حزب الله كشأنٍ سوري
حرب إسرائيل على لبنان هي أكثر ما يشغل السوريين اليوم. هناك اهتمام يفوق أي قضية أخرى، سببه الانعكاسات التي قد تترتب على الوضع في سوريا والمنطقة لاحقاً، وعلى هذا فإن المسألة لا تعني فقط أولئك الذين يتموضعون خارج معسكر النظام، بل ينسحب الأمر على الجميع، نظراً إلى ما يشكله الدور الإيراني من ثقل في راهن ومستقبل الشرق الأوسط.
حتى لا يتم تمويه هذه الحالة، ومن أجل وضع الأمور في نصابها، تستدعي اللحظة الراهنة الحديث بصراحة عن الحرب وتداعياتها، وفتح باب نقاش صريح من حولها، بعيداً من اللغة الخشبية، عسى أن يفيد ذلك القضايا السورية، ويجنبها الكثير من السهام التي توجه ضدها في هذه الأيام، بسبب تضارب الرؤى تجاه ما يحصل.
الوضع خطير، ولا مكان فيه لأي نقاش سفسطائي، ولذلك أخذ الناس يسمون الأشياء بأسمائها، منذ أن بدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله. وكانت المفاجأة أن القطاع الأوسع من السوريين، الذي ابتعد عن السياسة في الأعوام الأخيرة بسبب المأساة، عاد إليها بسرعة.
الكل يتابع الأخبار، ويحلل، ويبدي رأيه، ولا يخفي مشاعره ضد أو مع. وحتى الآن يعلو صوت الذين يترقبون نهاية حزب الله، ويستنكر النقاش السوري في وسائل التواصل أي تضامن مع حزب الله، والحجة جاهزة وهي أن الحزب ما زال يشارك قوات بشار الأسد بقتل وتهجير السوريين من بيوتهم، وهو يحتل بعضها، وما زال يمنع عدداً منهم من العودة إليها في الغوطة وأرياف حمص وحلب وادلب، بينما ينام بعض أصحابها مع أطفالهم في الخيام منذ أعوام، وهم ينتظرون أن تتغير موازين القوى من أجل العودة إلى ديارهم. وقبل كل شيء، يجب على الحزب أن يسحب قواته من هناك، ويعتذر عما فعله، ويتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عما قام به.
ويذهب جانب من النقاش السوري إلى جملة من المطالب المشروعة، أولها استعادة البيوت التي استولى عليها الحزب، والعودة إليها، ومحاسبته قانونياً على ما اقترفه بحقهم من مجازر وتدمير، وهذا مكفول قانونياً طال الزمن أم قصر، وللمتضررين كامل الحق في التعويض المادي والمعنوي.
ومهما يكن من أمر، ليس من السهل على هؤلاء نسيان البراميل، التي رماها قادة عسكريون من حزب الله على المدن والقرى السورية، لأنها جرائم تمت ضد شعب أعزل لم يعتد على أحد، وهي تصنف في باب جرائم الحرب، التي لا تسقط بالتقادم.
جانب من المواد الإعلامية في وسائل التواصل ركز على الخطاب الطائفي، الذي حرًض على الحرب الطائفية في سورية، وما زالت آثاره التدميرية قائمة، وتحول دون مصالحة السوريين مع بعضهم البعض، واستعادة وحدتهم الوطنية كما كانت عليه منذ نشوء الكيان السوري الذي احترمت مكوناته خصوصيات بعضها.
اللافت هو المادة الإعلامية التي باتت متوافرة بغزارة في وسائل التواصل الاجتماعي، حول تدخل حزب الله في سوريا إلى جانب النظام السوري منذ بدايات الثورة السورية، ومن النادر عدم وجود فيديو مصور لأحد قادة حزب الله العسكريين الكبار، وهو يتجول بلباسه العسكري على الأراضي السورية برفقة قادة الحرس الثوري الإيراني، الذين خاضوا المعارك الأساسية إلى جانب النظام.
وتوحي الكمية الكبيرة من المواد الإعلامية، أن تاريخ هذا الحزب بدأ في سوريا، حيث يتعذر الوصول إلى فيديو أو صورة واضحة لأحد قادة حزب الله العسكريين، قبل الإنخراط في النزاع السوري. ومن الواضح أن ذلك شكّل هدفاً ثميناً لإسرائيل، وبنك أهداف لم تكن تمتلكه في حرب 2006، ومن دون شك فإن أهم خسارة لحقت بحزب الله حتى الآن سببها انكشافه في سوريا، وانتشاره الواسع هناك بكثافة من أقصى الشرق في ريف محافظة دير الزور على الحدود السورية العراقية، إلى أقصى الجنوب في درعا والسويداء والجولان، مروراً بحلب وإدلب وريف دمشق، وما زال يتواجد على خطوط التماس في جبهة إدلب، ويشارك في المعارك هناك.
وسط حالة الاستنفار، ثمة أصوات خافتة تطالب بمراقبة المشاعر جيداً، كيلا تنزلق إلى عدمية ضارة بالقضية السورية. ويدعو البعض إلى ضرورة وعي مضار ومخاطر خلط الأمور، لأنها تأخذ إلى حيث قد يفقد السوريين حقهم في عدالة القضية، ويسيء إلى تاريخ سوريا الوطني وشعبها. وفي وسط هذا الجو، مطلوب ألا ينسى أحد بأن إسرائيل لا تحتل فلسطين فقط، بل الجولان السوري أيضاً، وهي قامت بضمّه رسمياً، وتقيم عليه مستوطنات كما هو الحال في الضفة الغربية. إن غض الطرف عن ذلك يجرح عدالة الثورة ضد النظام الذي تهاون في تحرير هذه الأرض. وعلى هذا يجب قرن الديموقراطية والتحرير، حتى تتوازن المعادلة الوطنية.
ويرى هؤلاء إن المظلومية تجاه حزب الله، لا تمنع من رؤية الحرب على لبنان من زواياها كافة، وليس الصورة التي تعرضها إسرائيل، وهي توجيه ضربة إلى حزب الله. وألا يغيب عن بصر الجميع العدد الكبير من الضحايا والمهجرين من المدنيين اللبنانيين والدمار في البنية التحتية اللبنانية. وبالتالي تبقى اسرائيل عدواً، سواء حاربت حزب الله أم لم تحاربه، وهي في الأحوال كافة، لا تحاربه لأنه حارب قسماً من السوريين في سوريا، وشرد بعض أهلهم من ديارهم، بل تحاربه من أجله مشاريعها التوسعية.
ثمة مسألة أخرى على قدر كبير من الأهمية، وهي أنه لولا اسرائيل لما كان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد بقي في موقعه حتى الآن، وهنا يحضر التفاهم الذي حصل بين الولايات المتحدة وروسيا بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة العام 2013، الذي كان أحد بنوده السرية إزالة الخط الأحمر الذي وضعته واشنطن، وبمقتضى ذلك حصل الأسد على عفو دولي، وعلى هذا الأساس قامت قواعد التفاهم بين روسيا واسرائيل في سوريا، وهي سارية المفعول حتى اليوم.
وفي نهاية المطاف، على الجميع أن يحصن نفسه ضد المفاجآت، التي يمكن أن تترتب على هذه الحرب، ومنها احتمال أن يكون الأسد الرابح الوحيد فيها. إن صمته علامة فرح عن انتقاله من صفوف الممانعة إلى موقع جديد، تحدده نتائج الحرب.