أهلا بهالطلة... أهلا!

تيما رضا
الأربعاء   2023/04/05
زينة رمضانية في بيروت (غيتي)
جاهزون نحن لاستقبالكم، نحن العالقين في وطن النجوم. وقد استعدنا شعار العام الماضي، وطوّرناه من أجلكم. بدلاً من "أهلا بهالطلة" ناشفة، زدنا "أهلا" إضافية، مُخلصين لسرقتنا أغنية صباح، ولكم ولدولاراتكم التي تنتظرها أزمتنا بفارغ الصبر، نحن العنزة التي تنعم بمرقدها اللبناني.

سمعنا أن باريس تعاني مشكلة نفايات وإضرابات عمّال، وأن أوروبا ترزح تحت وطأة الغلاء المعيشي، وأن كندا تكوي سكانها بالضرائب، والولايات المتحدة متجهة إلى انكماش اقتصادي، وأنكم تعانون في دول الخليج من كثرة العمل وبعضكم يعاني الإجحاف في الرواتب الزهيدة التي رضيتم بها في بداية الأزمة اللبنانية.

لا تخافوا على أطفالكم من التلوث البصري، لا طوابير أمام الأفران أو محطات البنزين أو المصارف. التجمعات الوحيدة في البلد هي على ضفاف المديرية العامة للأمن العام، تجمعات من الصباح الباكر بهدف الحصول على جواز سفر لطامحين باكتساب لقب مغترب. ومن التسهيلات الجديدة عدم الاعتماد على الصرّاف، فحتى اللوز الأخضر يمكنكم أن تدفعوا ثمنه بالدولار الأميركي.

"أهلا بهالطلة.. أهلا". شعار ليس عابراً أو نكتة، كما حاول البعض تصويره، بل حملة مدروسة تحمل في طياتها الإصرار والثبات، الإصرار على الواقع والثبات في التفاصيل.

مطار رفيق الحريري الدولي بكامل جهوزيته، في انتظار اطلالتكم. صحيح أن قرار توسعته لم يمر، لكن لا بأس، لن يؤثر ذلك في هبوطكم على مدرجاته، لكن من الأسلم أن تختاروا رحلتكم في وقت بعيد من نتائج الامتحانات الرسمية، تجنباً لرصاص الابتهاج بنجاح ولد ما، أو رصاص الغضب لرسوب آخر. كل ما عليكم هو التمني أن تحط الطائرة ويكون محيط المطار في وضع نفسي مستقر. لا تقلقوا من نوارس المطمر المجاور، وحدها رائحة نفوقها قد تدغدغ أنوفكم، لكن لا خطر مباشر منها..

الثبات ينسحب على طريق المطار القديم، اللواء قاسم سليماني في انتظاركم، كل أسبوع بصورة جديدة. أعذرونا، لكن هذه اللوحات الإعلانية محجوزة، لن نستطيع تخصيصها لكم. وعلى الأوتوستراد، على الأرجح، ستتمتعون برؤية عمر حرفوش في حال لم تنتهِ حملته الإعلانية الدائمة إلى حين توافدكم.

ورغم أن ألواح الطاقة الشمسية غطت مساحة كبيرة من سطوح المباني، إلا أنكم لن تفتقدوا خط التلوث في الأفق، فهو أوضح من أي وقت مضى. الهدوء العام في البلد مستتب، لا تغرنّكم الامتعاضات من الأسعار والمقارنات المتواصلة، فهذا جزء من الاكزوتيك اللبناني. وإذا ما رغبتم في مشاهدة أرقام خيالية بالليرة اللبنانية، يكفي أن تطلبوا أي فاتورة على سعر صرف السوق السوداء.

معضلة أخرى ستواجهونها، وهي التسوق في الدائرة الضيقة للحي أو القرية، لأنكم وأطفالكم تحت المجهر، وربطة الفجل في محل الخضار ستكون لجارك اللبناني المقيم بسعر مختلف عنك كسائح. صحيح أنها هي نفسها، مروية بالمياه الملوثة نفسها، وكبرت في التربة نفسها، لكنك كمغترب يجب أن تدفع أكثر "كرمال قيمتك".

أعلم تماماً أن الكثير من المغتربين اللبنانيين لديهم مشكلة أن أبناءهم وبناتهم يفتقدون إلى "الدعكة"، وأنهم بحاجة لأن يكونوا أكثر انخراطاً في المجتمع "لأن انا هونيك ما بخليهم يعاشروا حدا، بخاف عليهم من الفلتان وبتعرفي يمكن يتورطوا مخدرات أو شي".. إذا كنتم من هذه الفئة بالذات، فلن أستطيع أن أعدكم بالثبات والإصرار بهذه الحالة، فإقامتهم ستكون حافلة بالمفاجآت، وأي شيء يطلبونه سيكون في متناولهم، وأي شيء يعني أي شيء، طالما أموالهم في جيبهم سيستطيعون تجربة أي صنف يخطر في بالهم. وستعيشون قلقاً عليهم لم تشعروا به في حياتكم، ما إن يخرجوا من المنزل. ما يمكن أن يتعرضوا له، وإذا ما صودف وجودهم في محيط غاضب ما، قرر أن يستخدم سلاحه في ساعة تجلٍّ. لا تقلقوا من أخبار الخطف والتحرش وغيرها، فالأمن مستتب، وغالباً ما يتم القبض على المجرم بعد حين، وإذا لم يكن مدعوماً فسيُسجن.

لكن لا بأس هذا جزء من النضال في صفوف الطوائف والأحزاب التي لم تخرج من غالبيتكم، بعقليتها المريضة، رغم اغترابكم لأعوام وسنين. ورغم مرارة الغربة، ساهمتم مع أهلكم المقيمين في إعادة انتخاب الطبقة نفسها التي هجّرتكم.. فالانهيار تجربة لا يمكن اختصارها في كلمة، يجب أن تعيشها لتثمّنها.

من الأفضل تجنّب المقارنة بنوعية الطبابة، والنقاش حول الدواء الذي جرى وصفه من الطبيب، أو محاولة فهم تركيبة دواء ما لم تسمع به في حياتك، من الصيدلي، فهذه جميعها تندرج تحت فقرة الخروج من الدائرة الضيقة. ولا داعي لمقارنة المناهج المدرسية، أو السؤال عن مستوى المدارس والتنظير بما كانت عليه الأمور قبل اغترابكم.

ونحن جاهزون لاستقبالكم، بكل تفاصيل صيفنا الحار، قولاً وفعلاً، وقد أعدنا لكم أسعار البلدان المتقدمة. ستشعرون أنكم سياح في لندن أو باريس أو أي من تلك البلدان المصنفة من دول العالم السعيد.. لا تنسوا أهمية التجربة الفريدة في وطنكم الأم، الوطن الذي ينافس أفغانستان على لقب أتعس دول العالم، ويتربع على عرش أكثر الشعوب غضباً.

أنتم بحاجة لإجازة من ضغوط حياتكم اليومية في بلاد الاغتراب، تعالوا الى صدر الوطن الرحب، الوطن الذي سيمنحكم كل ما يلزم ليعيدكم راضين مرضيين إلى غربتكم، تثمنون المشكلات التي ترزحون تحتها في بلادكم الملونة. أهلا بهالطلة... أهلا!