بالحرب كما السِلم.. أهالي البقاع متروكون والغارات تفاقم نكبتهم

عزة الحاج حسن
الثلاثاء   2024/10/22
تواجه قرى بعلبك الهرمل تداعيات الحرب بـ"صدور عارية" (غيتي)
لم يصل صدى الغارات الإسرائيلية على مختلف قرى بعلبك الهرمل إلى مسامع عموم اللبنانيين خارج منطقة البقاع حتى الأسبوع الثالث من المرحلة الجديدة للحرب. المرحلة التي انطلقت في السابع عشر من شهر أيلول الفائت حين ارتكبت إسرائيل جريمة تفجير أجهزة البايجرز واللاسلكي وأودت بحياة عشرات الشهداء وآلاف الجرحى منهم مئات الأكفّاء.
منذ توسّع نطاق الحرب بدأت حصة منطقة البقاع من الإجرام الإسرائيلي تكبر مع عشرات الغارات يومياً، وهي الحرب الأولى التي تتعرّض فيها المنطقة لقصف شرس وتدمير واسع النطاق، ما دفع بمئات الآلاف من البقاعيين للنزوح ضمن نطاق البقاع وإلى مناطق أخرى خارج نطاق المنطقة.
وليس نزوح أبناء البقاع ضمن نطاق المنطقة كما باقي المناطق، فأبناء القرى البقاعية جميعهم يعاني، لا فرق بين المضيف والضيف، الجميع يجهد لتأمين مستلزمات العيش حيث لا خطط طوارئ توازي حجم الفاجعة.

المضيف والضيف في أزمة

أولى المناطق البقاعية التي استقبلت نازحي البقاع كانت قرى دير الأحمر وراس بعلبك والقاع وعرسال وبعض أحياء مدينة بعلبك في محافظة بعلبك الهرمل وبالطبع مدينة زحلة وكافة قرى الجوار. لم يتردّد أهالي القرى والمدن المذكورة وسواها من القرى الآمنة نسبياً باستقبال أهالي القرى المستهدفة التي تتعرّض للقصف باستمرار كقرى طاريا وشمسطار ودورس ويونين والنبي شيت وتمنين وقصرنبا وغيرها الكثير. استقبلوا الآلاف من القرى المجاورة في المدارس والمقرات العامة وحتى المنازل، لم يبخل أبناء البقاع على بعضهم بالإيواء، تجازوا كما العادة، اختلافاتهم الطائفية والسياسية وفتحوا ما تبقى من قرى آمنة للنازحين، لكن شح المساعدات والدعم الذي يناله البقاع لاسيما مناطق شمال بعلبك وضع المضيفين والضيوف في مواجهة أزمة معيشية حقيقية.
ففي قرى بعلبك ثمة عائلات استضافت نازحين، عجزت وإياهم عن تأمين الغذاء والفرش وأدنى مستلزمات العيش. وتقول سيدة من منطقة القاع (س.ب.) في حديث لـ"المدن" نواجه صعوبات في هذه المنطقة لتأمين الحاجيات اليومية خصوصا ً وأن منزلي يضم عائلتين كبيرتين نزحوا من الهرمل، نحاول تأمين ما يلزم بتعاوننا إذ لم تصلنا أي مساعدات تذكر. وعن استضافتها عائلتين وتعرّضها وإياهم لضغوط معيشية تقول (س.ب): كيف لنا ألا نستقبل مَن نتشارك معهم نفس المياه ونفس الأرض، فجميعنا يشرب من مياه العاصي ويأكل من هذه الأرض.
هذا النموذج من العائلات قد يُعمّم على مساحة البقاع، فالعائلات التي استقبلت نازحين في منازلها كثيرة جداً، وهؤلاء لم تلتفت إليهم الدولة بخطة الطوارئ التي وضعتها. لا بل اكثر من ذلك لم تطل خطة الطوارئ مراكز الإيواء أيضاً، المعتمدة من قبل لجنة الطوارئ، إذ لم تصل المساعدات إلى البقاع قبل مرور 3 أسابيع على توسع دائرة القصف الإسرائيلي، وحين وصلت لم تتجاوز الفتات كالفرش والخبز وبعض الأساسيات من مجمل حاجات البقاعيين.

"استمرارية" الحرمان

لم تكن منطقة البقاع لاسيما منها منطقة بعلبك الهرمل بأحسن حالاتها قبل الحرب، فقد كانت تعاني من أزمات اقتصادية واسعة النطاق كما باقي المناطق اللبنانية إلى جانب أزمة تجاهل السلطات الرسمية التي اعتادها أبناء البقاع على مدار عقود. أما اليوم وفي ظل حرب شرسة لم يعد الحديث عن حرمان البقاع يعبّر عن واقعه، فالمنطقة باتت غارقة بأزمات يصعب التكهّن حالياً عما إن كانت ستخرج منها. فالدمار هائل والنزوح اللبناني والسوري يفوق قدرة أي منطقة على تحمّل أعبائه.
وبحسب محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر "هناك تهميش للمنطقة بالحرب كما في السلم وهناك تقاعس كبير". فقد تم تسليمنا غرفة إدارة الكوارث في المنطقة ولم يتم تمويلنا بأي شيء وقد أصروا على مركزية التخزين وسبق أن ناشدنا كثيراً ألا يتم تخزين المواد الأساسية في بيروت فقط ويجب توزيعها على المناطق، خاصة في المناطق المعرّضة للقصف كمنطقة بعلبك الهرمل تحسباً للحرب، لم يلتفت احد وهذه كانت النتيجة، يقول خضر، كيف يمكننا توزيع فرش وبطانيات ومواد غذاية وإغاثية على بعلبك الهرمل". لا أموال لا سلف لا مواد إغاثية ولا أموال بالبلديات.. لا شيء". وإذ يذكّر خضر في حديث سابق له لـ"المدن" بأن في راس بعلبك على سبيل المثال، فقدوا مادة المازوت لتشغيل بئر المياه لمد مراكز النازحين بالمياه، ولا إمكانية لذلك، يسأل "كيف يمكن أن نقوم بأعمال الإغاثة من دون أدنى المقومات من دون المال حتى كابل الكهرباء للمدارس نقوم بتأمينه بصعوبة".
ويوجز خضر واقع الحال في بعلبك الهرمل بالقول "نعمل باللحم الحي ليس لدينا أي موازنة مالية وضعنا خطة طوارئ لكن لم يتم تمويل غرف إدارة المخاطر والكوارث في المناطق".
كلام خضر جاء قبل أن تصل بعض المساعدات إلى البقاع، علماً أن ما وصل كان شحيحاً جداً ولم يصل إلى كافة القرى، وبحسب مصدر من بلدية بعلبك "هناك بطء بإيصال المواد الأساسية كالفرش والحرامات ومواد التنظيف وغيرها". ويقول المصدر نحن في بعلبك ليس لدينا كهرباء ولا مازوت فكيف يمكننا إدارة عمليات طوارئ من دون مال. ويسأل مستغرباً "نحن في حالة الحرب ولم يتم تحويل أي مال لبلديات بعلبك الهرمل، وكيف يمكن للبلديات المضيفة كبلدية دير الاحمر أن تقوم بما يلزم لتأمين النازحين؟ ألا يلزمهم المال لتقديم الحد الأدنى من مقومات الإغاثة ؟"
تحت الأنقاض
ولا تقتصر معاناة بعلبك وقراها على ملف النزوح اللبناني السوري، إنما تطال أيضاً ضحايا القصف الإسرائيلي الذين يعانون الأمرّين من القصف والنسيان. فالمنازل في قرى بعلبك حين تتعرّض للقصف الإسرائيلي، لم تكن تشهد عمليات رفع أنقاض قبل مرور أيام، والسبب عدم توفر آليات مع سائقيها، ما يعني أن احتمالات استشهاد مواطنين تحت الأنقاض في وقت لاحق للغارات يعد أمراً وارداً. وبحسب المصدر فقد تم تأمين سائقين لآليات البلدية والقطاع الخاص للعمل على رفع الأنقاض، بعد أسابيع على وقوع الحرب في المنطقة، وعلى الرغم من ذلك لاتزال هناك عوائق كثيرة ونقص كبير يحول دون تنفيذ عمليات رفع الأنقاض بعد الغارات وهو ما حصل يوم أمس حين استهدفت إسرائيل أحد الأبنية السكنية في أحد أحياء مدينة بعلبك فقد مرّ أكثر من 10 ساعات قبل البدء برفع الأنقاض وانتشال الضحايا.
ويقول خضر "نواجه تداعيات الحرب بصدور عارية وباللحم الحي، ندير الأزمة والكارثة بموضوع الإغاثة وتأمين المدنيين وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة للنازحين وللمضيفين، ونقوم بالاستجابة، بلا أي شيء".
ليس بالمشهد الجديد على البقاع أن يعاني الإهمال والتجاهل لكنها المرة الأولى التي تواجه فيها هذه المنطقة حرباً بهذه الشراسة يرافقها سوء استجابة من قبل السلطات الرسمية وعجز من قبل السلطات المحلية، ففي الحرب كما في السلم يواجه أهالي البقاع مآسيهم بمفردهم.