جولات ما بعد "التنّين": جعجعة بلا تعويضات
فقد توَّجَت العاصفة المسماة "التنّين"، سجِل الانتكاسات التي يمر بها اللبنانيون منذ خريف العام 2019، وحتّى اللحظة. وبالتأكيد، يبقى المتضررون بلا جهات رسمية تحميهم. لا بل تتآمر عليهم، فيما تُمنّنهم بفتات اهتمام شكلي.
من القرميد إلى الزراعة والمياه
ليلة صاخبة عاشها اللبنانيون مساء الخميس 12 آذار. كانوا يترقّبون ما سيحصل لهم من دون قدرة على إيقافه. ففي عدد من القرى اللبنانية، طارت أحجار القرميد من على أسطح المنازل، وانهارت بعض الجدران، بالإضافة إلى سقوط خزانات المياه، فيما اقتلعت الرياح الكثير من الأشجار من جذورها، وأسقَطَت لوحات إعلانية أصابت سيارات وباصات كانت مركونة بجانبها.
على أن أخطر ما سجّلته العاصفة هو تذكيرها اللبنانيين بسلسلة الحرائق التي انتشرت في غير منطقة لبنانية، والتي كانت إحدى الأسباب الأساسية لانفجار انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. فقد شهدت منطقة الشوف بعض الحرائق المتفرّقة، لم تصل إلى حالة مقلقة، لكن لم يكن هناك ما يمنع ذلك.
أما على الصعيد الزراعي، فقد دمّرت العاصفة بيوتاً بلاستيكية زراعية، من مناطق بعلبك مروراً بمناطق البقاع وصولاً إلى الجنوب. وعلى الأثر، تعالت صرخات المزارعين مُطالِبة الدولة بالتعويض، فهم لا يملكون سوى مزروعاتهم، ليعتاشوا منها في هذا الظرف الاقتصادي الصعب.
وفي السياق، تضرر عدد من شبكات المياه، وفق ما أعلنته مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان. إذ أصابت العاصفة خط أفقا، مسببة "انقطاع المياه عن مناطق في ساحل ووسط جبيل وجردها. وأدى انقطاع الكهرباء عن محطة جعيتا الرئيسية ومحطة قرنة الحمرا إلى انقطاع المياه عن منطقة المتن الأوسط الممتدة من عين علق لغاية المطيلب. وأدى عطل كهرباء على آبار الدامور والناعمة إلى نقص في كمية المياه الموردة إلى منطقة بيروت، التي تتغذى من خزانات تلة الخياط وبرج أبو حيدر. وأدى عطل كهرباء على آبار المشرف إلى انقطاع المياه عن منطقة برج البراجنة. وسوف تقوم المؤسسة بتعويض جزء من النقص الحاصل على هذه المنطقة من نبع الديشونية". ولفتت المؤسسة النظر إلى أن "فرق الطوارىء التابعة لها باشرت عمليات إصلاح الأعطال".
إجراءات رسمية
تعمل بعض البلديات على تسجيل الأضرار، بالاعتماد على بلاغات المواطنين وجولات موظفيها. في حين أصدر وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي قراراً إلى المحافظين طلب فيه "التعميم على القائمقامين الإيعاز لمن يلزم لإجراء مسح على الأضرار الزراعية الناتجة عن العاصفة، على أن يصار إلى إيداع الوزارة كافة تقارير المسح دفعة واحدة على صعيد المحافظة ككل، ليتم احالتها إلى الهيئة العليا للاغاثة".
وزير الزراعة والثقافة عباس مرتضى تفقد الأضرار التي تسببت بها العاصفة في منطقة البقاع، واصفاً إياها بحسب النتائج، بـ"الكارثة الطبيعية". مشيراً أنه سيواكب رئيس الهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير خلال تفقّد الأضرار في منطقة الساحل الجنوبي، يوم السبت 14 آذار، مؤكداً أنه سيتم "التعويض على المزارعين الذين ينتظرون نهاية الموسم لدفع الاقساط المدرسية لأبنائهم".
أيضاً، دعا رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا محمد صالح، الهيئة العليا للاغاثة ووزارة الزراعة إلى "الإسراع بالكشف على الأضرار الجسيمة والفادحة التي لحقت بالقطاع الزراعي في الجنوب، لا سيما في قطاع الزراعات المحمية والخيم البلاستيكية". مؤكداً أنه "لا طاقة للمزارعين على تحمّلها"، والتعويضات من شأنها تمكين القطاع الزراعي "من النهوض والعودة للمساهمة في دعم الاقتصاد".
تكرار معروف
لا شيء تغيّر على المزارعين وسائر المواطنين المتضررين من العواصف وسائر الظواهر الطبيعية، كالفيضانات وغيرها. فجولات الوزراء والهيئة العليا للاغاثة حفظها المتضررون عن ظهر قلب، حتى أن أسماء المتضررين تكررت في سجلاّت وزارة الزراعة والهيئة، لكنّ التعويضات لم تصل إلى كل أصحابها، وما وصل منها لم يكن على قدر الأضرار.
ليس التعويض هو الهدف الأساسي للمزارعين، برغم أهميته وضرورته. فالإجراءات الوقائية والاستباقية هي الأساس، وهي المطلب النهائي والدائم. وللمفارقة، لا شيء من الاجراءات الاستباقية مُطبَّق، وليس ذلك وليد صدفة بل بفعل قرار واضح بتهميش القطاعات الانتاجية لصالح المصارف وأصحاب الوكالات الحصرية وكبار التجّار. وهذه النقطة، لا يغفلها المزارعون المتضررون الذين عبّروا عن عدم ثقتهم بالجهات الرسمية، بناءً على تجارب سابقة. كما أن الحكومة الحالية لم تختلف عن سابقاتها في جوهر تركيبتها السياسية وطريقة تعاطيها مع الأزمات وتجاهلها لمطالب المزارعين، التي تتمحور حول دعم الانتاج الوطني بشكل مباشر، عبر تقديم المساعدات المادية والعينية للمزارعين، وبشكل غير مباشر عبر إعادة النظر بالاتفاقيات الخارجية التي تسمح للمنتجات الزراعية الأجنبية بمنافسة المنتجات المحلية.
لا يملك المزارعون سوى الانتظار ومراقبة جولات المسؤولين وسماع خطاباتهم، فيما يصارعون لتحمّل نتائج اقتصادية، مالية، نقدية، اجتماعية، سياسية، تعليمية وصحية. وفي ظل انتشار وباء كورونا، وتهاون الوزارات والادارات الرسمية المعنية في اتخاذ الاحتياطات اللازمة، لا ينتظر المزارعون المتضررون أكثر مما انتظروه على مدى 30 عاماً.