محاولة اغتيال سلمان رشدي... طعنة في روح الثقافة
أحدثت قضية طعن الروائي سلمان رشدي الكثير من ردود الأفعال، وكثر علقوا في حساباتهم الفايسبوكية.
نشر الكاتب السوري عدي الزعبي: عاش سلمان رشدي حياته مخلصاً صادقاً لما يؤمن به. الاحتفاء العربي والإسلامي به قبل صدور "آيات شيطانية" مفهوم وطبيعي: شكل رشدي حالة استثنائية لروائي يعادي الاستعمار الغربي وينقد التراث. بعد الرواية، عاش الرجل وحيداً مختفياً خفياً: بدون أصدقاء، بدون عائلة، بدون أهل، بدون بلد، بدون وجه. عقود مضت وهو يكتب ويعبر عن نفسه، بدون أن يظهر. في العنق، بسكين: بالضبط مثل نجيب محفوظ. ولم يتغير رشدي: بقي مصراً على موقفه الواضح والصارم: نقد الغرب بعنف والتراث الذي يثقلنا. نقد الهندوسية والإسلام- لا فرق عنده. ولم يتحول رشدي إلى اليمين المتطرف، لم يتحول إلى بوق ضد الإسلام: حافظ، كأنه قديس، على رؤيته التي تحترم التراث وتنقده: لم يجعل الإسلام شماعة يعلق عليها كل المشاكل. لم يتغير. بقي ناقداً للغرب، وهو يعيش فيه متخفياً، وناقداً لما يراه تراثنا المشترك الذي يكبّلنا. ورشدي ليس غربياً، هو ابن الهند حيث عاش الإسلام في واحدة من أنصع تمظهراته وأغربها: أقلية مسلمة تحكم أغلبية هندوسية، اعتبرها الفقهاء أهل كتاب بشكل عملي -مؤولين القرآن بفهم أعمق مما فعله من سبقوهم، يستخدمون اللغة الفارسية والتراث الفارسي الإسلامي في بلدان تعايشت فيها الأديان، واختلفت، واغتنت، بحب وبدموية وبالسيف وبالقلم. انتهت التجربة الغريبة مع دخول أنكلترا، وتحولت إلى كارثة مع تقسيم البلاد. في مقابلة متأخرة، صرّح إدوارد سعيد بأنه ندم على سكوته في الثمانينيات، خصوصاً حين سُئل في مصر عن سلمان رشدي، فتنصّل من الإجابة بجبن. الجبن الذي عمّ العالم العربي والإسلامي، ليبقى رشدي وحده مدافعاً عن حرية ضميره، وعن العالم الإسلامي/الهندي الذي بقي عالمه. لم يتحول إلى كاتب غربي، أو عالمي، بل بقي هندياً مسلماً.
طعنة في الرقبة، بسكين، طعنة في الروح، في روح ذلك الرجل الذي أراد أن يكون لعالمنا معنى مختلف ومنفتح، وكبير، ومتعدد، ومستقل. طعنة في مستقبل العالم، في مستقبل الإسلام، في مستقبل الأدب، في معنى الكتابة.
وكتب الكاتب الفلسطيني حسن خضر: في "هارون وبحر القصص" يكتب سلمان رشدي عن وظيفة الكاتب (المرأة والرجل، لا فرق). يقول إن حكايات بني الإنسان قليلة، لم تتغيّر كثيراً منذ القدم وحتى الأزمنة الحديثة: حكايات الحب والموت، الغنى والفقر، الحرية والعبودية..الخ. تعيش الحكايات في بحر سحري وتسبح كالأسماك.، يصيب العطب بعض الحكايات من حين إلى آخر، فتكف عن الحركة. يقوم الكاتب بوظيفة الميكانيكي يصلح ما تلف، وقد يستعين بقطع غيار جديدة، لتمكين الحكايات من العوم.
بصياغة كهذه، يُعيد رشدي الأدب إلى مصادره الأولى، ويفسّر قدرته على البقاء، وما قد يعتري الحكايات من عطب، أو يتجلى، أحياناً، في صورة إبداع رفيع على يد ميكانيكي ماهر، ابتكر قطعة غيار جديدة، وأعاد الحياة إلى حكاية فسدت.
في الاعتداء عليه ما يُفسّر كيف تفسد الحكايات، ولماذا يجف الماء في عروق الحياة، وكيف يصير الكاتب نفسه قطعة غيار في حكاية أقدم منه، ويمنح بحرها بعض ما فيه من ماء لتعوم.
وكتب صفحة أبو عبدو البغل وهي مختصة بقرصنة الكتب ونشرها: آيات شيطانية هي رواية من تأليف الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي. صدرت في لندن بتاريخ 26 سبتمبر عام 1988 بعد 9 أيام من إصدار هذا الكتاب تلقى دار النشر الذي طبع الكتاب الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التلفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب. قامت بنغلاديش والسودان وجنوب أفريقيا وكينيا وسريلانكا وتايلاند وجمهورية تنزانيا المتحدة وإندونيسيا وفنزويلا وسنغافورة بمنع الكتاب وخرجت مظاهرات تنديد بالكتاب في إسلام آباد ولندن وطهران وبومباي ودكا وإسطنبول والخرطوم ونيويورك. حصلت خلال عمليات الاحتجاج هذه حادثتين لفتتا أنظار العالم وهي حادثة حرق أعداد كبيرة من الكتاب في برادفورد في المملكة المتحدة في 14 يناير 1989 والحادثة الثانية هي صدور فتوى من الخميني في 14 فبراير 1989 بإباحة دم سلمان رشدي وهاتان الحادثتان لفتتا نظر وسائل الإعلام الغربية بشدة.
آيات شيطانية هو عبارة عن قصة مكونة من تسعة فصول. عندما تقرأها تكاد تظن أن كل فصل هو قصة منفصلة. الشخصيتان الرئيسيتان في الرواية هما صلاح الدين جمجة وهو هندي عاش منذ شبابه في المملكة المتحدة وحاول أن ينسجم مع المجتمع الغربي ويتنكر لأصوله الهندية، وجبريل فرشته وهو ممثل هندي متخصص بالأفلام الدينية حيث يمثل أدوار آلهة هندوسية، وقد فقد إيمانه بالدين بعد إصابته بمرض خطير حيث لم تنفعه دعواته شيئاً للشفاء. في بداية الرواية حيث يجلس الاثنان على مقعدين متجاورين في الطائرة المسافرة من بومبي إلى لندن ولكن الطائرة تتفجر وتسقط نتيجة عمل تخريبي من قبل جماعات متطرفة وأثناء سقوط هذين الشخصين تحصل تغييرات في هيئتهما فيتحول صلاح الدين جمجة إلى مخلوق شبيه بالشيطان وجبرائيل فرشته إلى مخلوق شبيه بالملاك.
يعاني جبريل فرشتة من رؤيا شبيهة بالأحلام الواقعية السحرية تدور حول أحداث في فترة ظهور الإسلام في الجزيرة العربية وأخرى حول أحداث معاصرة، وفي هذه الأحلام التسميات تختلف عن المعروف من التاريخ، حيث تسمى مدينة مكة بالجاهلية، وهي مدينة مبنية من الرمال، ويشار إلى محمد رسول الإسلام باسم مهاوند، وهو الهيئة التي وصل اسمه بها وشاع في أوروبا في العصور الوسطى.
وكتب القاص الفلسطيني مازن معروف: المعتدي في نيويورك لم يهاجم سلمان رشدي وحده. بل محاوره أيضاً، هنري ريس. ولأحدثكم قليلاً عن هذا الرجل بما أن أحداً لم يأتِ على ذكره. ريس رجل أعمال أميركي بدأ حياته عصامياً. وبمبلغ لا يتجاوز الألف دولار أسس مع شقيقه واحدة من كبرى شركات التسويق ومراكز الإتصال في الولايات المتحدة. لكن شغفه بالقراءة واهتمامه بالادب وقضايا الإنسان والكتّاب بشكل خاص، كان أكبر من أية رغبة في الاستمرار بتطوير مشاريعه المالية. وفي عام 1997 وبعد حضوره ندوة لسلمان رشدي في نيويورك تحدث فيها الاخير عن ضرورة إقامة شبكة عالمية من المدن لإيواء الكتاب المنفيين أو المضطهدين ممن يواجهون أحكاماً بالسجن أو تهديدات بالقتل، قام ببيع أسهمه في الشركة، وخصص مبلغ مليوني دولار لتأسيس جمعية إنسانية تحت اسم "مدينة اللجوء" أو "city of asylum" في مدينة بيتسبورغ (ولاية بنسلفانيا) حيث يقيم مع زوجته (كلاهما في غاية اللطف). لهذا المشروع، اشترى ريس صفاً من المنازل في أحد شوارع بيتسبورغ الهادئة والصغيرة. وقام بترميمها وتجهيزها بالكامل. بعض هذه المنازل عبارة عن طابقين وبعضها (على ما أذكر) شقة كبيرة. وتستضيف لمدة عامين، كتّاباً منفيين أو مضطهدين من جميع أنحاء العالم. الشرق الاوسط، أفريقيا، أميركا اللاتينية.. إلخ. وإذا كان للكاتب زوجة واطفال، فأهلاً وسهلاً بهم ايضاً. تؤمن الجمعية مخصصاً شهريَّ للكاتب، كما الخدمات الطبية والاجتماعية الأساسية وتهتم بالتسويق لكتاباته وتنظيم الندوات له في الولايات المتحدة ما يساعده في الحصول على اقامة دائمة كذلك. قابلت ريس مرة واحدة عام 2014 في بيتسبورغ. رجل دمث وخلوق، ومثقف كبير. يصغي جيداً، ويحترم نضال شعوبنا وقضايانا (وإن بتنا الآن شعوباً إسمية). كان متعاطفاً مع قضية فلسطين. تعاطف حقيقي. جوهري. إنساني. نفتقده كثيراً في بلادنا.
وقال الروائي اليمني حبيب عبد الرب: صدمة، منذ أمس، بسبب الاعتداء على الروائي الكبير سلمان رشدي.
منبع الجريمة: فتوى الخميني، في ١٤ فبراير ١٩٨٩، لقتله بسبب رواية، وملايين الدولارات التي وعد بها لقاتله.
تغيب الكلمات في لحظات كهذه، خاصة وأن الفاشية الظلامية لم تتوقف عن الاعتداء على أروع المبدعين كنجيب محفوظ، وقتل أجمل المفكرين كفرج فودة، لقمان سليم…
سلمان رشدي أحد الذين أحرص على العثور على رواياتهم يوم صدورها.
قرأت معظم أعماله بإعجاب خالص.
آخر مقال لي في "القدس العربي" كان عن روايته قبل الأخيرة، بعنوان:
"سلمان رشدي بين ابن رشد وشهرزاد".
قابلته شخصيا في مكتبة "شجرة الأحرف" في باريس، عند توقيع روايته: "سنتان، ثمانية أشهر، وثمان وعشرون ليلة".
وكنت في محاضرته الشهيرة التي أدراها المخرج المسرحي اللبناني الفرنسي: وجدي معوض، في مسرح دو كولين بباريس في ٢٠١٦…
وكتب الشاعر السوري فادي سعد: الكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي طُعِن اليوم في رقبته أثناء إلقاء محاضرة في نيويورك. بعد ٣٣ سنة من إهدار دمه بفتوى من الخميني العام ١٩٨٩.
هذه ليست طعنة فقط في رقبة رشدي، بل طعنة في رقبة الحضارة البشرية وأرقى ما وصلت إليه في ملكة اللغة وحرية في التعبير.
لا شيء أعمق يميّز الإنسان عن شركائه على هذه الأرض أكثر من ميزّة اللغة التي كانت المفتاح الأهم لتفتح الوعي البشري الذي نملكه الآن. اللغة ليست أداة تواصل فقط، بل أداة للتفكير والتأمل والارتقاء، أداة لتغيير العالم. أداة للتعبير عن الظلم والحرية والأمل والحلم. وأداة أيضاً للنقد، والسخرية.
عندما يُطعن كاتب، بغض النظر عن هويّته، هي رغبة في قتل التفكير، إخراس العقل، لجم الخيال. أعداء اللغة، غير القادرين على تحمّل سياطها اللاذعة أحياناً، هم في الحقيقة أعداء الإنسان.
يتساءل المرء، أيّة عقلية تحكم هؤلاء الخائفين من الكلمات. أيّة عقلية هشّة ضعيفة جريحة مهزوزة. عقلية بدائية محكومة بالبارانويا والموت والعقم.
ودوّن الروائي اليمني علي المقري: جريمة بشعة قام بها اليوم أحد متشيعي آية الله الخميني بطعن الكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي صاحب الرواية الذائعة الصيت "آيات شيطانية"؛
منذ صدور فتوى الخميني عام 1989 بقتل الكاتب ومن ينشر هذه الرواية جرت محاولات عديدة لإسكات رشدي الذي يعد من أهم الكتاب المعاصرين إلاّ أن الكاتب بقي حرّا في تصريحاته وكتبه.
هذا سلوك يجب أن يدان!
فهو لم يعد مقبولاً في عالم يقدّس حرّية التفكير والتعبير!
ولا يدل إلاّ على همجية فاعله وهمجية الأدبيات الدينية التي يتبعها هذا المعتوه وتحرّض على قتل كل من ينتقد أو يختلف في الرأي.
لتتوقف هذه الجرائم بحق الفكر والتفكير والتي بدأها الخميني بفتواه وامتدت مع القاعدة وداعش والسلطات العربية التي صمتت على محاكمة وسجن وقتل المفكرين والأدباء.