محمد حقي صوتشين.. مُعرّف الأتراك بقباني ودرويش وأدونيس
ترجمة الأدب من العربية إلى التركية لها عنوان واحد هو الدكتور محمد حقي صوتشين، الذي نقل خلال عقد العديد من الأعمال، وخاصة الشعر، إلى اللغة التركية. ويعود هذا الإهتمام إلى قناعته بأن "العُمقَ الاستراتيجي لتركيا هو العالم العربي والإسلامي" على حد تعبيره. وصار القارئ التركي يعرف اليوم أسماء أساسية لها حضورها في ثقافتنا، بفضل الدأب الذي يتحلى به صوتشين، والذي بات بمثابة جسر وصلة وصل بين الثقافتين واللغتين، ومرجعاً في الأدب العربي بالنسبة لعالمي النشر والأكاديميا في تركيا، بل بات الموجه العام لحركة الترجمة من العربية إلى التركية، والتي تسارعت في الأعوام الأخيرة بعد حركة الهجرة العربية الكبيرة نحو تركيا.
وإلى وقت قريب، لا يعرف العرب والأتراك بعضهم البعض حق المعرفة على المستوى الثقافي، رغم القرابات الكثيرة، الجغرافية والتاريخية والعرقية والتلاقي في الفن والطعام، والسبب يعود إلى التقصير الفادح في الترجمة. وقبل ثلاثة عقود كانت الترجمات من العربية إلى التركية قليلة، وتتم عبر لغة وسيطة. ومثال على ذلك كتاب "الأيام" لطه حسين، الذي ترجم إلى اللغة التركية في وقت متأخر جداً العام 1994 عبر ترجمة فرنسية، في حين أنه ترجم وصدر بالانكليزية العام 1932. ويقع الأدب في مركز هذه المعادلة المعقدة التي بقيت عصية الحل، ولعب حصول كل من نجيب محفوظ على جائزة نوبل العام 1988، وأورهان باموك العام 2006، دوراً أساسياً في ترجمة الأدب العربي إلى التركية، والأدب التركي إلى العربية. وفي الميدان الأول، أي الترجمة من العربية، يقوم الدكتور محمد حقي صوتشين مقام مؤسسة بأكملها، وهو الأكاديمي والمترجم والمستعرب، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة غازي في أنقرة.
وبدأت علاقة صوتشين مع اللغة العربية حين درسها في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أنقرة. ويعترف أنه لم يتوقع أن يولع باللغة العربية وآدابها في البداية. لكن بعد مرور سنة من الدراسة زاد حبه لهذه اللغة وشغفه بأدبها. وتعرف على الأدب العربي من خلال ترجمات تركية في البداية، لأعمال من جبران خليل جبران ونجيب محفوظ، شجعته على مواصلة دراسته لتعلّم اللغة العربية. وفي الجامعة كانّوا يتلقون موادّ عن الأدب العربي بكل فروعه من شعر وقصة قصيرة ومسرحية. وكلما خاض في هذا المجال زاد حبه له، ولعبت مجلة "فكر وفن" التي كانت تصدر في ألمانيا بالعربية، وتشرف عليها الكاتبة اردموتة هيللر دورا في تعريفه على الأدب العربي، وكان أول تحدٍ لقراءة الشعر الحديث قصيدة أدونيس الشهيرة "شهوة تتقدم في خرائط المادة" التي كانت منشورة في المجلة، ولم يكن الأمر سهلا، بل إن البداية صعبة جداً، نظراً إلى أن التوصل إلى مصادر باللغة العربية محدودة في تلك الفترة. فالمكتبة غنية بكتب التراث وعدم وجود كتب من الأدب العربي المعاصر. ومن هنا كانت المواجهة مع نص أدونيس شيئاً مختلفاً، غير ذلك الذي درسه من الشعر العربي القديم المترجم إلى التركية مثل عنترة بن شداد، وجبران خليل جبران، وحتى ألف ليلة وليلة.
هو أول من اشتغل على الترجمة بطريقة منهجية، وأعطى أهمية للأدب الحديث في وقت كانت الترجمة منصرفة إلى نقل الكلاسيكيات من العربية إلى التركية، ما أدى إلى تغير في نظرة دور النشر إلى الأدب العربي، وهناك دور نشر تطلب منه إعادة ترجمة أعمال سبق أن تُرجمت، وهذا أمر له مغزاه، وتفسيره هو النجاح الذي لقيه كمترجم باتت له بصمته الخاصة، كونه أول من عرّف الأتراك بقامات عالية في الثقافة العربية وخصوصاً في ميدان الشعر مثل نزار قباني، محمود درويش، وأدونيس.
والمسألة الجديرة بالاهتمام هي ترجمة الشعر التي تأتي في الصدارة بين أعمال صوتشين التي نقلها من العربية للتركية. واللافت أنه لا يفرق بين الأشكال والأزمنة والجغرافيات. ترجم العمودي مثل إيليا أبو ماضي والتفعيلة الغنائية الصعبة مثل محمود درويش والنثر الغامض والتأويلي لدى أدونيس، وترجم من سوريا (نزار قباني، محمد الماغوط، أدونيس، نوري الجراح) ومصر(احمد الشهاوي) وفلسطين (محمود درويش) والمغرب(محمد بنيس)، العراق (عبد الوهاب البياتي)، لبنان (يوسف الخال)، المعلقات السبع، طوق الحمامة لابن حزم، وقصة حي بن يقظان. ويمكن الحكم على حصيلة ترجماته حتى الآن بأنها ذات تنويع مدروس وجمالي يعطي الأشكال حقها، ومن دون انحياز إلى مدرسة او شكل او جهة، وهذا عمل يعود الفضل فيه إلى دراسته الترجمة التي تعلم المترجم العمل وفق منهاج، فهو يحمل دكتوراه في الترجمة بين اللغتين العربية والتركية، وترأس اللجنة التي أعدّت مناهج اللغة العربية المعتمد عليها حاليا في تركيا. كما أعدّ منهج اللغة العربية لغير الناطقين بها في أوروبا، ويدير ورشات الترجمة الأدبية بين اللغتين العربية والتركية التي تقام سنويًا في إسطنبول، ومن هنا فإن خلفيته كاستاذ جامعي تفرض نمطا من السلوك العادل، ويرى البعض أنه اعطى لكل من أدونيس ودرويش قسطا أكبر من البقية، وهذا أمر مبرر كونهما من أقطاب الشعرية العربية الكبار، ويشار هنا إلى نقطة مهمة وهي إن الترجمة في تركيا تتم عادة من خلال وكالات تروج لكتاب متعاقدين معها لتسوق أعمالهم، وهذه الطريقة غير دارجة في العالم العربي، ولذلك تعامل الناشرون الأتراك مع الأسماء العربية المترجمة للغات الغربية، ولكن صوتشين لعب دورا في تصحيح هذه المعادلة من خلال ترجماته المتميزة.
إن إتقان لغتين لا يصنع مترجماً ناجحاً بالضرورة، فالترجمة مثل الكتابة هي استعداد ذاتي. كي يصبح المرء مترجماً، لا بد أن يكون موهوبا ولديه حب لهذه الموهبة، ولديه الرغبة في نقل عمل ما من لغة إلى أخرى، وهذا في حد ذاته عمل يتطلب قدراً من التضحية، وفوق كل هذا يجب أن يكون المترجم ملماً بما وراء الترجمة مما يحيط بالعمل من اجواء ومعلومات وشروط ثقافية واجتماعية وسياسية. وفي كافة الأحوال يبقى المترجم مبدعاً، ولكنه مقيد بالنص الأصلي، ومرة قال بورخيس عن أحد أعماله "الترجمة أفضل من الأصل".
وعلى العموم شهد الأدب العربي في تركيا نهضة خلال العقد الأخير، وإقبالاً كبيراً، وبات جمهور القراء التركي مهتما بهذا الأدب، بعدما تعرف على أصوات مهمة مثل محفوظ، درويش، قباني، وهذا عكس نفسه على دور النشر التي تعنى بالترجمة، والتي أصبحت تبحث عن كتاب جديرين بنقل أعمالهم إلى اللغة التركية. ومن حيث الانتشار يأتي في الصدارة جبران خليل جبران كون أعماله عرفت الترجمة للتركية مبكرا، ويليه نجيب محفوظ، أدونيس، محمود درويش، نزار قباني، نوال السعداوي، غسان كنفاني، الطيب صالح، جمال الغيطاني. لكن عدد النسخ المطبوعة لا يتجاوز الألفي نسخة، ما يدل على محدودية الانتشار للأدب العربي الذي لا ينافس الأدب العالمي، بل هناك مسافات شاسعة بينهما. وهذا لا يعني أنه لا جمهور للأدب العربي، بل هناك جمهور ينمو ويتزايد بفضل الترجمة، وخصوصاً للشعر العربي، ونال "كتاب الحب" لنزار قباني الذي ترجمه صوتشين جائزة الترجمة من قبل اتحاد الكتّاب التركي العام الماضي. ومن الأدب العربي الكلاسيكي هناك مقروئية معقولة لكليلة ودمنة، ألف ليلة وليلة، المعلقات السبع، طوق الحمامة لابن حزم، وقصة حي بن يقظان. وجميعها ترجمت أكثر من مرة وطبعت عشرات المرات.
وإلى وقت قريب، لا يعرف العرب والأتراك بعضهم البعض حق المعرفة على المستوى الثقافي، رغم القرابات الكثيرة، الجغرافية والتاريخية والعرقية والتلاقي في الفن والطعام، والسبب يعود إلى التقصير الفادح في الترجمة. وقبل ثلاثة عقود كانت الترجمات من العربية إلى التركية قليلة، وتتم عبر لغة وسيطة. ومثال على ذلك كتاب "الأيام" لطه حسين، الذي ترجم إلى اللغة التركية في وقت متأخر جداً العام 1994 عبر ترجمة فرنسية، في حين أنه ترجم وصدر بالانكليزية العام 1932. ويقع الأدب في مركز هذه المعادلة المعقدة التي بقيت عصية الحل، ولعب حصول كل من نجيب محفوظ على جائزة نوبل العام 1988، وأورهان باموك العام 2006، دوراً أساسياً في ترجمة الأدب العربي إلى التركية، والأدب التركي إلى العربية. وفي الميدان الأول، أي الترجمة من العربية، يقوم الدكتور محمد حقي صوتشين مقام مؤسسة بأكملها، وهو الأكاديمي والمترجم والمستعرب، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة غازي في أنقرة.
وبدأت علاقة صوتشين مع اللغة العربية حين درسها في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أنقرة. ويعترف أنه لم يتوقع أن يولع باللغة العربية وآدابها في البداية. لكن بعد مرور سنة من الدراسة زاد حبه لهذه اللغة وشغفه بأدبها. وتعرف على الأدب العربي من خلال ترجمات تركية في البداية، لأعمال من جبران خليل جبران ونجيب محفوظ، شجعته على مواصلة دراسته لتعلّم اللغة العربية. وفي الجامعة كانّوا يتلقون موادّ عن الأدب العربي بكل فروعه من شعر وقصة قصيرة ومسرحية. وكلما خاض في هذا المجال زاد حبه له، ولعبت مجلة "فكر وفن" التي كانت تصدر في ألمانيا بالعربية، وتشرف عليها الكاتبة اردموتة هيللر دورا في تعريفه على الأدب العربي، وكان أول تحدٍ لقراءة الشعر الحديث قصيدة أدونيس الشهيرة "شهوة تتقدم في خرائط المادة" التي كانت منشورة في المجلة، ولم يكن الأمر سهلا، بل إن البداية صعبة جداً، نظراً إلى أن التوصل إلى مصادر باللغة العربية محدودة في تلك الفترة. فالمكتبة غنية بكتب التراث وعدم وجود كتب من الأدب العربي المعاصر. ومن هنا كانت المواجهة مع نص أدونيس شيئاً مختلفاً، غير ذلك الذي درسه من الشعر العربي القديم المترجم إلى التركية مثل عنترة بن شداد، وجبران خليل جبران، وحتى ألف ليلة وليلة.
هو أول من اشتغل على الترجمة بطريقة منهجية، وأعطى أهمية للأدب الحديث في وقت كانت الترجمة منصرفة إلى نقل الكلاسيكيات من العربية إلى التركية، ما أدى إلى تغير في نظرة دور النشر إلى الأدب العربي، وهناك دور نشر تطلب منه إعادة ترجمة أعمال سبق أن تُرجمت، وهذا أمر له مغزاه، وتفسيره هو النجاح الذي لقيه كمترجم باتت له بصمته الخاصة، كونه أول من عرّف الأتراك بقامات عالية في الثقافة العربية وخصوصاً في ميدان الشعر مثل نزار قباني، محمود درويش، وأدونيس.
والمسألة الجديرة بالاهتمام هي ترجمة الشعر التي تأتي في الصدارة بين أعمال صوتشين التي نقلها من العربية للتركية. واللافت أنه لا يفرق بين الأشكال والأزمنة والجغرافيات. ترجم العمودي مثل إيليا أبو ماضي والتفعيلة الغنائية الصعبة مثل محمود درويش والنثر الغامض والتأويلي لدى أدونيس، وترجم من سوريا (نزار قباني، محمد الماغوط، أدونيس، نوري الجراح) ومصر(احمد الشهاوي) وفلسطين (محمود درويش) والمغرب(محمد بنيس)، العراق (عبد الوهاب البياتي)، لبنان (يوسف الخال)، المعلقات السبع، طوق الحمامة لابن حزم، وقصة حي بن يقظان. ويمكن الحكم على حصيلة ترجماته حتى الآن بأنها ذات تنويع مدروس وجمالي يعطي الأشكال حقها، ومن دون انحياز إلى مدرسة او شكل او جهة، وهذا عمل يعود الفضل فيه إلى دراسته الترجمة التي تعلم المترجم العمل وفق منهاج، فهو يحمل دكتوراه في الترجمة بين اللغتين العربية والتركية، وترأس اللجنة التي أعدّت مناهج اللغة العربية المعتمد عليها حاليا في تركيا. كما أعدّ منهج اللغة العربية لغير الناطقين بها في أوروبا، ويدير ورشات الترجمة الأدبية بين اللغتين العربية والتركية التي تقام سنويًا في إسطنبول، ومن هنا فإن خلفيته كاستاذ جامعي تفرض نمطا من السلوك العادل، ويرى البعض أنه اعطى لكل من أدونيس ودرويش قسطا أكبر من البقية، وهذا أمر مبرر كونهما من أقطاب الشعرية العربية الكبار، ويشار هنا إلى نقطة مهمة وهي إن الترجمة في تركيا تتم عادة من خلال وكالات تروج لكتاب متعاقدين معها لتسوق أعمالهم، وهذه الطريقة غير دارجة في العالم العربي، ولذلك تعامل الناشرون الأتراك مع الأسماء العربية المترجمة للغات الغربية، ولكن صوتشين لعب دورا في تصحيح هذه المعادلة من خلال ترجماته المتميزة.
إن إتقان لغتين لا يصنع مترجماً ناجحاً بالضرورة، فالترجمة مثل الكتابة هي استعداد ذاتي. كي يصبح المرء مترجماً، لا بد أن يكون موهوبا ولديه حب لهذه الموهبة، ولديه الرغبة في نقل عمل ما من لغة إلى أخرى، وهذا في حد ذاته عمل يتطلب قدراً من التضحية، وفوق كل هذا يجب أن يكون المترجم ملماً بما وراء الترجمة مما يحيط بالعمل من اجواء ومعلومات وشروط ثقافية واجتماعية وسياسية. وفي كافة الأحوال يبقى المترجم مبدعاً، ولكنه مقيد بالنص الأصلي، ومرة قال بورخيس عن أحد أعماله "الترجمة أفضل من الأصل".
وعلى العموم شهد الأدب العربي في تركيا نهضة خلال العقد الأخير، وإقبالاً كبيراً، وبات جمهور القراء التركي مهتما بهذا الأدب، بعدما تعرف على أصوات مهمة مثل محفوظ، درويش، قباني، وهذا عكس نفسه على دور النشر التي تعنى بالترجمة، والتي أصبحت تبحث عن كتاب جديرين بنقل أعمالهم إلى اللغة التركية. ومن حيث الانتشار يأتي في الصدارة جبران خليل جبران كون أعماله عرفت الترجمة للتركية مبكرا، ويليه نجيب محفوظ، أدونيس، محمود درويش، نزار قباني، نوال السعداوي، غسان كنفاني، الطيب صالح، جمال الغيطاني. لكن عدد النسخ المطبوعة لا يتجاوز الألفي نسخة، ما يدل على محدودية الانتشار للأدب العربي الذي لا ينافس الأدب العالمي، بل هناك مسافات شاسعة بينهما. وهذا لا يعني أنه لا جمهور للأدب العربي، بل هناك جمهور ينمو ويتزايد بفضل الترجمة، وخصوصاً للشعر العربي، ونال "كتاب الحب" لنزار قباني الذي ترجمه صوتشين جائزة الترجمة من قبل اتحاد الكتّاب التركي العام الماضي. ومن الأدب العربي الكلاسيكي هناك مقروئية معقولة لكليلة ودمنة، ألف ليلة وليلة، المعلقات السبع، طوق الحمامة لابن حزم، وقصة حي بن يقظان. وجميعها ترجمت أكثر من مرة وطبعت عشرات المرات.