حرب كانت غداً لأجل الحياة

سليمان بختي
الخميس   2024/09/26
الغارة الإسرائيلية على الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت (علي علوش)
كم حرباً يفترض بالإنسان أن يعيش في عمر واحد حتى تُحسب له حياة؟ ما نراه أمامنا هو القوة المعرّاة. النصل أو الفناء. وترانا نسأل: هل الإنسان مريض بالحرب ومفتون بالعنف ومهجوس بحب البقاء وغريزة السيطرة وجشع النهب والاقتناء؟ 
 
بدأ القرن العشرين بحربَين كبيرتَين: الحرب العالميه الأولى 1914- 1918، والحرب العالمية الثانية 1939-1945. ومنذ ذلك الوقت، صارت الحروب باردة طوراً، وساخنة اطواراً. لكن القرن العشرين نفسه انتهى بحروب صغيرة تولد كالفطر ولا تنتهي وأسبابها من أسباب الحياة والموت. وكذلك كان الربع الأول من القرن الواحد والعشرين. أورد الفارابي في كتاب "النواميس" مفهوم أفلاطون للحرب، وردّها في نهاية الأمر إلى ما في طباع البشر من صراع دائم ومستمر. ترانا نسأل: كيف تندلع الحروب وكم من الزمن يستلزم عناصر البركان للانفجار وتدفق الحمم؟

وهل وسيلة الطبيعة تسهم، بحسب إيمانويل كانط، في دفع البشر إلى وضع قوانين مقيدة للحرية حتى يتمكنوا من الحياه وإلا افنوا بعضهم بعضاً؟ هناك تاريخان حاسمان في تاريخ هذا الشرق الأوسط المنكوب بالحروب: سقوط بيزنطة العام 1453 وسقوط فلسطين العام 1948. لكننا في هذا القرن المختلف عن زمان سقوط بيزنطة، نشهد تقدم العِلم والبربرية معاً. نشهد تقدم التقنية وتراجع الإنسانية في آن. هل نستطيع القول إنها غداً كانت الحرب وليس اليوم؟ أم أنها حدثت هناك ثم وضعت أوزارها، ولم تحدث هنا. وماذا عن أسبابها التي لم تتغير مذ كانت الحروب؟ وكل الأسباب تدور في حيز البقاء والاقتناء والاستقواء. ودائماً دائماً في المساحة المتّسعة اكثر فأكثر بين الغموض والوضوح. إنها الحرب وكل احتمالاتها ممكنة حتى تلك التي لا يدركها خيال.

وفي لبنان اليوم، باتت حياتنا مجرّد هدنات قصيرة بين حروب طويلة. وما إن تنتهي حرب حتى تُؤسس أخرى جديدة على أنقاض سابقتها. لكن مَن ينتج كل هذه الحروب في بلادنا؟ أهو النظام أم الجيوبوليتيك أم الذاكرة أم الأرض؟

أم أن جروحنا تختم على زغل فيسهل نكؤها. كأننا بلا حيل ولا حيلة. واذا كان هذا الصراع الدائر في لبنان بكل أبعاده الحادة يذهل العالم ويذهلنا. ومع ذلك لا أحد على استعداد لإعادة النظر في أسباب جنون الحرب ونتائجها. لا أعرف مَن قال مرة إننا نذهب إلى الحرب جماعياً في طقوس وصنوج وشعارات، ونعود فرادى خائبين. وما أحزن الأرض المحروقة والدمار والركام وما أوجع المنتظرين. وبعد كل حرب، تعود الأسئلة من جديد. على أية رؤية وأية قيم نقيم وطنا؟ ولأي مواطن؟ ولأجل مَن؟ والمفجع في حروبنا اللبنانية أن كل انتصار هو هزيمة مُرجأة. لأن المنتصر لا يسامح ولا يقبل الرأي ولا يؤسس، بل يعيد ممارسة ما رآه ممن تولوا السلطة قبله. لبنان اليوم ليس في قلب الحرب، بل في قلب الخديعة. خديعة الداخل، وفحواها قبول المرء لنفسه ورفضه للوطن الذي ليس على صبره وهواه. وخديعة الخارج القائمة على مصالح الدول. خديعة مزدوجة ولعنة مزدوجة.

وبعد الحياة رهان مستمر ومغامرة مفتوحة الآفاق، لكن في زمن الحرب لا يبقى سوى النجاة. والنجاة ليست حياة. وعلى ضفاف الحرب لا ينمو الا أزهار الموت. لكننا نتحمل ونحلم بأمل بتضحية بقوة الإرادة الانسانية. وما يدهش فعلاً أن الإرادة الانسانية، امتداد وأمر متمم، وغالباً معاكس للقدر وللطبيعة.