وبدا صادماً الهاشتاغ الذي انتشر، منذ مساء الأحد، واستمر التداول به حتى اليوم الإثنين، تحت شعارَي #الفدرالية_هي_الحل و#لبنان_فدرالي_حيادي بالنظر الى حجم التأييد لفكرة ظن اللبنانيون أنها باتت من الماضي، بعد انتهاء الحرب اللبنانية، وإثر الفشل في مقاربة تلك الصيغة من النظام التي لن ترضي الأكثرية الإسلامية من الناحية العددية، كذلك الأطراف المسيحية التي تتوجس من العزلة كما تتوجس من الصراعات في ما بينها بما يكرر تجربة الصراعات بين الزعامات الإقطاعية المسيحية في القرن التاسع عشر.
ولم تكن غالبية القيادات المسيحية منذ 1920 تحبّذ فكرة القوقعة، واعتبرت أن التقسيم أكثر ضرراً من توسعة لبنان بشكله الحالي. ولعل ذلك كان واحداً من الأسباب التي دفعت البطريرك الماروني الراحل، الياس الحويك، إلى رفض عرض فرنسي في العام 1920 أثناء النقاشات حول لبنان الكبير، يقوم على مبادلة طرابلس في شمال لبنان بوادي النصارى في ريف حمص الجنوبي الغربي، وبرر له الفرنسيون بتحدي الديموغرافيا في وقت لاحق.
والاقتراح نفسه، سقط خلال الحرب اللبنانية. فقد التقى جزء من المسيحيين مع شعار حافظ الأسد الذي رفعه في
خطاب جامعة دمشق في العام 1976 للدخول العسكري الى لبنان في ربيع العام نفسه، وقال فيه: "إسرائيل ترمي إلى تقسيم لبنان لسبب سياسي أيديولوجي فتحصيل حاصل أن نقول إن "إسرائيل" ترغب في إقامة دويلات طائفية في هذه المنطقة لتكون الدولة الأقوى".
وبمعزل عن الشعار الذي رفعه الأسد الأب للتوغل في لبنان، كانت الديموغرافيا وهواجس التاريخ على الدوام حائلاً دون تنفيذ مقترح مشابه، ولا تزال، ولو أنها باتت أكثر تعقيداً الآن، بالنظر الى أن الفدرلة من دون مالية مستقلة وسياسة خارجية متمايزة، لن تبدل شيئاً في مسار الحكم في لبنان، وهما شرطان لا يمكن تطبيقهما لأسباب سياسية وديموغرافية وموضوعية مرتبطة اولاً بالقوة الإسلامية عددياً واقتصادياً التي تنامت بعد الاستقلال، ومرتبطة بالانتشار المسيحي جغرافياً، والقوة البشرية في هذه المناطق، والصراعات بين الزعامات المسيحية -على تعددها- العاجزة عن الاتفاق على مسار تحكم فيه المناطق المسيحية ضمن آلية ديموقراطية لا تولد صراعات دامية.
وتثبت تلك المعوقات، الخرائطُ التي انتشرت ضمن الاقتراح، وتم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، وتقسم لبنان الى خمس مناطق حكم متشظية في الخريطة اللبنانية، ومتداخلة بشكل سوريالي. منطقة مسيحية وتضم 781 مدينة وقرية، ومنطقة اسلامية تضم 751 مدينة وبلدة وقرية، ومنطقة محايدة لا أكثرية فيها تضم 101 مدينة وقرية. وتنقسم المناطق الإسلامية الى شيعية وسنية ودرزية، من غير أن تلحظ التداخل الطائفي في كل تلك البلدات.
والحال أن النقاش حول الفدرلة، ينسحب الى نقاش آخر حول اللامركزية الموسعة التي طالب بها البعض كجزء من الحلول، وهي الواردة ضمن اتفاق الطائف، لكن العوائق المتصلة بالمالية والاقتصاد وصيغة الحكم، لا تزال تعيق تطبيق هذا المقترح.
ومع أن بكركي لم تطرح الفدرلة أبداً خلال الأزمة الحالية، واستبعدت أي نقاش فيها، كما لم يطرح "التيار الوطني الحر" (كحزب) ولا "القوات اللبنانية" كحزب أيضاً، هذه الفكرة، بل تحدثوا تلميحاً وتصريحاً عن اللامركزية الموسعة... لم ينظر مسيحيون تداعوا إلى تأييد مقترح الفدرلة خلال اليومين الماضيين، بعين مجردة، الى كل الهواجس والظروف الموضوية والتداخل الجغرافي والديموغرافي، كما لم يلحظوا مواقف الأحزاب المسيحية البارزة. وضع أحدهم مسودة دستور بثلاث لغات، ونشر المغردون تلك الصيغة من غير التمعن فيها.
جلّ ما رآه المغردون في الاقتراح، أنه حل نهائي للأزمات السياسية في لبنان، وهو تقدير خاطئ في أحسن الأحوال، ولا يمكن تطبيقه من دون توافر عاملَين: إما الضغط الخارجي الذي يولد صراعات دموية داخلية مع الشريك المسلم، وإما الحرب الداخلية التي لن تؤدي الى نتيجة أيضاً سوى الآثار الكارثية في الكيان وساكنيه.
ويقول المغردون أن الفيدرالية هي حل للأزمات الداخلية، بينما الحياد هو الحل للأزمات الخارجية. ورأى بعضهم أن الصيغة المركزية سقطت وستُدفن قريباً، فيما قال القاضي بيتر جرمانوس: "جربتوا الدولة المركزية العسكرية، جربتوا الدولة المركزية القومية-العلمانية، جربتوا الدولة المركزية الدينية، جميعها فشلت فشلاً ذريعاً... وحدها الامارات العربية المتحدة سجلت نجاحات باهرة. هل تكون الدولة العربية #الفدراليه_هي_الحل لوباء الديكتاتورية والطغيان؟"
ونشر القيادي في "التيار الوطني الحر"، ناجي حايك، استفتاء في صفحته في "تويتر"، يستفتي المغردين بين "لبنان فيدرالي – حيادي"، و"لبنان لا مركزي حيادي"، و"لبنان مركزي غير حيادي"، شارك فيه نحو 3 آلاف شخص.