موازنة 2019 "تركيب طرابيش".. وإجراءات قاسية لاحقاً
بعد سبعة أشهر وعشرات الجلسات الحكومية، ومن بعدها الجلسات الماراتونية للجنة المال والموازنة، أحيلت الموازنة "المفرّغة" إلى مجلس النواب للتصويت عليها، وسط "ابتهالات" أعضاء لجنة المال والموازنة بتحقيقهم إنجازاً خارقاً بخفض نسبة العجز من 11.5 في المئة إلى نحو 6.59 في المئة!
تضمّن قانون الموازنة 99 مادة، عمدت من خلالها لجنة المال إلى عصر الإنفاق، في مقابل تأمين إيرادات من بنود أخرى، خلصت فيها إلى توفير 550 مليار إضافية. لكن ما مدى دقة الأرقام؟ وما هي الضمانة بألا يتكرّر سيناريو موازنة العام 2018، بإخفاقاتها وأرقامها المنفوخة التي أثبتت زيفها لاحقاً؟
زواريب الموازنة
لم تقدم موازنة 2019 أيَ طرحٍ أو بند إصلاحي استراتيجي، بل بنودٌ تقشفية، إلى جانب بعض الرسوم والاقتطاعات من هنا وهناك. وبعد تصادم بعض المواد مع رفض الشارع، عمدت لجنة المال إلى خفض الضريبة على رواتب العسكريين من 3 في المئة إلى 1.5 في المئة، بينما قدمت اللجنة توصيات حيال رسم الـ2 في المئة على المنتجات المستوردة. وقد علمت "المدن" بأن رسم الـ2 في المئة على المستوردات تم تعليقه إلى أجل غير مسمى، بالتوازي مع إعادة النظر بالرسم النوعي المقترح فرضه على 20 منتجاً صناعياً، دعماً للصناعات اللبنانية.
كما تضمنت موازنة 2019 إجراءات تؤمن بعض الإيرادات للخزينة. لكنها - برأي خبراء - لا يمكن أن تُحدث فارقاً كبيراً على مستوى خفض العجز، أهمها تعديلات على قانون ضريبة الدخل، ورفع رسوم السّير السنوية، ووقف العمل بالرواتب الإضافية التي تزيد عن اثني عشر شهراً في السنة، ومنع الجمع بين معاش تقاعدي وأي مبلغ شهري يُدفع من المال العام، وتعديل مدة جوازات السفر، وتجميد الإحالة الاختيارية على التقاعد لمدة ثلاث سنوات، وغيرها من المواد.
كل تلك الإجراءات، ومهما كانت جديتها، لا تتجاوز إيراداتها ما كان متوقعاً أن تجبيه الخزينة العامة من مكامن أخرى جرى تعطيلها خلسة، كإعفاء السندات بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز) من ضريبة الـ7 في المئة، علماً أن الضريبة على الفوائد ارتفعت بموجب موازنة 2019 من 7 إلى 10 في المئة على عائدات وإيرادات الحسابات الدائنة كافة، المفتوحة لدى المصارف، بما فيها حسابات التوفير، وعلى فوائد وعائدات الودائع وعلى سندات الخزينة بالليرة. وبإعفاء اليوروبوندز من الضريبة على الفوائد، تخسر خزينة الدولة نحو 403 مليارات ليرة سنوياً.
أرقام غير واقعية
ما تطمح إليه لجنة المال، وما توصلت إليه من خلال أرقام الموازنة النهائية من خفض للعجز من نحو 11.5 في المئة إلى نحو 6.59 في المئة، لا يمكن - حسب مصدر مالي - أن يُترجم على أرض الواقع. بمعنى أن خفض العجز سيكون إسمياً لا فعلياً. الأمر الذي سيدفع الحكومة لاحقاً إلى تكرار سيناريو موازنة العام 2018، حين قدّرت نسبة العجز بنحو 8.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليتبيّن لاحقاً أن النسبة ارتفعت إلى 10.5 في المئة. واختتم العام الفائت على عجز قدّر بنحو 11.5 في المئة.
لم تمر أرقام الموازنة على المؤسسات الدولية مرور الكرام، فكما نسفت وكالة موديز العام الماضي توقعات العجز في موازنة 2018، وأثبتت الوقائع لاحقاً زيف أرقام الموازنة وعدم صدقيتها، كذلك فعل صندوق النقد الدولي حين نسف أرقام العجز المتوقعة والمستهدفة في موازنة 2019، وتوقّع بلوغ العجز مستويات أكبر من تلك المستهدفة والمصرّح عنها، وقد تصل إلى 9.75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لاسيما بعد إخفاق الحكومة بالتوصل إلى اتفاق بشأن خفض تكاليف خدمة الدين، من خلال إصدار سندات خزينة بفائدة متدنية بالتنسيق مع مصرف لبنان.
بنزين و TVA
أرقام الموازنة تبعث الخوف من اتخاذ إجراءات قاسية في وقت لاحق، بهدف خفض العجز فعلياً لا إسمياً. وهو ما يحذر منه البعض، خوفاً من توجه الحكومة إلى تحصيل إيرادات مباشرة وسريعة، عبر الأخذ بنصيحة صندوق النقد الدولي التي تنصّ على رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 12 في المئة، وفرض ضريبة بقيمة 5000 ليرة على صفيحة البنزين.
وبصرف النظر عن أرقام الموازنة، تبقى الجلسة العامة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لإقرار موازنة 2019، مهدّدة وغير مضمونة النتائج. إذ أن الحكومة لم تحِل حتى اللحظة مشاريع قوانين قطوع الحسابات المتعلقة بالسنوات السابقة. وهو ما يخالف القانون لجهة ضرورة تصديق قطع الحساب قبل الموازنة العامة.