"سحق المجرة": عودة إلى 17 تشرين...بالبطل المضاد

ربيع شامي
الثلاثاء   2024/07/23
في مدينة فقدت القدرة على التخيل على خلفية مبالغات البطل المخلص
يعود تعاون الراقصة ستيفاني كيال، والمؤلف الموسيقي عبد قبيسي، إلى عمل سابق بعنوان "أمور لا ترى" المأخوذ من صورة عائلية التقطت العام 1982، تظهر أفراد عائلة جالسين في حديقة منزلهم، وتدلّ وضعيات أجسادهم وتعابير وجوههم على مشاعر الخفة والاسترخاء التي كانت مهيمنة خلال تلك اللحظات. وفي هذا العرض الذي قدمه الثنائي اللبناني، كيال وقبيسي، اختزلا في شخصَيهما أفراد العائلة التي عوضاً عن أن نراها، نشعر فقط بوجودها من خلال وضعيات جسد الراقصة وحركتها داخل فضاء المكان ومن خلال الموسيقى ومختارات الأغاني الرائجة في ذاك الزمن. 
في عملهما الجديد "غالاكتيك كراش" أو "سحق المجرة" الذي قدم في مسرح زقاق، يغادر الثنائي، الواقع إلى الخيال العلمي، حيث أحداث العرض تدور في عالم مواز وقد سادته عقود من الشر والفساد، فتتحالف الراقصة البطلة-الخارقة، مع زميلها الموسيقي كمساعد لوجيستي أو صديق مساند، ليشكلّا ثنائي مكافحة جريمة. بطلان ينتميان الى (anti- hero) او البطل المضاد والمخالف لعرف مواصفات البطولة والشجاعة والأخلاق والقوى الخارقة. ورغم أن العرض بني في الأساس خارج لبنان وباللغة الإنكليزية، قبل ان يعرض في بيروت باللغة العربية، فإنه لا يخفي مقاربته وتأثيرات الواقع الاجتماعي اللبناني فيه.

يقول المؤلف الموسيقي، عبد قبيسي، إن علاقة العرض بالواقع اللبناني انطلقت "من تأثيرات داخلية وشخصية، ومن خلال قراءتنا لتجربة 17 تشرين 2019 في بيروت، حاولنا كتابة عرض خيال علمي، لكننا لم نقمع ما بداخلنا من اندفاع شاركنا به كأفراد بخبرة معدومة وبنوايا حسنة. لم نمنع أنفسنا، خلال تركيب مشهدية العرض، من استعادة حركة النزول العفوية إلى الشارع على شكل استعراض المواكب، طبعاً كانت نوايانا حسنة، أردنا أن نتظاهر ونحتج ونطالب بالتغيير، لكن هذا لا يحجب صورتنا التي كنا فرحين بها، نحن جيل ما بعد الحرب وكنا مهووسين بأن تكون لدينا صورة مغايرة للواقع الذي نعيش، لكن بخبرة معدومة عن كيفية التغيير".
 
هوس دون كيشوت
الخيال العلمي في العرض يدور في فلك الغرابة والعيش داخل صور غير واقعية، غرابة على مستوى الحركة الملتبسة دائماً والتحولات المتكررة التي لا تصل الى نهايتها بل الى عبث يتكرر، يُبنى وينتهي الى لا شيء ليعود ويبنى من جديد. عبث تجتمع وتنفصل عناصره بشكل دائم، في الرقص والموسيقى ومشهديات الدراما والترجمة التي بدأت، بحسب قبيسي، بخطأ تقني، ما لبث ان اعتُمد لتظهير هذا التفكك بين النص العربي والإنكليزي، أحياناً يتطابقان وأحيانا ينفصلان زمنياً ويستقلان بعضهما عن بعض. 
  
يحضر "دون كيشوت" في "غالاكتيك كراش"، كخلفية للعرض، كما تقول ستيفاني كيال: "لم يحضر كرواية سرفانتس بأحداثها، أو بجنونه في محاربة طواحين الهواء، بل أُخذ من دون كيشوت هوسه بصورته المرتجاة، والتي تشبه صورة البطل الذي يعيش في خيال طفولتنا، وينتهي بالعودة إلى الواقع المأزوم". 

في "غالاكتيك كراش" استعادات سريعة أو ومضات من صورة دون كيشوت، وهو يسعى إلى تطبيق العدالة وانتزاع الحقوق. وبأجواء إضاءة من بول سيف، نعيش في عالم موازٍ، فيه الكثير من دراماتورجيا الحركة والموسيقى الالكترونية الصرفة، الخالية من الآلات التي عمل عليها عبد قبيسي وأشركها في الأعمال السابقة.

عرض "غالاكتيك كراش" فيه الكثير من مواساة مفهوم المتخيّل داخل مدينة فقدت قدرة الخيال على خلفية مبالغات البطل المخلص.

بطاقة عرض "غالاكتيك كراش"
كوريغرافيا: ستيفاني كيال، موسيقى: عبد قبيسي، إضاءة: بول سيف، تصميم ملصق: جنى طرابلسي. عروض بيروت بدعم من: مسرح زقاق، مسرح كون، بيت الفنان حمانا ومجموعة كهربا، و"آفاق".