"بريء مفترض"... جريمة وسياسة وجنس
كانت التسعينيات عصراً ذهبياً لأفلام التحقيقات القانونية. لم يصبح هذا النوع الكلاسيكي، خلال تلك السنوات، مشهوراً جداً في شباك التذاكر فحسب، بل كان يجمع الممثلين الأكثر شعبية في حينها، مثل توم كروز، وهاريسون فورد، وساندرا بولوك، وجوليا روبرتس، وريتشارد غير، ودينزل واشنطن، من بين أسماء أخرى. ليس بالضرورة - أو ليس دائماً – أن أثمرت هذه الطفرة أفلاماً عظيمة (الأفلام المقتبسة من روايات مثل The Pelican Brief، The Client، A Time to Kill، The Rainmaker، Runaway Jury، على سبيل المثال لا الحصر)، لكنها كانت فعّالة عادة، مسلّية ونادرا ما خيّبت الآمال.
جميع الأفلام/ الروايات المذكورة أعلاه، من تأليف الأميركي جون غريشام، وربما أسهمت الضجة التي رافقت صعود نجمه، في خفوت أسماء أخرى مثل مواطنه المحامي والروائي سكوت تورو، الذي تخصّص بدوره في هذا النوع في نسخته الأدبية. في 1990، صدر فيلم "بريء مفترض" Presumed Innocent، استناداً إلى رواية تورو من العام 1987 بالعنوان ذاته، من بطولة هاريسون فورد وإخراج آلان جيه باكولا - وكان أحد أوائل الدعاة لهذا الاتجاه الجديد - فيلم إثارة وتحقيقات قانونية حول محام يحقّق في قضية قتل، ليصبح هو نفسه المشتبه الرئيسي في ارتكاب الجريمة. اليوم، تراجعت أفلام الإثارة القانونية في السينما، والطريقة الحالية لصناعة الترفيه لإحياء هذا النمط تأتي عبر المسلسلات التلفزيونية. وذلك بفضل ديفيد إي. كيلي، وهو مخضرم آخر من زمن التسعينيات، ومبتكر الدراما الكوميدية القانونية Ally McBeal (خمس مواسم، 1997-2002) والدراما القانونية The Practice (ثمانية مواسم، 1997–2004)، وربما أكبر النجاحات اللافتة لهذا النوع في النسخة التلفزيونية، يتمثل في مسلسلي The Lincoln Lawyer أو Big Little Lies. وتعود الآن قصة "بريء مفترض" في مسلسل قصير من ثماني حلقات، يُعرض حالياً في "آبل تي في بلاس".
يسير Presumed Innocent على خطى تلك الأفلام تقريباً: فهو مؤسَّس جيداً، ومثير للاهتمام، ولا يخترع جديداً، يسلي بما فيه الكفاية بتقلباته وتحوّلاته التي تجعل من الممكن الانتقال من ساعتي الفيلم إلى ست ساعات أو أكثر يمتدّ خلالها المسلسل القصير. الإثارة القانونية بمثابة "الخبز والزبدة" للأنواع السمعية البصرية والأدبية: فالمرء يعرف بالفعل، بشكل أو بآخر، ذوقه، ونادراً ما يفشل. لا يكتشف المتفرج أي شيء من خلال مشاهدتها، هذا صحيح، لكنه لا يتوقّع بالضرورة أن هذا النوع من المسلسلات المقتبسة من روايات رائجة سيعيد اختراع العجلة.
جميع الأفلام/ الروايات المذكورة أعلاه، من تأليف الأميركي جون غريشام، وربما أسهمت الضجة التي رافقت صعود نجمه، في خفوت أسماء أخرى مثل مواطنه المحامي والروائي سكوت تورو، الذي تخصّص بدوره في هذا النوع في نسخته الأدبية. في 1990، صدر فيلم "بريء مفترض" Presumed Innocent، استناداً إلى رواية تورو من العام 1987 بالعنوان ذاته، من بطولة هاريسون فورد وإخراج آلان جيه باكولا - وكان أحد أوائل الدعاة لهذا الاتجاه الجديد - فيلم إثارة وتحقيقات قانونية حول محام يحقّق في قضية قتل، ليصبح هو نفسه المشتبه الرئيسي في ارتكاب الجريمة. اليوم، تراجعت أفلام الإثارة القانونية في السينما، والطريقة الحالية لصناعة الترفيه لإحياء هذا النمط تأتي عبر المسلسلات التلفزيونية. وذلك بفضل ديفيد إي. كيلي، وهو مخضرم آخر من زمن التسعينيات، ومبتكر الدراما الكوميدية القانونية Ally McBeal (خمس مواسم، 1997-2002) والدراما القانونية The Practice (ثمانية مواسم، 1997–2004)، وربما أكبر النجاحات اللافتة لهذا النوع في النسخة التلفزيونية، يتمثل في مسلسلي The Lincoln Lawyer أو Big Little Lies. وتعود الآن قصة "بريء مفترض" في مسلسل قصير من ثماني حلقات، يُعرض حالياً في "آبل تي في بلاس".
يسير Presumed Innocent على خطى تلك الأفلام تقريباً: فهو مؤسَّس جيداً، ومثير للاهتمام، ولا يخترع جديداً، يسلي بما فيه الكفاية بتقلباته وتحوّلاته التي تجعل من الممكن الانتقال من ساعتي الفيلم إلى ست ساعات أو أكثر يمتدّ خلالها المسلسل القصير. الإثارة القانونية بمثابة "الخبز والزبدة" للأنواع السمعية البصرية والأدبية: فالمرء يعرف بالفعل، بشكل أو بآخر، ذوقه، ونادراً ما يفشل. لا يكتشف المتفرج أي شيء من خلال مشاهدتها، هذا صحيح، لكنه لا يتوقّع بالضرورة أن هذا النوع من المسلسلات المقتبسة من روايات رائجة سيعيد اختراع العجلة.
يؤدي جيك غيلنهال هنا دور رَستي سابيتش، المدعي العام في شيكاغو الذي لعب دوره فورد في الفيلم التسعيناتي. سابيتش (أو رَستي كما يُنادي في المسلسل) محامٍ مجتهد ومخلص، عالق وسط صراع سياسي - انتخابات المدعي العام الكلاسيكية - توقظه أخبار صادمة بينما كان في المنزل مع زوجته باربرا (روث نيغا) وطفليهما المراهقين: زميلته كارولين بولهيموس (النروجية ريناتي رينسف) قُتلت. مصدوماً بالخبر، كونهما عملا معاً، يذهب رَستي إلى مسرح الجريمة ويكتشف أن جسدها مقيّد وأنها تعرّضت للإيذاء الجسدي. صدمة كبيرة لكل مَن في مكتب المدعي العام، لأن كارولين كانت محبوبة جداً في المجموعة، لذلك يتولّى راستي زمام التحقيق.
لكن عندما يخسر المدّعي العام - رئيسه وصديقه ريموند هورغان (بيل كامب) - الانتخابات لصالح نيكو ديلا غوارديا (أو تي فاغبينلي)، يُستبدل نائب الأول، رَستي، بآخر جديد، تومي مولتو (بيتر سارسجارد)، وهو زميل تربطه به علاقة معقّدة وكراهية متبادلة. الآن، بعدما أصبح مولتو مسؤولاً عن التحقيق، تُكتشف العديد من بصمات أصابع رَستي في منزل كارولين، وبدوره يحاول تفسيرها بزيارة روتينية متعلّقة بالعمل، لكن سرعان ما يصبح من الواضح أن هناك ما هو أكثر من ذلك. كان رَستي وكارولين على علاقة غرامية. عرفتْ باربرا بالأمر، لكنها اعتقدت أنه صار من الماضي. بالنسبة للآخرين، لم يكن الأمر بمثابة صدمة فحسب، ولكن سرعان ما يبدو أن العديد من الأدلة تشير إلى أن رَستي نفسه ربما كان القاتل. وسيتعيّن عليه أن يشرح ويدافع عن نفسه ويبحث عن المشتبه بهم المحتملين الآخرين بينما يشهد انهيار وتصدّع عالمه وحياته الشخصية والعائلية والعملية.
دراما قانونية تمتزج فيها العدالة والسياسة والسلطة والهوس والجنس والحبّ في زوبعة من التقلّبات والمنعطفات، لإظهار كيف أن الحدود التي نبنيها لأنفسنا في كثير من الأحيان تصبح قابلة للتغيير ويمكن أن تصبح أيضاً غير مستقرة في بعض الأحيان. يحتوي مسلسل Presumed Innocent العديد من المشاهد التي يتذكّر فيها رَستي - في ذكريات الماضي القصيرة، وأحياناَ على شكل أحلام أو كوابيس - مواقف مع كارولين، معظمها دافئة ورومانسية، رغم أن بعضها يلمّح إلى توتّرات بين الاثنين. ورغم أنها ليست مروية من منظور الشخص الأول، إلا أن المرء يميل إلى الوثوق بذكريات البطل، لذا فمن الآمن الافتراض أنه ليس القاتل. ولكن مع مرور الدقائق، تقترب الأدلّة منه ولا يعود أحد يعرف مَن يصدّق. وفيما تتكشّف كراهية مولتو الكبيرة لغريمه اللدود حدّ الذهاب إلى فعل أي شيء لسجنه، في الوقت نفسه لا تسمح تصرفات رَستي بالكثير للثقة به.
تتعلّق الحلقات الأربع الأولى في الغالب بالقضية نفسها، والتحقيق الأولي، والكشف السريع عن أن رَستي مشتبه به، وكيف يتعقّد كل شيء من هناك. وسرعان ما تصل الدراما إلى قاعة المحكمة - المحامي، المدعي العام، القاضي، هيئة المحلفين، المرافعات، إلى آخره - وتبدأ الأمور في التشابك وتعود إلى مكانها، ثم تتشابك مرة أخرى. لا جديد تحت الشمس، لكن بفضل سيناريو بأجندة معاصرة ومجموعة من الممثلين الممتازين الذين يلعبون شخصيات، في كثير من الحالات، تمتد على الخط الفاصل بين الأخلاقي والفرداني، بين الصحيح أخلاقياً والنفعي الأناني، يتغلّب Presumed Innocent على أصله الأدبي الأكثر مبيعاً.
في سياق مشهد الصناعة التلفزيونية اليوم، يبدو Presumed Innocent – الذي يحوي ج.ج. أبرامز ضمن لائحة منتجيه - أقرب ما يكون إلى "دبابة" تجارية، بعنوانٍ مألوف وممثلين محترمين وقصة قوية ومثبتة. يمكن للمرء تخيُّل أنه، إذا صدر في "نتفليكس"، سيحقق نجاحاً كبيراً ويغدو ترينداً، لكن حقيقة أنه يُعرض في "آبل تي فيط، وهي منصة لا تُرى كثيراً، يحدّ بالتأكيد من تأثير انتشاره. بهذا المعنى، Presumed Innocent دعوة أخرى للانضمام إلى تلك المنصّة، أو متابعة جديدها عل الأقل. هناك مسلسلات أفضل بكثير في كتالوغها المحدود لكن الغني بالممقارنة مع غالبية نظيراتها.