مستشفى الحريري الحكومي "تحت النار": خطر "الإهمال" يوازي الإسرائيلي

خضر حسان
الثلاثاء   2024/10/22
مستشفى الحريري لا يزال يعمل رغم الأضرار التي أصابته بفعل الاعتداء الإسرائيلي في محيطه (مصطفى جمال الدين)
يعود ملفّ مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت إلى الواجهة من باب تضرّره بفعل غارة إسرائيلية استهدفت مبانٍ مواجهة له، مساء يوم أمس الإثنين. وقبل هذا الاستهداف، رُفِعَ الصوت مراراً بهدف تأمين النقص الحاصل في الأدوية والمعدات والمستلزمات، فضلاً عن إعطاء الموظفين رواتبهم ومستحقاتهم كاملة، لتمكينهم من متابعة العمل، لاسيّما في الظروف الاستثنائية. وبرهَنَ هؤلاء على مهنية وجهوزية تامة في أكثر من محطّة، أبرزها الانهيار الاقتصادي وما رافقه من أزمة انتشار فيروس كورونا، وصولاً إلى بداية الحرب الراهنة في 8 تشرين الأول 2023 ثم تطوّرها واشتدادها منذ أيلول الماضي.

تسليط الضوء على المستشفى تحت مظلة الاستهدافات الإسرائيلية، يعني أن الخطر بات أقرب إليه. خصوصاً وأنه سجَّلَ أضراراً مكلفة، وإن لم تؤثِّر على استمرار عمله. فهل تكون هذه الحادثة مدخلاً لحلّ أزمة المستشفى أم هي دليل على مزيد من التدهور؟.

العمل مستمر رغم الأضرار
على بُعد أمتار قليلة من المستشفى، أصاب العدو الإسرائيلي مبانٍ يقطنها مدنيون سقط منهم عدد من الشهداء والجرحى، نُقِلوا إلى مستشفى الحريري الذي "لا يزال يعمل وكأن شيئاً لم يحدث"، وفق ما أكّده مدير المستشفى جهاد سعادة، خلال مؤتمر صحافي عقد اليوم الثلاثاء 22 تشرين الأول، تناوَلَ وضع المستشفى بعد الاعتداء الإسرائيلي.
وأوضح سعادة أنه رغم "وجود إشارات على الرصيف تدل على المستشفى وعلى وجود منظمات دولية داخله، ومع ذلك، أصبنا بشظايا أدّت إلى تكسير في ألواح الطاقة الشمسية، تكسير واجهات زجاجية، إصابة جدران الجهة المواجهة للاستهداف بشظايا كبيرة. وهذا التكسير أدّى إلى تضرر صيدلية المستشفى، الامر الذي يوجب إصلاحها بسرعة لأن الأدوية بحاجة لظروف تخزين معيّنة". أما على مستوى الطاقم الطبيّ والعاملين والمرضى "فلم يُصَب أحد".
من اللحظة الأولى للاستهداف الإسرائيلي يوم أمس، استقبل المستشفى المصابين "تمّ معالجة الجرحى وخرج بعضهم، وبقيت نحو 10 حالات بحاجة لعمليات جراحية". وسرعة الاستجابة أتت بفعل "التدريب على مواجهة الأزمات" وفق سعادة الذي كشفَ أن "أكثر من جهة سألت عمّا إذا كنا نريد إخلاء المستشفى، فقلنا لا".
مستشفى الحريري لا يزال يعمل، والاعتداء الإسرائيلي لم يصبه مباشرة، لكن مع ذلك، لا بدّ من التنبيه إلى ضرورة تحييد المستشفيات والمراكز الصحية عن أي استهداف، وهو ما ذكَّرَ به المدير العام لوزارة الصحة العامة بالإنابة فادي سنان، الذي طلب خلال المؤتمر الصحافي "من المجتمع الدولي، احترام المواثيق الدولية وحماية القطاع الصحي"، لافتاً النظر إلى أن مستشفى الحريري يضمّ "منظمات دولية، كالصليب الأحمر الدولي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR". وأكّد سنان أن القطاع الصحي في لبنان بعيد عن أي أعمال عسكرية. مشيراً إلى أنه في ظل الحرب الحالية "تضرَّرَ أكثر من 15 مستشفى وأكثر من 50 مركزاً صحياً وأكثر من 150 سيارة إسعاف وتم استهداف أكثر من 150 مسعفاً. وهذا الأمر يستدعي المساعدة لإبقاء القطاع الصحي خارج أي عدوان".

الخطر ما زال قائماً
نجا المستشفى هذه المرة من استهداف إسرائيلي، لكنه لا يزال يعاني من استهداف داخلي ماديّ ومعنويّ، يتمثَّل بعدم تلبية احتياجاته على مستوى تأمين المعدات المطلوبة وإجراء أعمال الصيانة، بالإضافة إلى دفع مستحقات العاملين فيه. ورغم تأكيد سعادة على أن الخيار مفتوح للموظفين بالقدوم إلى المستشفى بحسب امكانياتهم، فيقول أن "لدى الموظفين ولاء للمستشفى، ومَن يستطيع منهم المجيء، فهو يأتي حتى لو لنصف نهار"، مؤكّداً شكره للموظفين على ما يقومون به، إلاّ أن "هذا الأمر غير كافٍ ولا يستطيع تسيير المستشفى"، وفق ما تقوله مصادر من بين العاملين، في حديث لـ"المدن".
وإن كان الشكر مبادرة إيجابية من الإدارة تجاه العاملين، إلاّ أن ذلك لا يمنع ضرورة الحل السريع لرواتب ومستحقات الموظفين. وفي السياق، تستغرب المصادر "عدم إعطاء الموظفين مستحقاتهم ضمن القرار الأخير لمجلس الوزراء الذي أعطى موظفي القطاع العام مستحقاتهم". ووسط هذه الظروف "كيف تريد وزارة الصحة وإدارة المستشفى إقناع الموظفين باستمرار العمل طالما أن لا ضمانات مستقبلية".
تخطّى المستشفى هذه الضربة، لكنها بَيَّنَت على الملأ مدى حاجته "لتدعيم الطاقم الطبي والموظفين في ظل نقص عدد الفنيين المسؤولين عن أعمال الأشعة والمختبر وغير ذلك". ولا يزال هناك أمل في إنقاذ المستشفى إذا توفَّرَت الإرادة، خصوصاً وأن "بعض الأطباء الذين كانوا قد غادروا المستشفى، عادوا إليه منذ منتصف شهر أيلول ومن بينهم أسماء لامعة على مستوى لبنان. لكن العودة هي مجهود وقرار فردي من الأطباء نتيجة اندفاعهم لخدمة الناس انطلاقاً من المستشفى الحكومي، لكن في ظل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، لا يستطيع الأطباء فعل شيء للمرضى".
وبالتوازي، ترى المصادر أن "على وزارة الصحة العمل بشكل جدّي لانقاذ المستشفى، وعليها التوجّه للمنظمات الدولية التي تقول أنها تقدّم المساعدات، لتؤكّد لها أن المساعدات يجب أن تأتي وفق احتياجات المستشفى، فلا يكون الأمر بشكل عشوائي كأن تأتي المنظمات بكميات كبيرة من المواد في حين لا يحتاج المستشفى منها إلاّ نسبة ضئيلة، ثم يقولون أمام الإعلام أنّهم قدّموا المساعدات". وتقترح المصادر أن تنسِّق المنظمات الدولية مع إدارة المستشفى، لتحديد الحاجات الفعلية، فتأتي بها بشكل مباشر، أو تسأل عن المورِّدين الذين يؤمِّنون تلك الحاجات، فتشتري منها أو تدفع ثمنها، بغضّ النظر عن الكمية، مهما كانت ضئيلة".
الظروف الداخلية التي يعاني منها المستشفى "تؤدّي إلى نتيجة واحدة كالاعتداء الإسرائيلي"، بحسب المصادر التي توضح أن "القصف الإسرائيلي يضرّ بعمل المستشفى، وتركه بلا دعم يؤدي إلى خروجه عن الخدمة، فالنتيجة واحدة".
لا يبدو أن الحل الداخلي قريب، حتى وإن توقّفَت الحرب في أيّ لحظة. فانهيار سعر صرف الليرة وعدم وجود قرار سياسي بإنقاذ القطاع الحكوميّ، يعني أن معاناة مستشفى الحريري وغيره من المستشفيات الحكومية، سيتواصل. خصوصاً وأن وزير الصحة فراس الأبيض، أكَّدَ خلال حديث سابق لـ"المدن"، أن "المستشفيات الحكومية لديها استقلالية مالية وإدارية، وهُم عليهم مواجهة ظروفهم، وإلاَّ فلنُرسِل الجميع إلى بيوتهم وتتولّى الوزارة إدارة المستشفيات".