في السوشال ميديا اللبنانية: وباء الكراهية!
قبل عام، كشف تقرير محدود لمنظمة لبنانية غير حكومية أن خطاب الكراهية عبر شبكات التواصل في لبنان يصدر عن 94% من عامّة الجمهور، في حين يشارك 4% من الصحافيين و2% من السياسيين في نشر هذا المحتوى.
لكن عيّنة البحث التي اعتمدها التقرير، كما المنهجية، عانت ثغرات تشكك في أرقامها، ومع ذلك تبدو النتيجة منطقية في بلد تتنازعه العصبيات لا الرؤى والبرامج التنموية، وبالتالي فإن مرور هكذا ظواهر مرور الكرام أمر غير مستغرب.
في دول العالم التي تؤمن الحدّ الأدنى من الرفاهية والاستقرار لشعوبها، يمثّل خطاب الكراهية في شبكات التواصل مسألة أمن قومي كونه يرتبط مباشرة بالواقع. فعلى سبيل المثال، لاحظت السلطات الألمانية تزايداً في المنشورات المناهضة للاجئين من قبل التيار اليميني عبر "فايسبوك"، بالتزامن مع ازدياد عدد الهجمات الفردية على اللاجئين، خصوصاً السوريون منهم.
وفي الولايات المتحدة، هناك مؤشرات ملحوظة على ارتفاع الأعمال المناهضة للأعراق الأخرى غير البيضاء بالتزامن مع ازدياد عدد المنشورات الداعية لتفوق العرق الأبيض عبر الانترنت. أما في مينامار، فقد أقرّت "فايسبوك" بأنها تأخرت في منع حملات البوذيين والعسكريين المناهضة للأقلية الروهينغا ما أدى إلى حصول العديد من عمليات التطهير العرقي من دون إدانة دولية واسعة.
وفي غياب مؤسسات إعلامية مهنية أو سلطة قادرة على استخدام أدوات الإحصاء العلمي لمعرفة حجم خطاب الكراهية في لبنان، وتأثيره المباشر في المجتمع، فإن جلّ ما يمكننا الحديث عنه هو تداعيات "الكراهية" المألوفة في التايملاين اللبناني، بين كافة شرائح الشعب، من طبقاتها الدنيا ثقافياً وحتى أعلاها، ومن سياسييها إلى فنانيها. مع إغفال الكراهية في الإعلام التقليدي، كونه يخضع للمزاج والتمويل السياسي غالباً، ويمكن السيطرة عليه عندما يقرر السياسيون ذلك!
في لبنان، وبسبب غياب ثقافة قبول المختلف، يستحضر الجمهور الكراهية بسهولة عند تناول قضايا اشكالية؛ كاللاجئين السوريين ومصير من يرتكبون الإنتحار أو حقوق المثليين والزواج المدني وغيرها. بل إن أي قضية فردية، مهما كانت في جوهرها عادية، تتحول إلى قضية رأي عام يُصدر فيها الجمهور "سمومه" الناجمة عن إحباطاته وعقائده الضيّقة وإتجاهاته الفكرية الضحلة وضغوطه اليومية.
ويساهم الإعلام التقليدي بشكل كبير في الترويج لهذه الثقافة بهدف رفع "الرايتنغ"، فيندر أن ترى ضيفاً متخصصاً في القضية نفسها يحظى بفرصة للكلام او الحوار، بل يكون في أفضل الحالات جزءاً من ديكور الحلقة في مواجهة آخرين من غير الاختصاص العلمي والذين يرفعون منسوب "الإثارة".
الأثر الأول لكل خطاب يحمل في مفرداته ومعانيه بذور العنف اللفظي والعداء هو الإضطرابات النفسية. وتُظهر اختبارات نفسية ان "التنمرّ"، باعتباره ظاهرة بشرية عالمية، قد تحولّ إلى سبب رئيسي لتوليد التوتر والكآبة في شبكات التواصل، كما أن غياب المحاسبة على التنمر الإلكتروني سبب مباشر لتمادي المتنمّر في تشويه "الآخر" في أرض الواقع.
وغالباً ما يكون أثر خطاب الكراهية الذي يستهدف أفراداً بأنفسهم، جماعياً. فالحلقة الضيّقة المحيطة بالشخص المستهدف عبر شبكات التواصل، تميل إلى الحذر، خشية تعرضّها للتجربة نفسها، ما يعني إنتقال المشاعر السلبية بشكل تلقائي وأسرع بل أشد وطأة من المشاعر السلبية في التواصل الفيزيائي الحقيقي أحياناً.
أما الأثر الثاني المباشر من إنتشار خطاب "الكراهية" فهو "التطرف" الذي لا يكتفي بتشويه الآخر، بل يسعى لإيذائه وإلغائه جسدياً.
ويختلف الناس في مقاربة استخدام "العنف" مع الاخرين لتبرير الدفاع عن معتقداتهم وآرائهم او الجماعة التي ينتمون إليها، وهذا ما يفسّر تنامي هذه الظاهرة بين الإعلاميين والسياسيين او ما يتم تصنيفه عادة ضمن النخب الثقافية. فيزداد الإستعداد للتطرف كلما ارتفع دور الفرد في هرم التأثير في شبكات التواصل. بمعنى آخر، ينقسم مستخدمو الإنترنت من الجماعات إلى ثلاث:
المتعاطفون: وهؤلاء غالبية يظل تأثيرها في إعادة نشر محتوى الكراهية، من دون أن يكونوا بالضرورة منتمين لأي جهة، بل لمجرد حاجتهم إلى الانخراط في موجة جماعية.
المنتمون: وهؤلاء أكثر انخراطاً في نشر الدعاية، بسبب اعتقادهم بها.
الناشطون: وهؤلاء يصنعون المحتوى الذي ينتشر بين المتعاطفين والمنتمين.
يلاحظ الخبراء وأصحاب الاختصاص ارتفاع منسوب الكراهية في الخطاب، وصولاً إلى حد العنف حتى بين أصحاب المرتبة الأولى في الهرم؛ أي الناشطين، بغض النظر عما اذا كانوا إعلاميين أم من فئة تتعامل والشأن العام. وهذا يفسّر التوتر والانفعال المرافق لخطاب بعض الإعلاميين أكثر من غيرهم، بل إن بعضهم يذهب أبعد من ذلك في سلوكه بالمشاركة الفعلية في الأذى بمن يخالفه الرأي.
وفي حين تعمد السلطات السياسية إلى محاسبة طبقتي المنتمين والمتعاطفين، اللتين يقتصر تأثيرهما على الكلام عبر شبكات التواصل، فإن الحاجة أكبر لتعريف خطاب الكراهية وضبطه، خاصة ما إذا كان صادراً عن شخصيات مؤثرة.