ماجدة ملكون في "الأم الحاكمة": تحول الجسد

محمد شرف
السبت   2024/09/14
جمعت الفنانة بين اهتمامها بالتصوير الفوتوغرافي والنحت وسواهما في أعمالها الفنية
تحتفل التشكيلية ماجدة ملكون، بالنساء وتاريخهنّ الجماعي، وتجمع الأشياء المكسورة من ماضيهن لتشكّل لوحات كاملة يتجسّد فيها المستقبل. بهذه الكلمات يتم تقديم معرض الفنانة، الذي اتخذ عنوان "الأم الحاكمة" "The Matriarch" والمقام في غاليري Maya Art Space (شارع عبد الملك، وسط بيروت). اللوحات المعروضة ذات أحجام كبيرة ومتوسطة، ومنفّذة بتقنيات مختلطة.
 
يرد في النشرة الخاصة بالمعرض، أن ثمة احتفال بروح المرأة الدائمة، وهو يشكّل انعكاسًا عميقًا للقوة التحويلية للمرأة، حيث يُحتفل بها كأساس لتاريخنا الجماعي ومستقبلنا. يدعو المعرض الجمهور إلى مشاهدة كيف تتجمع الأجزاء المقتطعة من ماضي المرأة معًا، كي تصنع شيئًا كاملاً وجميلًا وهائلًا.

في ما يخص المرأة، جسداً أكانت أم مجرّد بورتريه لوجه، لا بد من القول إن هذا الموضوع يُعتبر معقداً ومتطوّراً، وقد تمت معالجته بطرق مختلفة عبر التاريخ في ثقافات متنوّعة وبطرق مختلفة. وفي الواقع، غالبًا ما يُستخدم الفن للتأمل والتعليق على الأعراف الاجتماعية، والمثل الجمالية، وأدوار الجنسين، وتصورات الجسم والإنسان. لكن، ومع مرور الوقت، تنوع تمثيل الجسد الأنثوي، مرورًا بفترات الاحتفال بالجمال والسحر والجماليات الأنثوية، كما أيضًا خلال فترات التشويه والقولبة والتشييء. 


اليوم، وإذ يستكشف العديد من الفنانين المعاصرين مسائل الجنس والهوية والتحرر في أنحاء العالم، وتكثر الأعمال الحديثة بشكل متزايد، كما نتعمّق في استخدام الرموز على أنواعها؛ لا بد، في هذه الحال، من أن نحرر أنفسنا من "الإتفاقيات" السابقة، مما يساعد في تحرير المرأة، كجسد مادي أو تيمة تشكيلية. وعلى الرغم من أن أعمالنا مصمّمة، من حيث الأساس، من أجل تحسين صورة المرأة، وتسليط الضوء على جسدها ومنحنياتها المبهرة، وهو ما قد يصبح ممجوجاً أحياناً، إلا أنه ما زال من الصعب إعطاء مكان رحب للأنوثة العارية (بشكل خاص) في الفنّ، وهي التي اعتبرت دائمًا إشكالية واستفزازية، بل ومزعجة للبعض في بعض الأحيان. ولهذا السبب فإن موضوع الخلق الفني ما زال مجالًا معقدًا ومثيرًا للجدال؛ وهو مظهر يحاول الفنانون تغييره بحيث تحتل المرأة مكانًا لائقاً في عملية تحقيق التوازن بين الاحتفاء بالجمال الطبيعي من جهة، ومسألة تحريرها من النظرة التقليدية من جهة أخرى. لذلك ما زال هناك وقت لنسأل أنفسنا ما هي مكانة جسد المرأة في الفن، وهو السؤال الذي سيبقى قائماً على الدوام. 

تحاول فاطمة ملكون، في معرضها لدى "مايا آرت سبايس" سبر أغوار الموضوع المذكور. وكما يبدو، فإن المعرض الحالي يمثل حالة متقدّمة من المعالجة، وتشير إلى تطوّر حاصل عند الفنانة، بعد مراحل سابقة مرّت خلالها، وكان المشاهد اطّلع عليها في "ندبات التاريخ" و"التحول". لقد عكس نتاج ملكون الفني رحلة الأمهات التي تصورها في "بيروتيكا"، و"استراحة أسترات"، و"راكب العاصفة"، وهي تنمو في العمق والفروق الدقيقة. يتجلى هذا التقدّم في استخدامها للمواد والتقنيات والرمزية، التي أصبحت أكثر تعقيدًا، مما يعكس الطبيعة المتعدّدة الأوجه لموضوعاتها، وصولاً إلى استكشاف قوة المرأة وجمالها وعيوبها. ولقد أصبح هذا التطوّر واضحاً من خلال اللجوء إلى تقنيات مبتكرة وما يستتبع ذلك من طريقة استعمال المواد، ما يؤدي إلى عمل فنّي متعدّد الطبقات، يحتل الرمز مكاناً بارزاً فيه.

لا يمكن طرح مسألة "الجمال" في أعمال ملكون، والبحث عنه في نتاجها، كما يتم البحث عن ارتقاءاته الكلاسيكية المعروفة (وهي للمناسبة لم تفقد سحرها حتى اللحظة إذا ما تم إظهارها بحسب الأسلوب البعيد من الكيتش). لا شك أن الجمال يتّخذ وجهاً آخر في حالة الفنانة، ويتكشف، تقنياً، من خلال حشد العناصر الكثيرة، لصقاً أو تركيباً ورسماً، ضمن الجسد الأنثوي أو البورترية، ما يحوّله إلى "موزاييك" تتخذ حجارته صفة الرموز، في سعي لملامسة الجوهر الداخلي للفكرة. لقد جمعت الفنانة بين اهتمامها بالتصوير الفوتوغرافي والنحت وسواهما في أعمالها الفنية، فاستخدمت أنواعا مختلفة من المواد ذات الملمس المختلف والألوان و أشياء أخرى، كأدوات الرسم وما يمكن أن تتركه الفرشاة من آثار عفوية على القماش.

هذا الأسلوب يذكّرنا، ولو من حيث الشكل، بأعمال الفنان الروسي بافل فيلونوف (1883 – 1941)، وهو الذي يُعتبر مؤسس "الفن التحليلي"، وصاحب الأسلوب الفريد من نوعه، في تبيانه الأشياء الغريبة ضمن اهتمام استثنائي بالتفاصيل، ومن هنا جاء مصطلح "تحليلي". أما بالنسبة لماجدة ملكون، من ناحية أخرى تتعلّق بالمفهوم نفسه، فإن "الأم" هي بمثابة جسر يربط بين الرحلة الفنية الشخصية للفنانة، والموضوعات الثقافية والاجتماعية الأوسع نطاقًا السائدة في العالم العربي. إنها تدعو المشاهدين إلى التأمل والاعتراف بالقوّة التحويلية والروح الدائمة للنساء عبر الأجيال، وتحثنا على التعرف على طبقات الخبرة والذاكرة والتحمل المضمنة في قصصهن العالمية.