سلاح الشيعة كوظيفة وجودية
ينطوي النقاش الاعلامي حول سلاح "حزب الله" وتبرير وجوده، على اختزال لوظائف هذا السلاح، الذي لا شكّ في أن جزءاً كبيراً منه مُعدّ لقتال اسرائيل، وجزءاً آخر استخدم للدفاع عن الحدود الشرقية للبنان في فترة انتشار الجماعات المتطرفة في سوريا في السلسلة الشرقية، فيما ترتبط وظيفة غير معلنة لهذا السلاح بالتوازنات اللبنانية وضمانة مشاركة الشيعة في السلطة.
وليس سرّاً الحديث عن هذه الوظيفة التي يتردد صداها في الصالونات السياسية، وتعامل الأفرقاء اللبنانيين معها كواقع، بعد انسحاب الجيش السوري في لبنان في 2005، كما تعرف هذه الوظيفة الدولُ المعنيّة بالملف اللبناني والغارقة في تفاصيل التوازنات الطائفية وميثاقية الحكم، حيث تفوق الأعراف قوة الدستور أحياناً، ويغلب التوافق النصوص القانونية.
وتختزل وقائع ثلاث، وظائفَ السلاح الذي لا يمكن أن ينتهي وجوده إلا بدولة مدنية، وبدولة قوية قادرة على ردّ الاعتداءات. فلدى سؤال الشيعة غير المحازبين عن أسباب تأييدهم للحزب في الأزمات، يأتي الجواب بأن الحزب، بسلاحه، مَنَعَ خطة تهجيرهم من قراهم خلال حرب تموز 2006 (بمعزل عن النقاش حول هذا الطرح وما إذا كان واحداً من خطط الحرب كما يقول مقربون من الحزب). كما أيدوا الحزب، لاستخدامه السلاح في 7 ايار 2008، والذي أعاد الشيعة الى الحكم بعد 18 شهراً من الاستقالة من الحكومة وبالتالي إبعادهم من السلطة. وأيدوا السلاح حين كانت الفصائل المتشددة تستهدف البقاع والهرمل بصواريخ، انطلاقاً من السلسلة الشرقية، وترسل السيارات المفخخة الى الضاحية.
غير أن الوظيفة غير المعلنة لتأمين مشاركة الشيعة في الحكم، لا تَرِد ضمن النقاشات في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها سرّاً شيعياً يثبّت نظرية المعارضين حول "القبض على السلطة بقوة السلاح"، وهو سرّ لدى الخصوم لأنه ينطوي على اعتراف الطوائف الأخرى بأن هذا السلاح يوفر ضمانة لمشاركة ثاني أكبر الطوائف عدداً في البلاد، في السلطة، علماً أن "التعداد" أُوقِف خلال تسوية الطائف، وهو الاتجاه الذي سرى في دول أخرى تتبع النظام البرلماني التشاركي، بينها بلجيكا التي اتفقت على إيقاف التعداد في العام 2008.
ولا ينصّ الدستور اللبناني على مشاركة شيعية في السلطة التنفيذية، لكن اتفاق الطائف، منحهم مشاركة من خارج النص، وباتت عرفاً. والمشاركة هنا، يُقصد بها وضع توقيع وزير المال على جميع المراسيم والقرارات التي تتطلب إنفاقاً مالياً من الحكومة، الى جانب توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
بدأ تنفيذ العُرف بعد الطائف بتولي الوزير الراحل علي الخليل حقيبة المالية، قبل أن يصبح رئيس مجلس الوزراء في عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري، هو وزير المال أيضاً ضمن تسوية سورية لتوفير سلاسة في اتخاذ القرارات المطلوبة لإعادة الإعمار ما بعد الحرب وتيسير أمور الدولة. وتولى الرئيس الاسبق فؤاد السنيورة بعدها وزارة المال، واستُبعد عنها الشيعة حتى العام 2014، حين شغلها الوزير علي حسن خليل بإصرار من الرئيس نبيه بري.
بدأ تنفيذ العُرف بعد الطائف بتولي الوزير الراحل علي الخليل حقيبة المالية، قبل أن يصبح رئيس مجلس الوزراء في عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري، هو وزير المال أيضاً ضمن تسوية سورية لتوفير سلاسة في اتخاذ القرارات المطلوبة لإعادة الإعمار ما بعد الحرب وتيسير أمور الدولة. وتولى الرئيس الاسبق فؤاد السنيورة بعدها وزارة المال، واستُبعد عنها الشيعة حتى العام 2014، حين شغلها الوزير علي حسن خليل بإصرار من الرئيس نبيه بري.
والحال إن الشيعة في لبنان، يشاركون في السلطة بأداتين تزكّيان التحالفات السياسية الداخلية والمتغيرات الإقليمية والأدوار الدولية. الأداة الأولى هي شخصية رئيس مجلس النواب كجزء ذي نفوذ في السيستم، يستطيع بلورة توافقات في الأزمات وفرض شروطه الداخلية، عندما يكون لبنان خارج مناطق التجاذب الدولي.
أما الأداة الثانية، فهي السلاح الذي استخدم في الداخل عملياً مرة واحدة في العام 2008، عندما كانت التجاذبات الدولية أقوى من قدرة رئيس مجلس النواب على بلورة توافق. وبعد تسوية اتفاق الدوحة، بات وهج السلاح موجوداً في المعادلة السياسية، كرّس السلاح كشريك غير منظور في الحكم عندما فرض هيبته. ومع انه في الجانب النظري ليس ضمانة شيعية للمشاركة في الحكم، إلا أنه عملياً كذلك، حتى من غير استخدامه. فالسلاح، بهذا المعنى، يحكم بوهجه وهيبته، حتى لو نفى حاملوه وخصومهم ذلك.
وتتعاطى الدول المعنيّة بالملف اللبناني مع السلاح وفق قاعدة أن إحدى وظائفه تتخطى ردّ الاعتداءات الإسرائيلية، إستناداً الى ان توصيفه كوظيفة في الصراع غير دقيق، بحسب ما أثبتت الممارسة العملية منذ 2006 حتى اليوم. إذ مثّلت التوترات على الحدود، بدءاً من 2010 حتى اليوم، أسباباً أكثر الحاحاً لاندلاع حروب، مما كان عليه الأمر في 2006، ولم تندلع أي حرب وسط حصر الحزب لوظيفته في المهمة الدفاعية.
فالدول العارفة بالوضع اللبناني، تدرك الوظيفة السياسية للسلاح كضمانة لمشاركة الشيعة في الحكم، وهي على قناعة بأنه لا يمكن سحبه من الطائفة من غير بديل دستوري، يثبت بالنص ما اتُفق عليه بالعُرف، ومن بينها مشاركة الشيعة في السلطة التنفيذية عبر توقيع وزير المال، أو المشاركة في الدور الأمني عبر المديرية العامة للأمن العام، وغيرها من التوافقات الداخلية التي باتت أعرافاً.
هذه القناعة الدولية، ليست سراً وليست جديدة، وقد أشار إليها الأمين العام لحزب الله، في خطاب له في العام 2014، عندما كشف أنّ الفرنسيين يقفون وراء طرح المثالثة الذي يتقاطع فعلاً مع معلومات سابقة مفادُها أنّ الموفد الرئاسي الفرنسي السفير جان لوي كوسران طرح المثالثة كفِكرةٍ للنقاش مع مسؤولين إيرانيّين في طهران، في العام 2007، على قاعدة إعطاء الشيعة حصّةً إضافية في التركيبة اللبنانيّة مقابل أن يسلّم "حزب الله" سلاحَه.
أمام هذه المعطيات، يصبح اختزال النقاش في الدور الدفاعي ضد الاعتداءات الاسرائيلية، منقوصاً. فالسلاح الشيعي، بهذا المعنى، حتى لو لم يكن في يد "حزب الله"، له وظيفة وجودية للطائفة، إلى حين إقرار دولة مدنية، أو تطوير اتفاق الطائف لتثبيت الأعراف بالكتاب.