"نساء بلا رب"... صرخة مكتومة في وجه العالم
قُدّمت مسرحية "نساء بلا رب" عن نص المسرحي العراقي جواد الأسدي، على خشبة مسرح المدينة، من إخراج ياسمينا الأمين، وتمثيل: فاطمة الزين، رنيم شمص وساندرا بوكروم.
في مأوى لاجئين في المانيا، ثلاث نساء من خلفيات اجتماعية مختلفة، يخضعن للتحقيق للبت في أمر قبول لجوئهن. ثلاث نساء من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة جمعهن الانتماء إلى وطن واحد وفرقتهن بلاد اللجوء حين أظهرت الاختلافات الطبقية والثقافية، لتبرز صراع العرض على مستويين. الصراع المتوتر في خلافاتهن داخل المأوى، ومستوى الصراع الآخر الذي يركز عليه التحقيق وجلساته المتوازية التي تكشف حقائقها حدة الخلافات المتصاعدة درامياً حتى الوصول الى ذروتها.
أمام منصة التحقيق يبدأ العرض، حيث تعلن كل واحدة من اللاجئات، رقمها، وتحكي فواصل وجزئيات عن خلفيتها الاجتماعية والثقافية. اعترافات تحاول طمأنة المحقّق بأنهن لا يشكلن خطراً على أمن بلاده. الأولى متدينة ومسالمة تعيش في حالة صلاة وتضرع، والثانية ممثلة مسرحية أدّت أدواراً كبيرة على خشبة المسرح، أما الثالثة فآتية من طبقة اجتماعية منفتحة ومتحرّرة.
اعترافات تحت كشافات الإضاءة الدائرية، لثلاث نساء يخضعن للتحقيق من دون أن يظهر المحقق أو تُسمع أسئلته. اعترافات شخصيات مسلوبة من إنسانيتها في بلد المنفى، بعدما تعرّضت لقسوة الحروب والمهانة في الموطن الأصلي. اعترافات تتصاعد وتيرتها في محاولة يائسة منها لتقديم حقيقتها كضحية وهي موضع الاتهام. خارج التحقيق، اتهامات أخرى تتقاذفها النساء الثلاث في غرفتهن داخل المأوى، اتهامات تنتهي بالشجار والعنف الكلامي والجسدي كمسارٍ وحيد لحل خلافاتهن المتجذّرة من عنف المجتمع الذي أتين منه.
ثلاث مآسٍ
ثلاث مآسٍ
لسنا أمام مأساة استثنائية واحدة، بل هي نماذج عن مآسٍ لطالما عاشت النساء تحت وطأتها في ظل الحروب والصراعات. الأولى تعرضت للاغتصاب الجماعي، والثانية ممثلة مسرحية معروفة كانت تملك أحلاماً قبل نشوب الحرب وقبل أن تعتقلها السلطات الأمنية وتتعرض للعنف والأذى الجسدي أثناء التحقيق معها، بينما الثالثة كانت أمّاً لطفلة مصابة بثقب في القلب، وخضعت لعملية جراحية وبدأت بالتعافي، لكنها ماتت جراء رصاصة أصابتها... في القلب.
المخرجة الشابة ياسمينا الأمين قرأت جيداً نص جواد الأسدي، وأبرزت مآسي النساء الثلاث في بلادهن، قبل أن ينجحن في الهرب إلى مدينة ألمانية بحثاً عن غد أفضل، ليجدن التحقيقات والتعرض للمضايقات والممارسات السلبية. كل هذا سينفجر بينهن صراعاً متصاعداً في ملجئهن المشترك. ونكتشف من خلال تلك الحكايا الشخصية، ضياع الأحلام الموعودة التي سعين إلى تحقيقها عبر الهجرة إلى دولة مثل ألمانيا، فخسرن حياتهن في موطنهن الأصلي وخسرن الأحلام الموعودة في بلد المنفى.
ثلاث ممثلات
برزت في عرض "نساء بلا رب" خامات حضور واعد لممثلات شابات. فاطمة الزين في دور الممثلة المسرحية المشهورة، صاحبة حضور ثابت. رنيم شمص في دور الأم المفجوعة بطفلتها والمتحدّرة من أسرة متحرّرة، قدمت بحركتها وإيقاعها الخاص شخصيتها النزقة والمتعالية، قبل أن تبوح في نهاية العرض بفاجعتها على طفلتها القتيلة برصاص الحرب. ساندرا بوكروم، الشخصية المتدينة المُقنِعة إلى أبعد حدود، درامية في أدائها وانفعالاتها المنضبطة والموقعة بألوب متميز.
في "نساء بلا رب"، أربع شابات يقرأن نص جواد الأسدي المتوتر والمسجون في دائرته المقفلة. لا ضوء في نهاية حكاياتهن، وكلما شرعن في بداية الخروج، وصلن الى نهايته او إلى نقطة صفر البداية. لا شيء سوى أسئلة النساء العالقات في الحروب من دون إجابات. لا شيء سوى تشوهات نفسية وجسدية، نجحت المخرجة الشابة ياسمينا الأمين في تقديمها مع ممثلاتها الثلاث، بدرجات عالية من التوتر والقلق المهني الذي يشق طريقه على خشبات المسرح البيروتي.
في "نساء بلا رب"، أربع شابات يقرأن نص جواد الأسدي المتوتر والمسجون في دائرته المقفلة. لا ضوء في نهاية حكاياتهن، وكلما شرعن في بداية الخروج، وصلن الى نهايته او إلى نقطة صفر البداية. لا شيء سوى أسئلة النساء العالقات في الحروب من دون إجابات. لا شيء سوى تشوهات نفسية وجسدية، نجحت المخرجة الشابة ياسمينا الأمين في تقديمها مع ممثلاتها الثلاث، بدرجات عالية من التوتر والقلق المهني الذي يشق طريقه على خشبات المسرح البيروتي.