائنا وتهجيرنا من بيوتنا. هذه الحرب ليست متل حرب 2006"، فيما أفادت السلطات اللبنانية أن أكثر من 2500 شخص استشهدوا في الهجوم الإسرائيلي على لبنان، واضطر أكثر من 1.2 مليون نسمة على النزوح من منازلهم.

وأوضح رئيس بلدية صور حسن دبوق أنه لم يبق في المدينة إلا ربع السكان وأن كثيرين يخشون أن يطالهم الدمار الذي لحق بقطاع غزة الفلسطيني أيضاً. وأضاف: "الأشخاص أنفسهم والحرب نفسها والعقلية نفسها للمسؤولين الإسرائيليين مع الدعم الأميركي نفسه والدعم الأوروبي. العناصر نفسها، لماذا سيكون الأمر مختلفاً في لبنان؟"، حسب تعبيره.

وفي ميناء صور، كانت عشرات السفن راسية صباح يوم الأربعاء. وعادة ما تعج المنطقة بالنشاط حيث يأتي الصيادون بصيدهم لبيعه للتجار، لكن المكان يعمه الآن هدوء مشوب بالحذر. وجاء عدد قليل من الصيادين، ليس للصيد، لكن للاطمئنان على قواربهم. وأُغلقت المحلات التجارية والمطاعم، كما أٌغلقت الثلاجات التي كانت تحتوي على الأسماك الطازجة، وخلت من المنتجات.

ولم يبق في المدينة إلا الذين لم يعد لديهم مكان آخر يذهبون إليه والذين شعروا بواجب البقاء. وقالت امرأة من سكان صور إنها تفضل البقاء في مسقط رأسها على الموت كلاجئة. واختار وائل مروة (49 عاماً) وهو مدير مستشفى "جبل عامل"، المكوث في المدينة أيضاً. وهذا المستشفى هو واحد من ثلاثة مستشفيات مازالت تقدم خدماتها في جنوب لبنان.

وتذكر مروة الذي عاش حروباً كثيرة، طفولته التي كانت مليئة بالقصف والانفجارات والدمار. وقرر ألا يعرض أطفاله الثلاثة وذويه للأهوال ذاتها، فأرسلهم إلى مكان آمن في الشمال بينما بقي هو في صور. وقال في المستشفى: "قرار صعب، قرار فراق. ربما لن أراهم مجدداً. لا ندري كيف ستمضي الأمور في هذه الحرب الشرسة ضدنا".

وفي ممرات المستشفى، تناثرت الأمتعة الشخصية. ولإقناع بعض موظفيه بالبقاء، سمح لهم مروة بالعيش هناك مع عائلاتهم. وكما هو الحال في المدينة ذاتها، لم يبق في المستشفى سوى ربع الأطباء، كما بقي أكثر بقليل من ثلث الممرضات.

وتجول مروة في وحدة العناية المركزة ووحدة غسيل الكلى للاطمئنان على نحو 30 مريضاً أصيبوا في الحرب، كثيرون منهم مصابون بجروح خطيرة وفاقدون للوعي. ويرسل مروة المرضى أصحاب الحالات المستقرة إلى بيروت كل يوم، لكن مع استمرار الصراع، فإنه يستعد ويجهز المستشفى للأسوأ.

وقال مروة أن هناك أنماطاً مثيرة للقلق في تصرفات إسرائيل في لبنان تشبه ما حدث في غزة، خصوصاً فيما يتعلق باستهداف عمال الإغاثة والمساعدات الطبية والمستشفيات. ويقول لبنان أن 13 من مستشفياته وأكثر من 100 منشأة صحية أخرى خرجت من الخدمة بسبب الضربات الإسرائيلية، فيما أفادت "منظمة الصحة العالمية" أن أكثر من 100 طبيب وعامل إنقاذ استشهدوا العام الماضي في لبنان.

ورأى مروة أن الضربات الإسرائيلية محاولة لإضعاف الروح المعنوية، لكنه قال أنها لم تؤثر على إحساسه بالمسؤولية. وأضاف: "وجودنا هنا كأطباء وكمستشفى هو جزء من صمودنا في المنطقة".