في اغتيال أبوعاقلة..الإليزيه يضغط لتلطيف موقف الخارجية اتجاه اسرائيل
"خمسة اسئلة حول مقتل شيرين أبو عاقلة"، عنوان اتخذته صحيفة Ouest France. للوهلة الأولى يظن القارئ أن الصحيفة الفرنسية ستعرض الظروف الميدانية المحيطة "بمقتلها". لكن العنوان أتى "مخادعاً" إذ لم تتعمق Ouest France بالقدر الكافي حيال ما جرى في جنين يوم الاربعاء، بل اكتفت بالتعريف عن أبو عاقلة والقول إن "الضبابية لا تزال تحيط بظروف موتها". كذلك فعلت صحف أخرى مكتفية بعرض الروايتين، الفلسطينية والإسرائيلية.
بصورة عامة، جاء تناول الصحف الفرنسية لاغتيال أبو عاقلة دون المتوقع من بلد يعتبر مرجعاً في الدفاع عن الحريات بكافة اشكالها، لا سيما لناحية وضع الروايتين على قدم المساواة. ومع ذلك يمكن تسجيل مواقف أكثر وضوحاً لعدد من الوسائل الإعلامية الفرنسية.
موقع Mediapart الاستقصائي وصف أبو عاقلة "بصوت فلسطين" وبـ"أيقونة الصحافة" إلى جانب كونها "رمزاً لجيل بأكمله". وتحت عنوان "شيرين أبو عاقلة، وجه شجاع للصحافة الفلسطينية" سرد الموقع لحظاتها الأخيرة استناداً إلى شهادة الصحافي مجاهد السعدي الذي رافق أبو عاقلة إلى جنين. ونقلت Mediapart عن الصحافي الفلسطيني تأكيده على مرورهم، مع مجموعة من الصحفيين، من أمام الجنود الإسرائيليين حتى يلحظوا تواجدهم في المكان، مضيفاً أن الطلقة التي اصابت زميلته "سددت بدقة بالغة".
وفند الموقع الفرنسي الرواية الإسرائيلية التي اتهمت الجانب الفلسطيني باستهداف مراسلة "الجزيرة". فالمقطع المصور الذي نشره مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي وفيه يظهر مسلحون فلسطينيون يطلقون النار "من دون استهداف جنود اسرائيليين"، جرى دحضه بمقطع مصور لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسليم)، يوضح استحالة سقوط أبو عاقلة بنيران فلسطينية.
صحيحٌ أن موقع Mediapart لم يصف ما جرى بالاغتيال، لكن كان واضحاً مما نُشر أن أصابع الاتهام تتوجه إلى الجانب الإسرائيلي دون أدنى شك.
من جهتها وصفت صحيفة Le Monde نشر الجهات الرسمية الاسرائيلي للمقطع المصور "بالكذبة الصالحة لساعات فقط" بعدما أدلى وزير الدفاع الإسرائيلي بتصريح قال فيه: "نحاول فهم ما جرى" في تراجع عن الرواية الرسمية الأولى. ورغم عدم التعرف على قاتل أبو عاقلة بصورة رسمية، اعتبرت Le Monde أن مقتلها "يضع الإسرائيليين أمام مسؤولياتهم كقوة احتلال وما ينتج عنها من جرائم".
الخارجية الفرنسية حاولت المراوغة إذ اكتفت بالإدانة وتقديم التعازي دون أي ذكر لإسرائيل، مطالبةً في الوقت ذاته بإجراء تحقيق شفاف بأسرع وقت. وأكدت الخارجية الفرنسية على انحياز فرنسا لحرية الصحافة وحرصها على حماية الصحفيين في جميع أنحاء العالم.
سفيرة فلسطين في فرنسا، هالة أبو حصيرة، علقت على الموقف الرسمي الفرنسي معتبرةً أن الإدانات لم تعد تكفي والمطلوب تسمية القاتل باسمه. واعتبرت أبو حصيرة، في تصريح لـ"المدن"، ما جرى اغتيالاً متعمداً يفرض محاسبة إسرائيل وإنهاء الحصانة التي تتمتع بها عبر تحقيق دولي مستقل ومحايد. فالتجارب السابقة دلّت على غياب الثقة بالجانب الإسرائيلي. في هذا الإطار تأمل أبو حصيرة تجاوباً من السلطات الفرنسية خصوصاً وأن باريس عضو دائم في مجلس الأمن الدولي إلى جانب توليها الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الاوروبي.
وأضافت أبو حصيرة أنهم كبعثة دبلوماسية فلسطينية سيعرضون الحقيقة "واضحة المعالم" للجانب الفرنسي، من شخصيات رسمية ووسائل إعلامية ومجتمع مدني، فحرية الصحافة مستهدفة بدورها، والصحافيون الفلسطينيون لا يدخرون جهداً ووقتاً في توثيق الجرائم الإسرائيلية بكل أمانة وشفافية، بحسب السفيرة الفلسطينية.
الموقف الرسمي الفرنسي دفع بالنائبة اليسارية كليمانتين اوتان إلى نشر تغريدة وصفت فيها ما جرى بالاغتيال. وعبرت أوتان عن غضبها لصمت السلطات الفرنسية على مسؤولية الجيش الإسرائيلي. وختمت تغريدتها بالإشارة إلى حساب وزير الخارجية، جان إيف لودريان، في انتقاد واضح لموقف الدبلوماسية الفرنسية.
وكان مصدر دبلوماسي قد أشار لـ"المدن" إلى ممارسة الإليزيه ضغوطاً على الخارجية للحؤول دون اتخاذها موقفاً حازماً ضد إسرائيل.
من جهته غرد أمين عام الحزب الشيوعي، فابيان روسيل، مطالباً بمحاسبة الجيش الإسرائيلي على هذه الجريمة ، متسائلاً إلى متى سيطول إفلات إسرائيل من العقاب بموافقة المجتمع الدولي.
النائب الفرنسي مائير حبيب سارع إلى تبني الرواية الإسرائيلية عبر تغريدتين: الأولى تضمنت فيديو رئاسة الوزراء الإسرائيلية، ليتهم في تغريدته الثانية الجانب الفلسطيني بطمس الحقيقة بعد رفضه تشريح الجثة.
موقف حبيب كان متوقعاً، فهو يحمل أيضاً الجنسية الإسرائيلية وهو المعروف بقربه من أوساط اليمين المتطرف الإسرائيلي، إلى جانب انضمامه للوفد الاسرائيلي خلال زيارات نتنياهو الرسمية إلى باريس. المغردون سارعوا إلى الرد عليه واصفينه بالكاذب والخسيس. كما بادر العديد منهم، في إطار الرد عليه، إلى نشر فيديو منظمة "بتسليم" وخرائط جوية لموقع الحادثة توضح المسافة الفاصلة بين مراسلة الجزيرة ومكان تواجد المسلحين الفلسطينيين. وأبدى مغردون استنكارهم لما أدلى به خاصة وأنه يحمل صفة رسمية لم يعد يستحقها.
|