فخري كريم ينجو....ودوامة الاغتيالات في العراق بلا رادع
نجا رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة، الكاتب والسياسي العراقي فخري كريم، من محاولة اغتيال في بغداد، أثناء عودته من معرض العراق الدولي للكتاب، على ما أفاد بيان للمؤسسة. وأوضح البيان أن "مسلحين مجهولين" كانوا يستقلون مركبة، اعترضوا السيارة التي كان يستقلها كريم برفقة المديرة العامة لمؤسسة المدى، غادة العاملي، وأطلقوا الرصاص وهربوا. وكتب الباحث فواز طرابلسي في فايسبوكه بأنه "سبق لفخري، الذي يرأس حالياً تحرير أبرز الصحف المعارضة في العراق، أن تعرّض لمحاولة اغتيال على يد أحد مجرمي صدام حسين في بيروت حيث كان يشارك مع مئات اليساريين والديموقراطيين العراقيين في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي صيف 1982".
والحال أن العراق انتقل من جمهورية الخوف والقسوة البعثية، إلى مملكة الرصاص والاغتيالات والمجهول. ذهب صدام وأتى الصدادمة. ذهب الجيش ومخابراته وأتت المليشيات وعصاباتها ومافياتها. مَن يسمع أحاديث العراقيين من قرب، يلامس المخاطر الحقيقية في بلاد ما بين النهرين التي تمزقت سياداتها بين جماعات وولاءات ونفوذ من هنا وهناك. انتظر العراقيون أن يتحرروا من نير صدام وبعثه، فإذا بهم أو بالكثيرين منهم يترحمون على ماضيه الأسود مقارنة بالراهن: أحد الناشرين لم يعد يجرؤ على المشاركة في المعارض العراقية بسبب التهديدات والكمائن. أحد أبرز الروائيين العراقيين غادر بلاده خوفاً على حياته بعد تهديدات تلقاها بسبب كتاباته...
والاغتيالات في العراق تطاول الحياة برمتها، وليس فقط أصحاب الرأي ومنتجي الأفكار والناشطين الحقوقين. فقبل مدة اغتيلت عارضة الأزياء العراقية، تارة فارس، إضافة إلى صاحبتي مركزَي التجميل، رفيف الياسري ورشا الحسن. وقبل أشهر طاولت الاغتيالات طبيباً معروفاً متخصصاً في جراحة القلب يدعى أحمد المدفعي، في حين طاولت عملية قتل أخرى أستاذاً جامعياً متقاعداً يدعى عبد الرسول الأنباري في محافظة بابل جنوبي العاصمة.
دوامة العراق مع الاغتيالات وكاتم الصوت والعبوات الناسفة، تشبه مسرح لبنان، أو أن المعاناة واحدة في بلدين فككتهما الحروب والتدخلات الخارجية والإيديولوجيات وأحلام الطغاة والملالي والامبرياليات... منذ سقوط صدام حسين، بدأت الاغتيالات تطاول أستاذة الجامعات المتخصصين في الفيزياء والكيمياء والذين لهم علاقة بمُفاعل "تموز"، ثم امتدّت بعد ذلك إلى رؤساء الجامعات السابقين، وأساتذة الطب. في العام 2004، قتلوا الناقد والناشط السياسي، قاسم عبد الأمير عجام، مدير عام دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة آنذاك. وفي 2008، اغتالوا المثقف الناشط كامل شياع. وقالت الحكومة، في بيانها، إن "مسلحين مجهولين أطلقوا النار من مسدسات كاتمة للصوت على سيارة تقل كامل شياع عبد الله، مستشار وزير الثقافة".
وفي 2011، اغتيل المسرحي الإعلامي هادي المهدي، على "أيدي مسلحين مجهولين". وفي تموز 2017 عثرت الشرطة العراقية على جثة الفنان المسرحي العراقي كرار نوشي ممزقة في أحد أحياء شرقي بغداد، بعد اختطافه على أيدي مجهولين، وبدت على جثته "آثار طعنات وتعذيب". ولم تعلن السلطات الدوافع وراء قتل الشاب أو الجهة التي تقف وراء اختطافه، لكن نوشي كان معروفاً في مواقع التواصل الاجتماعي بولعه بالأزياء وتسريحات الشعر. وكتب عدنان حسين في جريدة "المدى": "أظنُّ أنه سيكون من السذاجة بمكان إحالة أمر اغتيال الفنان المسرحي العراقي الشاب كرّار نوشي إلى مظهره أو إلى الشكّ في أنه من ذوي الميول المثلية"(...) "الاغتيال فيه رسالة سياسية مباشرة إلى جيل الشباب بأكمله. رسالة من قوى في السلطة باتت تشعر بأنها تواجه مأزقاً حقيقياً. الشباب الذين نجحت أحزاب السلطة، خصوصاً الإسلامية، ومليشياتها، في استمالتهم إليها خلال السنوات الأولى بعد إطاحة نظام صدام في 2003، تُدرك الآن أنّ أعداداً غير قليلة من الشباب بدأت تنفضّ عنها. هذه الأحزاب لم تفِ بوعودها لهم في توفير فرص العمل والحياة الكريمة".
وفي شباط 2019 قتل الروائي والأستاذ الجامعي علاء مشذوب، على أيدي مسلحين مجهولين (دائماً هم مجهولون!)، وذلك إثر تغريداته ومقالاته وآرائه، لا سيما في نقد المليشيات والنظام الإيراني، وفي منشوراته في "فايسبوك". وفي بيان له، كشف عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، عن وجود 89 محاولة اغتيال لنشطاء وإعلاميين منذ انطلاق التظاهرات المعيشية والحرياتية في البلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ، فضلاً عن عشرات التهديدات القائمة والتي تضع أرواح العشرات على المحكّ. وقتل 32 ناشطاً وأصيب 21 آخرون في عمليات اغتيال "غامضة"، بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 ومنتصف مايو/أيار 2020، وفق الأمم المتحدة...
وفي تموز/ يوليو 2020 اغتيل هشام الهاشمي، وكان شخصية مرموقة في العراق، وخبيراً ذائع الصيت في شؤون الإرهاب، وقد عُرف بتقديمه استشارات لرؤساء وزراء وحكومات. يعتبر مراقبون أنّ اغتيال هشام الهاشمي كشف مدى ترهّل الأجهزة الأمنية، في ظل سهولة تحرُّك منفذي الجريمة في شوارع بغداد... ويمتلك الجناة كل الأدوات لتنفيذ جرائمهم من دون الوصول إليهم أو حتى ملاحقتهم. تكتفي الجهات المسؤولة بإعلان عدم عجزها عن كشف هوية مرتكبي هذه الاغتيالات. أما في لبنان، يرجح أن الأجهزة على بيّنة من الجناة، لكنها لا تجرؤ على تسميتهم أو الإعلان عنهم.
وعلى هذا، تبدو دوامة الرعب مستمرة، في بلاد باتت عرضة للرياح الخارجية والعنف الداخلي الذي أرسى أسسه نظام البعث الصدّامي، معطوفاً على "الفوضى الخلاقة" التي أنتجها جورج دبليو بوش في زمانه. وكان الباحث والأكاديمي كنعان مكية، الذي اعتُبر من مشجعي الغزو الأميركي للعراق، كتب رواية بعنوان "الفتنة" تضمنت عبارة "فتحت أفكار الطاغية أبواباً، فدخلناها، سقط الطاغية، فأصبحنا مدمنين على إرثه: الخيانة". وجعل مكية مقتل رجل الدين الشيعي، مجيد الخوئي، في 10 نيسان/أبريل 2003، ويوم سقوط الطاغية (صدام حسين)، العمود الفكري والأخلاقي لروايته، فمن بعد هذين الحدثَين، أي الغزو والاغتيال، دخل العراق في مرحلة أشد بؤساً من الزمن البعثي.