كوميديا خالد تكريتي المضمرة
في لوحاته التي يعرضها "غاليري كلود لومان" في باريس، يقدم الفنان السوري خالد تكريتي مشاهد هي كناية عن مواقف من العيش العادي، لكنه يفعل ذلك كما لو أنه يحولها إلى ما يشبه اسكتشات، البغية منها، على الاغلب، أن تشير إلى ما يشبه العبث المحيط بنا. الا أن هذا لا يعني أنّ رسم تكريتي ينطوي على شؤم، أو حتى سأم، على العكس، هو، وبعبارة واحدة، رسم جذل، لا يقع في الكاريكاتورية، وبالفعل نفسه، يُجانب التوقف على الإدانة. فلا يتمسخر على يومياتنا من باب أنّها بلا جدوى، ولا يستنكرها من باب أن لا بد لها من طائل، انما يحولها بريشته إلى محل للحضور فيها على سبيل كوميدي. وصف هذا السبيل بهذه الطريقة، مردّه أن العبث إليومي، وبدلاً من أن يؤدي إلى الوجوم، يُفضي إلى تدبيره بالضحك. غير أنّ هذا لا يجعل من كوميديا تكريتي، كوميديا معلنة، بل تبقى مضمرة.
هذا ما يمكن التنبه إليه في شغل تكريتي المتمحور حول الدراجات الهوائية، إذ يرسمها مع راكبيها كما لو أنّه يلتقطها في فيلم من أفلام السينما الصامتة. كل لوحة من اللوحات، التي تظهر فيها هذه الدراجات، شبيهة بمشهد سينمائي، تعمد شخصيته إلى تأديته بظرافة طبعاً، لكن من دون أن يؤدي ذلك إلى أن تطفو كوميديته على السطح. حال الكوميديا على هذا النحو لا يخفف من وقعها، بل يجعلها تجتاح مجمل اللوحة-المشهد. اجتياح الكوميديا لها تُبيّنه أولاً الألوان، وثانياً الحركة، وثالثاً الوضعيات.
فبالنسبة للألوان، ودوماً في لوحات الدراجات، هناك لون بني، لا يميل إلى الأسود، ولا إلى الأبيض، بل إنه فاتح بلا أن يفقد غُمقه. وبهذا، يمكن تقديمه على أساس أنه حيادي، بمعنى أنّه لا يحيل إلى تكدر ولا إلى اغتباط، انما إلى فتور، لا مجال لتأطيره تحت شعور او انفعال ينتجه في متلقيه. هذا اللون، وفي الغالب من الأوقات، يحضر في الخلفية، أما في حال غيابه، فيأخذ مكانه لون وردي هو، وعلى منواله، حيادي أيضاً. بالتالي، الخلفية هي دوماً على حياد ما. أما عليها، فألوان أخرى، يمكن اعتبارها محسومة أكثر من ناحية غمقها أو إشراقها.
التفاعل بين حياد الخلفية وحسم هذه الألوان، لا يخفف من الأولى ويزيد من الثاني، لكنه يفضي إلى توازن بينهما. ففي وسع تكريتي أن يجمع البنّي مع الأحمر، بلا أن يجعل أياً من اللونين في خدمة غيره، بل يجعلهما ينتجان كوميديتهما التي تفيد الآتي: أحمر غامق على بني حيادي، تفاعلهما لا يفضي إلى تغيرهما، إنما إلى ارتباطهما بما يشبه مرح تجاورهما. فعلياً، لا يمكن قراءة ألوان تكريتي هذه سوى على أساس هذا التجاور، الذي لا يغير فيها شيئاً، إنما يجعل خلطها عبثياً، واتصالها يقوم بالخفة.
فبالنسبة للألوان، ودوماً في لوحات الدراجات، هناك لون بني، لا يميل إلى الأسود، ولا إلى الأبيض، بل إنه فاتح بلا أن يفقد غُمقه. وبهذا، يمكن تقديمه على أساس أنه حيادي، بمعنى أنّه لا يحيل إلى تكدر ولا إلى اغتباط، انما إلى فتور، لا مجال لتأطيره تحت شعور او انفعال ينتجه في متلقيه. هذا اللون، وفي الغالب من الأوقات، يحضر في الخلفية، أما في حال غيابه، فيأخذ مكانه لون وردي هو، وعلى منواله، حيادي أيضاً. بالتالي، الخلفية هي دوماً على حياد ما. أما عليها، فألوان أخرى، يمكن اعتبارها محسومة أكثر من ناحية غمقها أو إشراقها.
التفاعل بين حياد الخلفية وحسم هذه الألوان، لا يخفف من الأولى ويزيد من الثاني، لكنه يفضي إلى توازن بينهما. ففي وسع تكريتي أن يجمع البنّي مع الأحمر، بلا أن يجعل أياً من اللونين في خدمة غيره، بل يجعلهما ينتجان كوميديتهما التي تفيد الآتي: أحمر غامق على بني حيادي، تفاعلهما لا يفضي إلى تغيرهما، إنما إلى ارتباطهما بما يشبه مرح تجاورهما. فعلياً، لا يمكن قراءة ألوان تكريتي هذه سوى على أساس هذا التجاور، الذي لا يغير فيها شيئاً، إنما يجعل خلطها عبثياً، واتصالها يقوم بالخفة.
لكن الحديث عن الألوان لا يمكن سوى استكماله بحديث عن الحركة. ففي لوحات تكريتي، أكانت التي تدور حول الدراجات الهوائية أو سواها، هناك، وباستمرار، حركة. عندما يرسم دراجاته، هو يفعل ذلك في أثناء سيرها، الذي لا يبدو ملتزماً بطريق ما، إنما هو سير مائل، متأرجح، أو حائر. بالتأكيد، حركة الدراجة الهوائية بهذا الشكل تضاعف اقتراب اللوحة من كونها مشهداً فيلمياً صامتاً، لكنها أيضاً تجعلها لوحة مرسومة كأنها التقاط فوتوغرافي لوقائع شارعية، وبالتالي، تجعلها لوحة حيّة. فهذه اللوحة، وبفعل الحركة، لا تعود تمثيلاً للدراجة الهوائية، بل تصويراً لها، أي أنّها تصوير لها أكثر مما هو تصوّر عنها، إذا صح القول.
في النتيحة، لوحة تكريتي هي لوحة متحرّكة، لا تجمد فيها، بل إن الشخصيات التي تظهر داخلها، تبدو أنها تعبرها، اي أن طريقها على الدراجة يمر فيها. في هذا السياق بالتحديد، تحل المصادفة في اعراب اللوحة: بالصدفة، مرت هذه الشخصيات على دراجاتها أمام اللوحة، فارتسمت بها. هذه المصادفة تجعل كوميديا اللوحة بمثابة كوميديا غير مقررة مسبقاً، إنما هي كوميديا لا ترتيب مسبقاً لها.
على أن مرور الشخصيات بالصدفة في لوحات تكريتي، ولأن هذه اللوحات تنطوي على فعل تصويري، فهي تبدو في أحيان كثيرة، شخصيات مؤدية. فتأخذ هذه الشخصيات راكبة الدراجات الهوائية، وضعيات، كما لو أنها كانت قد رأت الكاميرا التي صورتها، أي رأت رسامها، وبالتالي، هي تتحرك بالتفاعل معه. مثلاً، في لوحة الرجل الذي يثبت على فتح يديه فوق الدراجة، لا يمكن سوى التكهن بأنه يعمد إلى تأدية حركته من أجل ذلك التفاعل، أي من أجل رسّامه، لكنه تفاعل غير محقق. في هذه الجهة، لا بد من الإشارة إلى أن الكوميديا في تأدية الشخصيات هذه لا تنم عن وضعياتها، إنما عن العبث الذي تنطوي عليه، أي عبث التفاعل ذاته لأنه غير محقق بينها وبين رسّامها. يمكن الإضافة في هذا المطاف أن هذه الشخصيات، وإن كانت بتفاعلها تضفي على اللوحة كوميديا، فهي، وبوجوهها، تجعلها مضمرة. ففى الغالب من الاوقات، لا تعبير على وجوهها يفيد بهذه الكوميديا، إنما بغيابها خلفها. فهذه الكوميديا، وباستتارها، تجعل من كل مشهد، يرسمه تكريتي، لوحة حولها: يصير اللون، الحركة، الوضعية، والوجه بمثابة علامات عليها.
في النتيحة، لوحة تكريتي هي لوحة متحرّكة، لا تجمد فيها، بل إن الشخصيات التي تظهر داخلها، تبدو أنها تعبرها، اي أن طريقها على الدراجة يمر فيها. في هذا السياق بالتحديد، تحل المصادفة في اعراب اللوحة: بالصدفة، مرت هذه الشخصيات على دراجاتها أمام اللوحة، فارتسمت بها. هذه المصادفة تجعل كوميديا اللوحة بمثابة كوميديا غير مقررة مسبقاً، إنما هي كوميديا لا ترتيب مسبقاً لها.
على أن مرور الشخصيات بالصدفة في لوحات تكريتي، ولأن هذه اللوحات تنطوي على فعل تصويري، فهي تبدو في أحيان كثيرة، شخصيات مؤدية. فتأخذ هذه الشخصيات راكبة الدراجات الهوائية، وضعيات، كما لو أنها كانت قد رأت الكاميرا التي صورتها، أي رأت رسامها، وبالتالي، هي تتحرك بالتفاعل معه. مثلاً، في لوحة الرجل الذي يثبت على فتح يديه فوق الدراجة، لا يمكن سوى التكهن بأنه يعمد إلى تأدية حركته من أجل ذلك التفاعل، أي من أجل رسّامه، لكنه تفاعل غير محقق. في هذه الجهة، لا بد من الإشارة إلى أن الكوميديا في تأدية الشخصيات هذه لا تنم عن وضعياتها، إنما عن العبث الذي تنطوي عليه، أي عبث التفاعل ذاته لأنه غير محقق بينها وبين رسّامها. يمكن الإضافة في هذا المطاف أن هذه الشخصيات، وإن كانت بتفاعلها تضفي على اللوحة كوميديا، فهي، وبوجوهها، تجعلها مضمرة. ففى الغالب من الاوقات، لا تعبير على وجوهها يفيد بهذه الكوميديا، إنما بغيابها خلفها. فهذه الكوميديا، وباستتارها، تجعل من كل مشهد، يرسمه تكريتي، لوحة حولها: يصير اللون، الحركة، الوضعية، والوجه بمثابة علامات عليها.