سيرة نصراالله(3): مُنظِّر الحزب
لا شك في أن السيد حسن نصرالله كان من الشخصيات النادرة والقليلة والمؤثرة، في سيرته وكايرزماه وقدراته. "مالئ الدنيا وشاغل الناس" بتعبير المتنبي. ومع اغتياله، أصبح بمرتبة الأسطورة – الرمز أكثر مما كان في حياته، فوُصف بـ"حسين عصرنا" مع ما يرمز إليه هذا التوصيف من أهمية.
بعد حلقة أولى، وثانية هنا حلقة ثالثة من محاولة لكتابة جوانب من سيرة نصر الله، تستند إلى بعض مقابلاته وإلى سيرة قصيرة كتبها يوماً بخط يده لمجلة إيرانية، إضافة إلى مراجع.
بعد الاجتياح الاسرائيلي العام 1982، دخل لبنان في المجهول والتيه والتمزّق. تفككت الدولة وعاش البلد في حروب أهلية ضروس ومستعرة ومتنقلة طويلة، وعمليات خطف ورهائن من هنا وهناك، واغتيالات ومجازر طاولت جميع الأطراف، فاختلط الحابل بالنابل. اغتيل الرئيس بشير الجميل في 14 أيلول 1982، بعد بضعة أسابيع على انتخابه، وفي 16 أيلول نُفّذت مجزرة صبرا شاتيلا في مخيمَي اللاجئين الفلسطينيين على أيدي ميليشيات اليمين اللبناني وبغطاء من الإسرائيلي أرييل شارون. في 11 تشرين الثاني 1982، فجّر أحمد قصير، أول استشهادي لدى حزب الله، نفسه في مقر القوات الاسرائيلية في صور في جنوب لبنان. في 18 نيسان 1983، فُجّر مبنى السفارة الأميركية في بيروت، وفي 23 تشرين الأول من العام نفسه تم تفجير مقرّ مشاة البحرية الأميركية... هذه أحداث مفصيلة في بدايات الثمانينيات، ليس وقت تفاصيلها الآن...
منذ تأسيسه، استمر حزب الله في العمل سراً، وبقي مجهولاً حتى العام 1984. مرّ مجلس شورى حزب الله في مرحل مختلفة، من تسعة أعضاء ثم خمسة، إلى أن استقر على سبعة منذ العام 1984. وفي 16 شباط 1985، أعلن حزب الله اول وثيقة رسمية مفصّلة له، تحدّد إيديولوجيته السياسية. وقد نشرت الرسالة المفتوحة التي تعتبر دستور حزب الله السياسي، في 22 شباط 1985، بصفتها "النص الحرفي الكامل لرسالة حزب الله المفتوحة الى المستضعفين"، في صحيفة "العهد" الناطقة باسم الحزب.
ليست هناك معلومات دقيقة أو شاملة عن سيرة السيد حسن نصرالله في تلك المرحلة. كل ما هو متوافر ومتداوَل، أنه، بعدما أصبح مديراً للحزب في منطقة بعلبك، ثمّ مدير الحزب لمنطقة البقاع بأسرها، عُيّن معاوناً ثم نائباً للسيد ابراهيم أمين السيد الذي كان مديراً للحزب في بيروت. وبعدها بوقت قصير، قرّر الحزب فصل الشؤون السياسية عن النشاطات العملياتية والتنظيمية، واختار السيد ابراهيم، الفرع السياسي، وأصبح السيد حسن مدير منطقة بيروت بعده، ثم انشئ منصب المدير العام التنفيذي وكانت مسؤولياته تشمل تنفيذ أوامر المجلس الاستشاري. وقد عُيّن في هذا المنصب العام 1985.
بعد الاجتياح الاسرائيلي العام 1982، دخل لبنان في المجهول والتيه والتمزّق. تفككت الدولة وعاش البلد في حروب أهلية ضروس ومستعرة ومتنقلة طويلة، وعمليات خطف ورهائن من هنا وهناك، واغتيالات ومجازر طاولت جميع الأطراف، فاختلط الحابل بالنابل. اغتيل الرئيس بشير الجميل في 14 أيلول 1982، بعد بضعة أسابيع على انتخابه، وفي 16 أيلول نُفّذت مجزرة صبرا شاتيلا في مخيمَي اللاجئين الفلسطينيين على أيدي ميليشيات اليمين اللبناني وبغطاء من الإسرائيلي أرييل شارون. في 11 تشرين الثاني 1982، فجّر أحمد قصير، أول استشهادي لدى حزب الله، نفسه في مقر القوات الاسرائيلية في صور في جنوب لبنان. في 18 نيسان 1983، فُجّر مبنى السفارة الأميركية في بيروت، وفي 23 تشرين الأول من العام نفسه تم تفجير مقرّ مشاة البحرية الأميركية... هذه أحداث مفصيلة في بدايات الثمانينيات، ليس وقت تفاصيلها الآن...
منذ تأسيسه، استمر حزب الله في العمل سراً، وبقي مجهولاً حتى العام 1984. مرّ مجلس شورى حزب الله في مرحل مختلفة، من تسعة أعضاء ثم خمسة، إلى أن استقر على سبعة منذ العام 1984. وفي 16 شباط 1985، أعلن حزب الله اول وثيقة رسمية مفصّلة له، تحدّد إيديولوجيته السياسية. وقد نشرت الرسالة المفتوحة التي تعتبر دستور حزب الله السياسي، في 22 شباط 1985، بصفتها "النص الحرفي الكامل لرسالة حزب الله المفتوحة الى المستضعفين"، في صحيفة "العهد" الناطقة باسم الحزب.
ليست هناك معلومات دقيقة أو شاملة عن سيرة السيد حسن نصرالله في تلك المرحلة. كل ما هو متوافر ومتداوَل، أنه، بعدما أصبح مديراً للحزب في منطقة بعلبك، ثمّ مدير الحزب لمنطقة البقاع بأسرها، عُيّن معاوناً ثم نائباً للسيد ابراهيم أمين السيد الذي كان مديراً للحزب في بيروت. وبعدها بوقت قصير، قرّر الحزب فصل الشؤون السياسية عن النشاطات العملياتية والتنظيمية، واختار السيد ابراهيم، الفرع السياسي، وأصبح السيد حسن مدير منطقة بيروت بعده، ثم انشئ منصب المدير العام التنفيذي وكانت مسؤولياته تشمل تنفيذ أوامر المجلس الاستشاري. وقد عُيّن في هذا المنصب العام 1985.
يقول نصر الله في سيرته: "وعلى الرغم من المسؤوليات التي أحملها في الحزب ـ والتي تأخذ معظم وقتي فعلياً ـ قررت أيضاً أن اواصل دراساتي، الا أنه في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي الشامل كان عليّ أن أضع دراساتي جانباً، وبعد ذلك بسبع سنوات في العام 1989، أصبح الوضع مناسباً للدراسة مرة أخرى، ومن ثم ـ وبتصريح من الحزب ـ ذهبت الى قُم لإتمام تعليمي". خلال العامَين 1989 و1990 إستقر السيد حسن نصر الله في مدينة قُم في إيران، ويقول: "بطبيعة الحال، فإنه حتى في ذلك الوقت لم يتوقف مروجو الشائعات عن عملهم. قالوا إن السيد نصرالله غادر لبنان بسبب نزاع بينه وبين قادة حزب الله... في أعقاب تصاعد الخلافات مع حركة أمل ونشوب صراعات مسلحة في منطقة البقاع، اعتبرتُ أن واجبي أن أعود إلى لبنان، وبطبيعة الحال، كان هذا أيضاً ما أرادني الحزب أن أفعله. من ثمّ لم أتمكن ـ مرة أخرى ـ من اغتنام الفرصة ومواصلة دراساتي الى النقطة التي كنت أود". وفي العام 1987، تولى نصرالله منصب المسؤول التنفيذي الجديد، إلى جانب كونه عضواً في مجلس الشورى، وهو أعلى هيئة لدى حزب الله. في مقابلة صحيفة، قال إنه كان يحب ويلعب كرة القدم في شبابه، قبل وبعد وضع العمامة، وكان يشجع البرازيل في غالب الأحيان، رغم ميله أحيانًا أخرى إلى الأرجنتين. أمّا عن قيادته المركبات، فهو أمر انتهى عام 1986، مثل اللغة الإنكليزية التي كان يتقنها، وصار يفهمها ولا يتحدث بها.
يقول الباحث وضاح شرارة صاحب كتاب "دولة حزب الله: لبنان مجتمعاً إسلامياً"، أن تولي نصر الله إمامة مسجد الرسول الأعظم في الضاحية الجنوبية لبيروت، كان نقطة تحول رئيسية في مساره، لما لهذا المسجد من موقع خاص جغرافي ومعنوي.
يضيف شرارة: "كانت تجربة جوهرية أتاحت لنصر الله إقامة صلات وثيقة مع شباب الجامعات، فلعب دوراً أساسياً في استجلاب فئات مثقفة إلى الحزب العسكري القائم أساساً على شرائح متواضعة في ثقافتها وعلاقتها بالخارج. وكان نصر الله أفضل من يقوم بهذا الدور، لمعرفته بلغة مخاطبة هؤلاء الشباب ولقربه منهم سنّاً وتجربة". ويتابع شرارة: "إن نصر الله فرض نفسه في تلك المرحلة مُنظّراً ومفكّراً استراتيجياً للحزب عبر خطب جمعت في صياغاتها أسلوبَي محمد حسين فضل الله ومحمد باقر الصدر، إلى جانب النفَس الحزبي واهتمامات طلاب الجامعات".
في 3 حزيران 1989 توفي الإمام الخميني. وتعهد حزب الله بالولاء لسلطة خامنئي الدينية. وكذلك في العام 1989، عقد حزب الله أول اجتماع له تظهر فيه هوية قادته وكوادره. ونتج عن هذا الاجتماع، إنشاء مركز الأمين العام للحزب، وانتخاب الشيخ صبحي الطفيلي كأول أمين عام للحزب. وبعكس موقفه المتصلّب في المرحلة السابقة، أنتج حزب الله موقفاً ليّناً تجاه الدولة البنانية. وفي 3 كانون الثاني 1990، أصدر حزب الله إعلاناً سياسياً، دعا فيه الحكومة إلى حماية الحريات السياسية والفكرية والإيديولوجية والإعلامية.
وفي آذار 1991، أعلنت الحكومة اللبنانية رسمياً حلّ الميليشيات. وحددت نهاية نيسان، كأخر مهلة لتسليم الميليشيات أسلحتها الثقيلة، وإغلاق مراكز تدريبها العسكرية. واستُثني حزب الله من هذا القرار. وفي 22 أيار 1991، عقد حزب الله اجتماعه المغلق الثاني، وانتُخب السيد عباس الموسوي أميناً عاماً ثانياً للحزب، والشيخ نعيم قاسم نائباً له. في 16 شباط 1992، اغتالت طوافة إسرائيلية عباس الموسوي، وانتُخب السيد حسن نصرالله أميناً عاماً ثالثاً لحزب الله.
يقول الباحث وضاح شرارة صاحب كتاب "دولة حزب الله: لبنان مجتمعاً إسلامياً"، أن تولي نصر الله إمامة مسجد الرسول الأعظم في الضاحية الجنوبية لبيروت، كان نقطة تحول رئيسية في مساره، لما لهذا المسجد من موقع خاص جغرافي ومعنوي.
يضيف شرارة: "كانت تجربة جوهرية أتاحت لنصر الله إقامة صلات وثيقة مع شباب الجامعات، فلعب دوراً أساسياً في استجلاب فئات مثقفة إلى الحزب العسكري القائم أساساً على شرائح متواضعة في ثقافتها وعلاقتها بالخارج. وكان نصر الله أفضل من يقوم بهذا الدور، لمعرفته بلغة مخاطبة هؤلاء الشباب ولقربه منهم سنّاً وتجربة". ويتابع شرارة: "إن نصر الله فرض نفسه في تلك المرحلة مُنظّراً ومفكّراً استراتيجياً للحزب عبر خطب جمعت في صياغاتها أسلوبَي محمد حسين فضل الله ومحمد باقر الصدر، إلى جانب النفَس الحزبي واهتمامات طلاب الجامعات".
في 3 حزيران 1989 توفي الإمام الخميني. وتعهد حزب الله بالولاء لسلطة خامنئي الدينية. وكذلك في العام 1989، عقد حزب الله أول اجتماع له تظهر فيه هوية قادته وكوادره. ونتج عن هذا الاجتماع، إنشاء مركز الأمين العام للحزب، وانتخاب الشيخ صبحي الطفيلي كأول أمين عام للحزب. وبعكس موقفه المتصلّب في المرحلة السابقة، أنتج حزب الله موقفاً ليّناً تجاه الدولة البنانية. وفي 3 كانون الثاني 1990، أصدر حزب الله إعلاناً سياسياً، دعا فيه الحكومة إلى حماية الحريات السياسية والفكرية والإيديولوجية والإعلامية.
وفي آذار 1991، أعلنت الحكومة اللبنانية رسمياً حلّ الميليشيات. وحددت نهاية نيسان، كأخر مهلة لتسليم الميليشيات أسلحتها الثقيلة، وإغلاق مراكز تدريبها العسكرية. واستُثني حزب الله من هذا القرار. وفي 22 أيار 1991، عقد حزب الله اجتماعه المغلق الثاني، وانتُخب السيد عباس الموسوي أميناً عاماً ثانياً للحزب، والشيخ نعيم قاسم نائباً له. في 16 شباط 1992، اغتالت طوافة إسرائيلية عباس الموسوي، وانتُخب السيد حسن نصرالله أميناً عاماً ثالثاً لحزب الله.