أنت سوري إذن أنت مشبوه
أنت سوري في لبنان يعني أنك مذنب حتى لو تتم إدانتك. ليس بالضرورة أن ترتكب جرماً لتساق إلى التحقيق، فالتهم قد توّجه ضدّك دون أن يكون هناك معرفة بشخصك. جنسيّتك وحدها تكفي.
أنت سوري، إذن، وجودك غير مرحب به، بل وبقاؤك يشكّل خطراً أمنياً، ويكبّد خزينة الدولة اللبنانيّة خسائر بملايين الدولارات، فضلاً عن تسببك بالبطالة لنظرائك اللبنانيين.
حتى لو كنت عاملاً أو طالباً فهذا لا ينفي أن تكون من "أشباه ماجد الماجد"، وأنّ كل تحرّك لك، مشبوه حتى لو أثبتّ العكس. تأسيساً على ذلك، قد يتعرض للتحقيق في مبنى الأمن العام، المتحف، كلّ من يريد إنجاز اوراق إقامته. فتيات يذهبن للحصول على الإقامة يخرجن باكيات بفعل الضغوط النفسيّة التي يتعرضن لها.
"تعاملوا معي على أني شخص سيء، لديه فكرة مسبقة يحاول تثبيتها. أنا مذنبة، دون أن يكون هناك تهم واضحة ولا مجال للدفاع عن نفسي"، تقول سهى (إسم مستعار) التي أرادت الحصول على إقامة طلابيّة. فحُقّق معها مراراً على فترات متباعدة، هذا عدا عن الزيارات المتكرّرة لمنزلها.
"لدينا معلومات خطيرة عنك، ما تقولينه غير صحيح، فلتفكري جيّداً في كيفيّة التعاون معنا في حال أردت الحصول على الإقامة أو يتمّ ترحيلك"، هذا ما قيل لفتاة أخرى، تريد أيضاً الحصول على إقامة طالبيّة. الأسئلة التي وجّهت للفتاة لم تقتصر على مكان سكنها، ودراستها، بل أيضا عن مصدر حصولها على المال الذي تصرفه، والمناطق التي تزورها، وأسباب إختيارها منطقة دون أخرى.
مضى حوالي الشهرين دون أن تحصل الفتاتان على إقامتهما الطالبية، فيما حجز جواز سفرهما عند الأمن، دون وجود أي دليل على ذلك بحوزتهما، إلّا مع سهى التي تملك ورقة انتهت صلاحيتها منذ شهر ونصف الشهر. كلتاهما تخلت عن ترف الحصول على الإقامة، جلّ مرادهما إسترجاع جواز السفر!
في منطقة الأشرفيّة، آليّة المسح التي تكلّم عنها القيادي العوني زياد عبس الأحد الفائت، في مؤتمره الصحافي المشترك مع الوزير السابق نقولا صحناوي، جارية على قدم وساق. يأتي مفتشون إلى المنازل التي يقطنها سوريون لمعرفة عدد الأشخاص الموجودين في المنزل، وفي حال إقتصر العدد على رقم صغير، يشكّك المفتّشون بصحّة المعلومات، فالجيران يرون الكثير من الوجوه. إلّا أن الحل موجود لكل شيء، أحد أصحاب الأبنية التي يسكنها سوريون، يملك مكتباً أسفل العمارة، وعلى كل الزوّار السوريين أن يتركوا نسخاً من جواز سفرهم وهو بدوره يسلّمها للأمن العام. هذا هو التعاون، إذن، الذي تكلم عنه عبس والصحناوي للوقوف في وجه الإرهاب، حيث يتحوّل الجميع إلى أجهزة مخابرات تتقصى وتراقب كل غريب يشتبه بأن يكون مشروع إرهابي لا لشيء سوى لكونه سورياً.
في حديثه أكدّ صحناوي استناداً لتقرير صحيفة "النهار" أن نسبة الجرائم قد ارتفعت بشكل مريب، من معدّل 11 جريمة قتل في الشهر إلى 29 جريمة، طبعاً سبب الزيادة هو وجود السوريين، لا داعي لأن يدقق الصحناوي في هذه الزيادة ودراستها. لربما يكتشف، لو فعل، ان بعض هذه الجرائم يرتبط بقانون العنف الأسري الذي لم يقرّ حتى الآن.
بالتأكيد من واجبات الدولة اللبنانيّة مقاضاة الخارجين عن القانون وكل مخلّ بالأمن على أراضيها، أكانوا لبنانيين أم أجانب، ولكن من غير المقبول أن يعامل كل سوري بشكل مسبق على أنه مجرم. أمّا عن خسارة اللبنانيين لـ330 ألف وظيفة بسبب السوريين، فلماذا تحمّل المسؤوليّة للعامل السوري الذي أجبر بسبب ظروفه أن يقبل بساعات عمل أكثر ومعاش أدنى، لماذا يقتصر العديد من طلبات التوظيف على السوريين فقط دون سواهم؟ أليس ذلك بسبب جشع صاحب العمل الذي يقوم بإستغلال ظروف هذا العامل وحاجته إلى العمل، وعلى الدولة التي لا قانون عمل لديها يحمي الموظفين؟
والحال ان إجراءات عبس وصحناوي العنصرية لا تكتفي برمي المسؤوليات على النازحين السوريين وتحميلهم عبء المشاكل التي كانت موجودة أصلا قبل وجودهم، بل تذهب حدّ منع تجوّل السوريين في الأشرفيّة، بعد الساعة الثامنة مساء. طبعاً، يرفض كلاهما الإتهام بالعنصريّة، "هذه ليست عنصريّة" يقول الصحناوي، بل "هي وطنيّة". الوطنيّة ذاتها التي لم تحفل يوماً بحقوق اللبنانيين الإقتصادية والمعيشية المتردية منذ أكثر من عشر سنوات، لا سيما المياومين الذين تعرضوا لهجوم بالحجارة من قبل عبس أثناء إعتصامهم الشهير. الوطنية التي لا نلمسها إلا في الحديث عن تداعيات وجود السوريين. لنعد صوغ العبارة بالشكل الأصح: "هذه ليست وطنيّة، إنها عنصريّة وأكثر!".