مياه بيروت تعود إلى مجاريها.. لكن الأزمة لم تنتهِ
أقل من أسبوعين
سارعت المؤسسة لمعالجة العطل وأعلنت أن المياه ستعود إلى مجاريها، بين يوميّ الثلاثاء 28 حزيران والأربعاء 29 حزيران، إلاّ أن تسرّباً طارئاً للمياه ظهر نتيجة اهتراء الخط الذي يفوق عمره الخمسين عاماً، ما حدا بالمؤسسة يوم الأحد 3 تموز، إلى إعطاء نفسها مهلة أسبوعين لانجاز الإصلاحات. لكن المهمّة انجزت بأقل من الوقت المعلن.
خلال عملية إصلاح الخط 1200، كان على المؤسسة اعتماد "الخطة ب"، والتي تقوم على الاستعانة بالخط 1000 لمد بعض المناطق بالمياه، وإن بوتيرة أقل مما ينبغي، وفق ما أكّدته المؤسسة التي أشارت في بيانها إلى أنها تعمل "تحت وطأة ضغوط مادية هائلة لتوفير المياه لكل الناس بالتساوي".
الأزمة مستمرة
تسجّل المؤسسة لنفسها إنجازاً إضافياً، لكنها تتجاهل مساهمتها عن قصد في ضرب قطاع المياه وزرع "ألغام" داخله، من خلال استراتيجيات ومشاريع غير إصلاحية. وإن كانت المؤسسة تعترف بأن خطوط جر المياه قديمة ومهترئة، فإنها على مدى سنوات لم تعمد إلى إصلاحها رغم وجود دعم مالي من المنظمات الدولية، ومنها البنك الدولي واليونيسف.
وأبعد من مشكلة الخط 1200، فإن بيروت وغيرها من المناطق هي ضحايا إهمال ممنهج. فبدل إجراء الإصلاحات وتطوير القطاع، عملت مؤسسات المياه الموزّعة في المناطق، على تفريخ خطط واستراتيجيات تتناقض مع التوصيات والتقارير الدولية حول القطاع، ومنها تقرير خبراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP الذي أوصى، منذ العام 1970، باعتماد المياه الجوفية في كل لبنان. والابتعاد عن الرأي العلمي، يعني أن الأزمة مستمرة وستتجدّد، سواء في بيروت وغيرها من المناطق. والدليل يخرج من صلب الاستراتيجية الخمسية (2020–2025) التي أطلقت في تموز 2019، وترتكز على الانتقال من الاعتماد على المياه الجوفية إلى المياه السطحية، بحجّة خفض الكلفة المرتفعة لاستخراج المياه الجوفية، والحفاظ على المخزون الاستراتيجي للمياه داخل الأرض.
ورغم نية الحفاظ على المياه السطحية، فإن نهر الليطاني، أطول الأنهار اللبنانية، ما زال ملوّثاً، فيما يفترض به أن يشكّل "مفتاح مستقبل لبنان". وهنا تأتي مسؤولية وزارة الطاقة والمياه أيضاً، فهي الوزارة الوصية على مؤسسات المياه وبيدها مفتاح الحل لهذا القطاع.
وإن كانت الاستراتيجيات الموضوعة من قبل مؤسسات المياه ووزارة الطاقة، تتناقض مع تقارير الخبراء المحليين والدوليين، فهذا يعني أن مشكلة المياه تتحوّل مع الوقت إلى معضلة مستعصية، خصوصاً وأن وزارة الطاقة تصرّ على السدود كحلّ لأزمة المياه، ومؤسسات المياه "تبصم على بياض"، في حين أن تجارب حفر الآبار في أكثر من منطقة، هي تجارب ناجحة، ومنها التجارب المنجزة في الجنوب بين الأعوام 1985 و1998.
مع كلّ ما تقدّم، وإن أصرّت مؤسسات المياه ووزارة الطاقة على السير عكس العِلم، فإن أمامهم تحديات "الحفاظ على مصادر المياه السطحية وحمايتها من التلوث، وصيانة الخزانات وتجهيز المختبرات بالمعدات لمراقبة نوعية المياه الموجودة، فضلاً عن صيانة الشبكات وخطوط التوزيع"، وفق ما يقوله الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي، الذي يلقي على عاتق المؤسسات والوزارة أيضاً، "العمل على التخطيط للمستقبل ومعرفة زيادة الحاجات المائية وتحضير البدائل عن الينابيع المستثمرة بإستثمار مياه جوفية ثبت أنها تشكل ثلثي ثروتنا المائية".
لكن زعاطيطي يقلّل من فرص العمل الجدّي، لأن "مردود هذه الأشغال قليل ولا يكفي أطماع السياسيين الفاسدين الذين يرون بالوزارة فرصة للنهب والسرقة بمشاريع لا أساس علمياً لها مثل بواخر الطاقة والسدود المثقوبة".