انفصال "النهار" و"سي بي سي": الأمن أم المال؟
لم يتفاجأ أحد من متابعي كواليس صناعة الإعلام في مصر، من انفصال شبكتي قنوات "سي بي سي" و"النهار"، فالمفاجأة كانت أساساً في فكرة اندماجهما قبل أكثر من عام من الآن، بما أنهما الشبكتان الأكبر والأكثر جماهيرية في القنوات المصرية، لكن الخلافات التي لم تتوقف منذ اليوم الأول للاندماج أدت أخيراً لإعلان الانفصال، الثلاثاء.
وكان يدير شبكة "النهار" قبل الاندماج مالكها علاء الكحكي، لكن إدارة المشروع الناتج عن الدمج كانت لمدير شبكة "سي بي سي" وليد العيسوي، الذي أصدر مجموعة من القرارات الجديدة، دفعت العاملين بقناة "النهار" ينزعجون ويتمردون على القرارات الجديدة التي تتالت وجعلت تفاصيل الاندماج تتغير طوال العام الماضي، إذ أنه تقلص كثيراً واقتصر على قناتي "النهار اليوم" و"سي بي سي إكسترا"، لتكون النتيجة قناة إخبارية، هي قناة "إكسترا نيوز" كثمرة وحيدة للاندماج حتى الآن.
وراجت أقاويل كثيرة طوال العام الماضي حول "خطف" إعلاميين من هنا وهناك، حدث ذلك تحديداً بعد انتقال الإعلامي خيري رمضان من "سي بي سي" إلى "النهار" في برنامجها الأساس، أيضاً ظهرت شائعات كثيرة حول اقتسام الكعكة الإعلانية وكيف أن إدارة "سي بي سي" تستأثر بما هو أقيم وأفيد لها، حيث مازالت تحمل في نفسية إدارتها بذور المنافسة، ما جعل تضارب المصالح هو سيد الموقف في طبيعة التعاون بين الشبكتين حتى إعلان الانفصال.
ورغم أن شركة "المستقبل" المالكة لقنوات "سي بي سي" هي التي أعلنت الانفصال، فإن "النهار" كانت الأكثر تضرراً من الاندماج، على الرغم من خروج مالكها علاء الكحكي في مناسبات عديدة ليؤكد أنه لا صحة للشائعات حول الانفصال، لكن يبدو أن "سي بي سي" "ضجت" مما جره الاندماج معها.
مصدر من شبكة "سي بي سي" أكد لـ "المدن" أن ما يحدث ليس غريباً ولا مفاجئاً، خاصة أن الخلافات ظهرت على السطح منذ اللحظة الأولى للاندماج، لكن يبدو أن "سلطة أعلى" كانت وراء المطالبة بتسريع الإجراءات المصاحبة له، وظلت المشكلات تكبر وتتفاقم، لكن مافجرها أخيراً، هو خلاف على شراء مسسلسلات رمضان واتهامات متبادلة بين الشبكتين بالاستفادة من الاندماج دون الطرف الآخر، واللعب بغير نزاهة في اقتناص المسلسلات.
ويضيف المصدر: "ما لم يتحدد مصيره حتى الآن هو مصير قناة إكسترا نيوز الإخبارية لكن القناة سوف تستمر بنسبة أكبر، لأن قرار إنشاءها لم يكن قرار الإدارات وحدها".
الاندماج جاء تحت مظلة شركة قابضة تضم 6 شركات هي: شركة "ترنتا" المالكة لشبكة تليفزيون "النهار"، ووكالة "ميديا لاين" الوكيل الإعلاني لها، وشبكة "تلفزيون المستقبل سي بي سي"، وشركة "فيوتشر ميديا" الوكيل الإعلاني لها، وشركتي "آكت" و"ريزلت". وكان ذلك الكيان الجديد محاولة من الشبكات الكبرى للصمود أمام تيار جديد ابتلع السوق الإعلامي المصري كله في شهور معدودة، مع بروز نجم جديد في السوق الإعلامية هو أحمد أبو هشيمة.
والحال أن هنالك مشكلة بنيوية حقيقية في رأس مال الإعلام المصري، خاصة بعد صعود الجيش إلى السلطة مرة أخرى، فبعد محالات تأميمه بصيغته الجديدة على يد أحمد أبو هشيمة، ودخول الدولة شريكاً في عدد كبير من القنوات الخاصة، دخلت في معادلته الاقتصادية حسابات أكثر تعقيداً من فهم السوق ومحاولة جذب مستهلكه، لأن الدولة تدخلت لفرض مستهلك بعينه بطريقة بعينها، هكذا صارت الميديا في مصر عبارة عن بوابة كبيرة لإهدار الأموال من دون أن تكون هناك فرصة لتدويرها.
وبالتالي، إذا حدث أي شيء للنظام المصري الحالي، سوف تنهار صناعة الإعلام بنسبة كبيرة، لأنها لا تخضع للمعايير السوقية تماماً، ويكفي ما صرح به الإعلامي الشهير طارق نور منذ أيام لصحيفة "المصري اليوم"، حيث قال بوضوح: "الأجهزة دخلت لشراء حصص فى القنوات الخاصة المختلفة ليس من باب الهيمنة على الإعلام إنما رغبة فى حماية هذه القنوات من السقوط، ولن أذيع سراً إذا قلت إن بعض القنوات هى التى طلبت دعماً مالياً من الدولة، فاستجابت الدولة بدورها".