الرواية الكاملة لاستشهاد الصحافيين في حاصبيا: استهداف مقصود ومباشر

راغب ملي
الجمعة   2024/10/25
من موقع استهداف الصحافيين في حاصبيا (سوشيال ميديا)
حين وقع خيار الصحافيين قبل أكثر من شهرين على منتجع "حاصبيا فيلادج كلوب" للإقامة فيه، كان الاعتبار الأساس أنه في منطقة يُفترض أنها آمنة، ويتيح لهم موقعه المرتفع تصوير المناطق المعرضة للاعتداءات في الخيام وكفركلا وسهل مرجعيون وشبعا وكفرشوبا، من دون تنقلات كثيرة يمكن أن تعرضهم لمخاطر مباشرة. 
لكن ما حدث فجر الجمعة، هو أن إسرائيل استهدفتهم عمداً، كما قال الصحافيون والمسؤولون اللبنانيون، إذ لا يمكن تبرير هذه الاستهدافات بأنها حدثت خطأً، بينما تدلّ نتائج التحقيقات، كل مرة، إلى أنها استهدافات متعمدة ومباشرة ضد الصحافيين.

والموقع الذي تبيت فيه الأطقم الصحافية في حاصبيا، وهو موقع معروف بوجود الصحافيين، يثبت أن هذه الاستهدافات ليست مسألة عشوائية. لذلك، وجّهت إسرائيل رسالتها بالنار والدم: "اخرجوا من المنطقة". 

صحافيون حصراً
تصف الصحافية يمنى فواز التي كانت حاضرة في موقع الهجوم، بأنه "استهداف مباشر لمكان إقامة الصحافيين الذين يسكنون في منتجع "حاصبيا فيلادج كلوب" بشكل دائم لمتابعة وتغطية الأحداث". وتقول في تصريحات لـ"المدن" أن الموقع معروف كمقر للصحافيين من القنوات المحلية والعالمية، واضعة الاستهداف ضمن سلسلة اعتداءات متواصلة على الإعلاميين العاملين في جنوب لبنان منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

فواز التي تراسل قناة "أم تي في" من الموقع، تنفي شائعات تزعم وجود عناصر غير صحافية في الموقع، وتجزم بأن جميع المقيمين في في المنتجع هم صحافيون، ويبلغ عددهم 18 شخصاً من مراسلين، ومصورين، وتقنيين يمثلون قنوات محلية وعربية متنوعة مثل "MTV"، "الجزيرة"، "سكاي نيوز"، "الميادين"، "الجديد"، "المنار"، و"القاهرة". كما يضم النزل تجمعاً آخر قريباً لمراسلي قنوات "التلفزيون العربي"، و"الجزيرة الإنجليزية"، "الغد"، و"TRT".

وطاول الهجوم الاسرائيلي مجمعاً يتكون من شاليهات صغيرة بسقوف من القرميد تقع على ضفاف نهر الحاصباني، في بلدة حاصبيا الجنوبية ذات الغالبية الدرزية. البلدة، التي تبعد حوالى 50 كيلومترًا جنوب بيروت، تقع أيضًا بالقرب من الحدود الجنوبية مع إسرائيل والحدود الشرقية مع سوريا، ما يجعلها موقعًا استراتيجيًا لنقل ما يجري من أحداث هناك.


وبحسب فواز، استهدفت غارة واحدة المنزل حيث كان يقيم زملاء من قناة "الميادين"، ما أدى إلى استشهادهم مع مصور "المنار". وأشارت إلى أن اختيار هذا المكان تم لاعتباره آمناً، إذ "لم يتعرض للقصف منذ بداية النزاع في لبنان، كما أنه قريب من المناطق الجنوبية التي تتعرض للقصف المستمر، ما يسمح للصحافيين برصد ما يجري على خطوط المواجهة".
وتوضح فواز أن "الموقع يُستخدم كمكان للإقامة والنوم فقط، حيث يكون معظم الصحافيين نهاراً في مهمات تغطية مباشرة في المناطق الحدودية".
 

لا تحذيرات مسبقة

ويقع "حاصبيا فيلادج كلوب" على مرتفع يطل على خطوط النار في مناطق مثل شبعا وكفرشوبا والخيام وكفركلا، ما يسهل رصد الغارات والاشتباكات.

لم يتلقَ الصحافيون المقيمون في المكان أي تحذيرات مسبقة، كما أن بعضهم "مستمر في التغطية منذ أكثر من شهرين بلا أي مشكلات سابقة". وتؤكد فواز أن الهجوم الأخير أثبت أن "لا مكان آمناً في لبنان"، مشيرةً إلى أن ما يجري في لبنان اليوم يعيد إلى الأذهان استهداف الصحافيين في غزة، إذ بات الصحافيون في مرمى نيران الاحتلال.

وترى أن هذا الاستهداف "رسالة من جيش الاحتلال إلى جميع الصحافيين، وليست لقنوات محددة، تفيد بأن أحداً ليس في مأمن، وأن الهدف هو منع توثيق الاعتداءات المتواصلة على لبنان". 

توثيق من قلب الدمار
في مشهد مؤلم، وثّق مراسل قناة "الجديد" اللبنانية، محمد فرحات، اللحظات الصعبة بعد القصف عبر شريط فيديو صوّره بهاتفه المحمول. يظهر فرحات في الفيديو ووجهه يغطيه الرماد والغبار، فيما يحيط به الدمار وسقفٌ منهارٌ في غرفة بدت وكأنها مطبخ. 
ومع معالم الصدمة البادية على وجهه، قال فرحات بصوت متقطع: "بعيد الثالثة فجراً، العدو الإسرائيلي استهدف مكان تواجد الصحافيين في حاصبيا". وأضاف: "كنا نائمين في منزلنا. كما ترون، هذه غرفة النوم، وهذا هو السرير الذي كنت عليه"، مشيراً إلى سرير غطى معظمه الركام.


علي شعيب: نحن الحدث
في الجانب الآخر، نشر مراسل قناة "المنار"، علي شعيب، فيديو آخر وثّق فيه تفاصيل الهجوم قائلاً: "لأننا نحن أصبحنا الحدث، أقوم الآن بتصوير نفسي، لأن المصور وسام قاسم، الذي كان يرافقني ليل نهار منذ أشهر، قد أصبح الآن شهيداً". وتابع قائلاً: "أفتقده كما أفتقد زملائي في قناة الميادين، الشهيدين محمد رضا وغسان نجار. هنا في هذا المكان، قضى الشهداء هذا الفجر". وأوضح أن المنطقة المستهدفة كانت مخصصة لسكن الصحافيين الذين يقيمون فيها ويعودون إليها بعد أداء مهامهم اليومية على خطوط الجبهة.

شعيب شدّد على أن المكان لا يحتوي على أي مظهر عسكري أو شخص ذي صلة بالعسكر، بل هو منطقة محايدة، حيث قال: "نحن هنا في منطقة حاصبيا، عند حدود الجبهة المدنية، نغطي الأحداث في المنطقة الحدودية. سلاحنا هو الكاميرا، سلاحنا هو الصورة، سلاحنا هو الرسالة، هذا هو السلاح الذي ربما بات يرعب العدو الإسرائيلي كما ترعبه الصواريخ".