قطر تموِّل إنشاء مستشفى حكومي جديد: الخدمات الصحية أولوية

المدن - اقتصاد
الإثنين   2024/09/16
قطر في مقدّمة الدول التي تسعى لضمان عالم أكثر صحة في لبنان (علي علوش)
يشكِّل الملفّ الاستشفائي أحد أبرز الملفّات التي تثقل كاهل اللبنانيين، سيّما بعد الأزمة الاقتصادية. أمّا الحرب التي اندلعت في جنوب لبنان، فعزَّزت الحاجة إلى توفير الأمن الصحّي. لكن في ظلّ الوضع الحالي للمستشفيات الحكومية، ليس من اليسير تأمين الخدمات الاستشفائية بالشكل المطلوب. لكن تأمل وزارة الصحة أن تؤمِّن جزءاً من الدعم للمستشفيات الحكومية عن طريق مساعدات الدول الصديقة والشقيقة للبنان، ومنها دولة قطر التي بادرت إلى تقديم الدعم لإنشاء مبنى جديد لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي في الكرنتينا.

وضع حجر الأساس
الوقوف في الباحة بين المبنَيَين القديم والجديد لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي في الكرنتينا، يتيح مشاهدة الماضي والحاضر والمستقبل في صورة واحدة. فخلف المبنى القديم يقبع بناءٌ متهالك يشي بأن حرباً مَرَّت عليه وأخرجته من الخدمة. وبالفعل، هو النسخة الأولى من المستشفى، وباتت اليوم أثراً يدلّ على مرحلة ما قبل الحرب الأهلية.

استُبدِلَ هذا المبنى بالمبنى الحالي للمستشفى، وبات يُسمّى بالمبنى القديم، لتمييزه عن مبنى جديد ملاصق له، سرعان ما تضرَّرَ بفعل تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وانطلقت أعمال ترميمه في آذار 2021 بتمويل فرنسي عبر الوكالة الفرنسية للتنمية، بكلفة 2 مليون يورو، وانتهت أعماله في آب 2023، ليصبح المبنى المكوَّن من أربع طبقات، جاهزاً لاستقبال 100 سرير.
وهذا الحاضر الخارج من حطام المدينة المنكوبة بتفجير مرفئها وانهيارها الاقتصادي، يطلُّ أيضاً على مستقبلٍ تبرز ملامحه من صورةٍ للنموذج المعماري الذي سيغدو عليه المبنى المستقبلي للمستشفى، بتمويل من دولة قطر. والمستشفى الجديدة سيشَيَّد على أرض المستشفى القديم والمبنى المتهالك للمستشفى الأول، بعد هدم الأبنية بشكل كامل.
البذور الأولى للمبنى المستقبلي تمثَّلَت بوضع سفير دولة قطر في لبنان سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، حجر الأساس للمستشفى، يوم الإثنين 16 أيلول، بمشاركة المدير العام لصندوق قطر للتنمية بالإنابة، سلطان بن أحمد العسيري، ووزير الصحة فراس الأبيض، بالإضافة إلى رئيس مجلس إدارة مستشفى الكرنتينا ميشال مطر.

الدعم القطري للبنان مستمر
المشروع المُمَوَّل من صندوق قطر للتنمية، يأتي ضمن سياق الدعم القطري المستمر للبنان. فبحسب ما قاله السفير القطري في حديث لـ"المدن"، فإن "قطر هي أكبر داعم للبنان في السنوات الثلاث الأخيرة"، إذ قدّمت الدعم لمختلف المؤسسات، منها "المؤسسة العسكرية والمؤسسات الصحية. وقطر تنظر للبنان كدولة شقيقة".

وهذا المشروع إلى جانب مشاريع عديدة "انجزت في لبنان بتوجيهات من أمير البلاد تميم بن حمد آل ثاني، التزاماً بدعم لبنان والحرص الدائم على تعزيز العلاقات التاريخية والأخوية بين البلدين". والخدمات الصحية وفق السفير "تشكِّل أولوية بالنسبة إلى دولة قطر. وهي من ضمن أهداف التنمية المستدامة، ولذلك كانت قطر في مقدّمة الدول التي تسعى جاهدة من خلال المساعدات الصحية والإنسانية لضمان عالم أكثر صحة في لبنان".
بالتوازي، يحمل المشروع وفق ما رآه العسيري "رسالة إنسانية نبيلة ورسالة تضامن وتعاون بين الأشقاء". ويعكس المشروع "رؤية قطر التي تسعى دائماً لتقديم التعاون والدعم للشعوب الشقيقة والصديقة في الأوقات الصعبة". وأشار العسيري إلى أن المستشفى المنتظر يشكِّل "مشروعاً استراتيجياً لتعزيز البنية التحتية وتوفير الخدمات. وسيكون علامة فارقة في تمتين وتعزيز الصحة والتنمية المستدامة في لبنان".

توسيع مروحة الخدمات الطبية
المستشفى المستقبلي سيكلِّف "بين 10 إلى 15 مليون دولار"، وفق ما يقوله الأبيض في حديث لـ"المدن"، وستستمر عملية بنائه "نحو سنتين". على أن المستشفى "لا يوثِّق بناء مرفق صحّي جديد فحسب، بل سيكون شاهداً على ما يمكن تحقيقه من خلال التعاون والمثابرة والإصرار".
وبرأي الأبيض، سيكون المستشفى "ركناً محورياً في استراتيجية وزارة الصحة لإعادة بناء قطاع استشفائي عام متكامل يخدم جميع الفئات وبلا تمييز، سيما الفئات الأكثر هشاشة".
وكشف الأبيض أنه "سيتم الإعلان قريباً عن كتلة مشاريع تعاون بين عدد من المستشفيات الحكومية، ومنها هذا المستشفى ومستشفيات جامعية كبرى في لبنان، بهدف توسعة مروحة الأعمال الطبية المقدَّمة في المستشفيات الحكومية، بالإضافة إلى تعزيز برامج تدريب الكوادر العاملة فيها وافتتاح أقسام علاجية جديدة".
وشكر الأبيض "أصدقاء لبنان، لا سيّما دولة قطر لدعمها السخي للقطاع الصحي. دعم يتجلّى اليوم في مشروع المستشفى الجديد في الكرنتينا، لكنه ليس الاول من نوعه، فصندوق قطر للتنمية قدَّمَ العديد من المساعدات الطبية للشعب اللبناني، ولم يتوانَ عن دعم القطاع الاستشفائي الحكومي في خضمّ الأزمة المالية، فساعده على الصمود ومواجهة تأثيرات الأزمة".
من ناحيته، رأى رئيس مجلس إدارة مستشفى الكرنتينا ميشال مطر، أن المشروع يحوِّل المستشفى الحالي إلى "مستشفى نموذجيّ يلتزم بالمعايير الدولية، مما يعزّز الصورة الإيجابية عن المستشفيات الحكومية في لبنان. ويمثّل تطوراً كبيراً في البنية التحتية للخدمات الصحية في لبنان". وأشار مطر إلى أن المبنى الجديد "سيكون قادراً على استيعاب نحو 70 سريراً".

حجر الأساس لهذا الصرح المستقبلي، وعلى أهمّيته بالنسبة للقطاع الاستشفائي الحكومي، إلاّ أنه لا يحلّ أزمة القطاع، إذ أنها متجذّرة ومشعّبة بتشعُّب الملفّات الاقتصادية والسياسية في لبنان. ولذلك، تنتظر الدول الشقيقة والصديقة للبنان، خروجه من هذه الأزمة، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، وصولاً إلى إعادة تفعيل المرافق الحيوية.