سيلين سيامّا لـ"المدن": أمضيتُ حياتي مُحبةً لأفلام كرهتني..كامرأة وكمثليّة
لا إغراء، بل حركة متناغمة يلتحم فيها جسدان. لا ألعاب سلطة، ولكن يوتوبيا مجتمع صغير من النساء الخلّاقات والمكتفيات ذاتياً، يضيئه التكاتف والمحبة. "بورتريه لإمرأة تحترق"(*)، فيلم سيلين سيامّا (1974) الأخير، يعود إلى فرنسا القرن الثامن عشر لسبر حكاية لا يحدّها زمن، عن الشوق والحبّ المستحيل.
في جزيرة منعزلة قرب بريتاني، تهبّ عليها الرياح القوية، تلتقي ماريان (نويمي ميرلان) بإيلويز (آديل آنيل)، بعدما غادرت الأخيرة الدير لتجهيزها لإتمام زواج سابق التجهيز برجل إيطالي لا تعرف عنه شيئاً. الوالدة (فاليريا جولينو) قررت العودة إلى مسقط رأسها في ميلان، وتريد إتمام هذه الزيجة المشؤومة، التي أودت سابقاً بابنتها الكبرى، في حادث انتحار لا يُظهره الفيلم أبداً. ترث إيلويز زيجة أختها، وماريان هي المسؤولة عن رسم العروس (يعتمد نجاح إتمام الزواج على اللوحة)، لكنها ستضطر إلى القيام بذلك دون علم إيلويز، التي رفضت من قبل الوقوف أمام رسام آخر. لذا تتظاهر بأنها رفيقة مشي استعانت بها الأم، تحت أنظار خادمة شابة متحفّظة (لوانا باجرامي) ستصبح، مع تقدُّم الفيلم، شريكة وصديقة.
هذه، بالتحديد، النظرة المحدّقة التي تكمن في قلب الفيلم: ليست فقط نظرة الرسّامة إلى موديلها، بل أيضاً نظرة إيلويز إلى ماريان - "بينما تنظرين إليّ، أنظر إليك أيضاً" - ونظرة المرأة الثالثة، الخادمة، في مزيج محكم من التوازن المعرفي والعاطفي يحمل حبكة قصة حب تعيش في عزلة تامة وعلى اتصال مع طبيعة عاصفة، في بيئة بحرية شتوية تدفئ لياليها نار أخشاب محترقة وقلوب تبحث عن مرفأ. هناك، شاهدة ومشهودة، ودائرة تُغلق، في إعادة كتابة سينمائية لأسطورة أورفيوس ويوريديس.
بهذا الفيلم، تفتح سيامّا قوساً خفياً في فيلموغرافيتها للهروب من الحياة اليومية البسيطة التي ميّزت عملها، والدخول في عمل ذي تعقيد جمالي وسردي أكبر، عبر دراما زمنية قوية ومثيرة. بطبيعة الحال، تتشكل القصة مرة أخرى مع بطلاتها، امرأتان تجسّدان جوهر الفيلم السينمائي الكامل، بتحديدهما، عبر أفعالهما، التغيير الجلي الذي تسعى إليه المخرجة في نموذج التمثيل الاجتماعي السائد حتى الآن في السينما. تتوافق النظرة الأنثوية مع الرؤية النسوية في تمرين فاتن للأسلوب والتكوين والإيماء، تام الاستواء ولا ينتقص منه غياب المشاركة الذكورية. رجل وحيد سيظهر في نهاية الفيلم تقريباً (في البداية يظهر شخص آخر، لكن من دون أي صفة رمزية أو جدلية)، لكسر استقرار الوجود النسائي والروابط المنشأة بينهن، كتمثيل للاضطهاد البطريركي الممارس بحق حرية النساء وتحرّرهن.
لا تمثِّل سيامّا بزوغ ونضوج الصحوة الجنسية في قلوب شابات يفتقرن للخبرة والفرص، لكن أيضاً، وبشكل غير مباشر، التحيّزات وانعدام الأمن والمساوئ الاجتماعية والثقافية التي تواجهها النساء يومياً. جملة من الأفكار المحددة توليها سيامّا عنايتها الفائقة في عمل متأنٍ وحريص في اقتصاده وتمهّله، من دون أن يعني ذلك جفافاً مشهدياً، فكل لقطة من لقطاته تمثِّل لوحة مكتملة. لا يعطي الفيلم نفسه لمتفرجه بسهولة، بل يدعوه لدخوله، بشروطه، ولا يفلته. حتى يأتي نصفه الثاني فيجني ثمار التمهيد: تظهر الموسيقى في واحدة من أفضل اللحظات الموسيقية السينمائية لهذا العام، وتنتفض العواطف الملتهبة في انفجارات متوالية، وتتدفق خطوط الرسم، ثم يأتي الألم الذي لا مفرّ منه. في كل ذلك، ممنوع على المتفرج النظر بعيداً من الشاشة، لأن هذا، في الأساس، فيلم نظر. نظرٌ إلى مشهديات فاتنة، ونظر إلى حياة شخصيات تربكها مصائر أكبر من قدرتها على دفعها، ونظر إلى دواخلنا، كمتفرّجين فاعلين يشاركون، بنظرهم، في تفتّح آفاق جديدة لفهم منطق التمثيل وقوة السينما وسيرورة التغيير.
"المدن" التقت سيامّا، للحديث عن فيلمها، النظرة الأنثوية، اليوتوبيات الحقيقية، وتمثيل النساء في السينما.
في جزيرة منعزلة قرب بريتاني، تهبّ عليها الرياح القوية، تلتقي ماريان (نويمي ميرلان) بإيلويز (آديل آنيل)، بعدما غادرت الأخيرة الدير لتجهيزها لإتمام زواج سابق التجهيز برجل إيطالي لا تعرف عنه شيئاً. الوالدة (فاليريا جولينو) قررت العودة إلى مسقط رأسها في ميلان، وتريد إتمام هذه الزيجة المشؤومة، التي أودت سابقاً بابنتها الكبرى، في حادث انتحار لا يُظهره الفيلم أبداً. ترث إيلويز زيجة أختها، وماريان هي المسؤولة عن رسم العروس (يعتمد نجاح إتمام الزواج على اللوحة)، لكنها ستضطر إلى القيام بذلك دون علم إيلويز، التي رفضت من قبل الوقوف أمام رسام آخر. لذا تتظاهر بأنها رفيقة مشي استعانت بها الأم، تحت أنظار خادمة شابة متحفّظة (لوانا باجرامي) ستصبح، مع تقدُّم الفيلم، شريكة وصديقة.
هذه، بالتحديد، النظرة المحدّقة التي تكمن في قلب الفيلم: ليست فقط نظرة الرسّامة إلى موديلها، بل أيضاً نظرة إيلويز إلى ماريان - "بينما تنظرين إليّ، أنظر إليك أيضاً" - ونظرة المرأة الثالثة، الخادمة، في مزيج محكم من التوازن المعرفي والعاطفي يحمل حبكة قصة حب تعيش في عزلة تامة وعلى اتصال مع طبيعة عاصفة، في بيئة بحرية شتوية تدفئ لياليها نار أخشاب محترقة وقلوب تبحث عن مرفأ. هناك، شاهدة ومشهودة، ودائرة تُغلق، في إعادة كتابة سينمائية لأسطورة أورفيوس ويوريديس.
بهذا الفيلم، تفتح سيامّا قوساً خفياً في فيلموغرافيتها للهروب من الحياة اليومية البسيطة التي ميّزت عملها، والدخول في عمل ذي تعقيد جمالي وسردي أكبر، عبر دراما زمنية قوية ومثيرة. بطبيعة الحال، تتشكل القصة مرة أخرى مع بطلاتها، امرأتان تجسّدان جوهر الفيلم السينمائي الكامل، بتحديدهما، عبر أفعالهما، التغيير الجلي الذي تسعى إليه المخرجة في نموذج التمثيل الاجتماعي السائد حتى الآن في السينما. تتوافق النظرة الأنثوية مع الرؤية النسوية في تمرين فاتن للأسلوب والتكوين والإيماء، تام الاستواء ولا ينتقص منه غياب المشاركة الذكورية. رجل وحيد سيظهر في نهاية الفيلم تقريباً (في البداية يظهر شخص آخر، لكن من دون أي صفة رمزية أو جدلية)، لكسر استقرار الوجود النسائي والروابط المنشأة بينهن، كتمثيل للاضطهاد البطريركي الممارس بحق حرية النساء وتحرّرهن.
لا تمثِّل سيامّا بزوغ ونضوج الصحوة الجنسية في قلوب شابات يفتقرن للخبرة والفرص، لكن أيضاً، وبشكل غير مباشر، التحيّزات وانعدام الأمن والمساوئ الاجتماعية والثقافية التي تواجهها النساء يومياً. جملة من الأفكار المحددة توليها سيامّا عنايتها الفائقة في عمل متأنٍ وحريص في اقتصاده وتمهّله، من دون أن يعني ذلك جفافاً مشهدياً، فكل لقطة من لقطاته تمثِّل لوحة مكتملة. لا يعطي الفيلم نفسه لمتفرجه بسهولة، بل يدعوه لدخوله، بشروطه، ولا يفلته. حتى يأتي نصفه الثاني فيجني ثمار التمهيد: تظهر الموسيقى في واحدة من أفضل اللحظات الموسيقية السينمائية لهذا العام، وتنتفض العواطف الملتهبة في انفجارات متوالية، وتتدفق خطوط الرسم، ثم يأتي الألم الذي لا مفرّ منه. في كل ذلك، ممنوع على المتفرج النظر بعيداً من الشاشة، لأن هذا، في الأساس، فيلم نظر. نظرٌ إلى مشهديات فاتنة، ونظر إلى حياة شخصيات تربكها مصائر أكبر من قدرتها على دفعها، ونظر إلى دواخلنا، كمتفرّجين فاعلين يشاركون، بنظرهم، في تفتّح آفاق جديدة لفهم منطق التمثيل وقوة السينما وسيرورة التغيير.
"المدن" التقت سيامّا، للحديث عن فيلمها، النظرة الأنثوية، اليوتوبيات الحقيقية، وتمثيل النساء في السينما.
- في البداية، أودّ مشاطرتك تجربتي مشاهدة فيلمك في القاهرة: في نهاية العرض، سمعتُ رجلاً غاضباً يقول "الآن، صار الشواذ موجودين في جميع الأفلام". تعليق مُعمّم وكاره مثل ذلك، كيف ترينه؟ وما هي رؤيتك للتمثيل السينمائي؟
لا أتوقف أبداً عن الشعور بالدهشة إزاء مدى سوء الناس في السينما، وكيف يتعاملون بغرابة مع حقيقة أن السينما ليست بالضرورة عنهم أو لا تتعلّق بهم حصراً. أمضيت حياتي مُحبّة لأفلامٍ كرهتني، كامرأة وكمثلية. المثليات لم يكنّ موجودات من الناحية العملية. وبينما هناك نساء في جميع الأفلام، لا يمكنك التعرّف حقاً على نساء حقيقيات فيها: إنهن، نحن، مجرد أشياء. ما زلت أحب الأفلام، لكنني سعيدة برؤية أن هناك أخيراً فرصة للتحدث عن تجارب أخرى ومشاهدتها. في هذا الفيلم، على سبيل المثال، لا يوجد رجال، وموضوعات قليلة جداً يجري تناولها.
وماذا يفعل بعض المشاهدين بهذا؟ لا شيء. لا شيء على الإطلاق، ما يقول الكثير عن مدى ضعف خيالك عندما تعتاد أن تكون دائماً في مركز الاهتمام. أشعر بالأسف لهؤلاء المشاهدين، لأولئك الرجال غير القادرين على الإيمان بقوة الخيال والسينما، وأنا سعيدة لعدم اضطراري الوجود في هذا الموقف: إنها حياة صعبة، نعم، ولكنها أكثر إثارة للاهتمام.
- تقولين أنك أحببت السينما رغم شعورك بأنها تكرهك بطريقة ما. كيف أثّر هذا فيكِ؟ هل بحثتِ عن مصدر إلهام لدى صانعي الأفلام القلائل غير المنخرطين في تلك السينما: النساء، المثليون جنسياً ...؟
كلنا نتاج النظرة الذكورية، وأنا كذلك، لكن لدينا الفرصة لتفكيك ذلك. ليس لأنني امرأة تعرض سينماها نظرة أنثوية. العديد من النساء يقدّمن نظرة ذكورية في أفلامهن، وهذا أمر جيد، لأنه بالمثل، يمكن للرجال تبنّي نظرة أنثوية في أفلامهم، نظرياً عى الأقل.
كل هذا هو في الأساس فرصة لتكون أكثر ذكاءً، وأكثر سياسية، وأكثر وعياً. لكن عليك أولاً أن تنتبه، ومن ثم عليك أن تستيقظ، الأمر الذي قد يكون مؤلماً: عليك أن تتفاعل، يجب أن تكون على دراية بما يحدث. لدينا الفرصة لنكون هجيناً، وهذا أمر جيد: يمكننا إقامة حوار بين العالمين لأننا نعرف كلاهما، وكلما عرفنا أكثر أمكننا الذهاب أبعد.
لكي أكون أمينة، كان بإمكاني وصف نفسي كـ"سينيفيللية"، حتى الثلاثين من عمري. لكن منذ صرتُ صانعة أفلام، قلّ معدّل مشاهدتي للأفلام لأنني لا أريد أن يؤثّر ذلك في ما أقوم به. اعتدت في الماضي على اختراع المراجع، لأنني ظننت أنه بخلاف ذلك لن تُضفى الشرعية على السينما الخاصة بي، لكن الآن، خاصة أثناء عملية صنع فيلم، أتجنب مشاهدة أفلام الآخرين.
- فاز فيلمك بالعديد من الجوئز، داخل فرنسا وخارجها. كيف ترينها؟
أعتقد أنها تمثِّل علامة امتنان على الانتظار الطويل الذي كان على المتفرجين، وخاصة النساء، خوضه قبل أن يروا أنفسهم ممثلين بهذه الطريقة على الشاشة. هذه أوقات جديدة، ينتظرها البعض منذ فترة طويلة، بينما بالنسبة للشباب، يفتح الفيلم آفاقاً جديدة، أو ربما اكتشاف. اكتشاف نسوية قوية وخيال نسوي يدخلان الشاشة الكبيرة.
- لكن الفيلم ليس ذلك فحسب. إنه يحتوي على العديد من الأشياء الأخرى، ربما قبل أي شيء، فكرة محددة عن السينما، شاملة ومعقدة ومتعددة الجوانب وناضجة للغاية.
يحاول الفيلم خلق شكل جديد من السرد القصصي، في الإيقاع والإخراج وطريقة التقديم، وقبل كل شيء في الديناميات بين الشخصيات. يحاول الخروج عن الأعراف التي تعتبر كل علاقة بين شخصين، سواء كانت حُبّاً أو إبداعاً، علاقة سلطة. هنا، بدلاً من ذلك، مساواة. قررت هذا بدءاً من مرحلة الكتابة. تعلّمنا أن المشهد السينمائي هو مفاوضة بين طرفين، صراع. كيف يمكنك الخروج من هذه الدينامية؟ أقترح تجربة جديدة للمشاهد، نظرة نشطة. لم تعد هناك هيمنة للمؤلف، وتحدث أشياء كثيرة مفاجئة. لا سلطة قائمة على الاختلافات الطبقية أو الإجتماعية أو العلاقة بين الرسّامة والموديل. هناك مساواة.
- باستثناء المَشاهد الأولى والمَشاهد الأخيرة، لا شخصيات رجالية في الفيلم تقريباً.
أردتُ تصوير موضوعات، لا أشياء، ولم أشأ تجريد الرجال أو سرد قصة الإساءة التي عانتها النساء على مرّ الزمن.
- في الواقع، تتركز أفلامك في الغالب على النساء، باستثناء الشخصية المتحوّلة جنسياً في "تومبوي" (2011)، وتقريباً لا شخصيات من الذكور حتى في الأدوار الثانوية. هل تتعمّدين ذلك؟
أنا محظوظة لأن ما يهمّني ليس شائعاً. لا أصنع الأفلام لأسخر من نوع جنسي معيّن، لست انتهازية ولن أخصص فيلماً أبداً لشيء لا يهمّني. لا أحاول الانتماء إلى تاريخ السينما، لأنني امرأة على أية حال، وبالتالي لا أنتمي إليه، مما يتيح لي انفعالاً عاطفياً تجاه ما أقوم به. لست الوحيدة في ذلك، فالعديد من المخرجين يصنعون الأفلام فقط حول ما يعشقونه. معظم الرجال متحمسون للرجل، ولهذا يصنعون أفلاماً عنهم؛ أشعر بالعاطفة تجاه النساء وأحاول التحدث عن مشاعري وتجاربي؛ يسعدني أن أعيش لحظة أستطيع فيها التعبير عن نفسي: يشرّفني أن أصنع أفلاماً تعنى بنصف المجتمع.
إنه أمر مضحك، أن فيلماً صُنع عن نساء وحَولهن ومنهن، ما زال يُنظر إليه كعمل طليعي، ليس فقط لأنه حدث نادر، لكن لأنه دائماً يعوِّض شيئاً ما. عندما بدأت فرجينيا وولف، الكتابة، في بداية القرن الماضي، لم تكن مجرد صوت أنثوي آخر في الأدب، لقد كانت ثورة في الأدب. عندما أخرجت شانتال أكرمان فيلمها "جان ديلمان، 23 رصيف التجارة، 1080 بروكسيل" (1975)، كانت تبلغ من العمر 25 عاماً فقط، وكانت ثورة وإلهاماً لكثير من المخرجات اللاحقات. الاثنتان انتحرتا، ربما لأن تشجيع المرأة لذاتها، لتصبح مبدعة ومخاطرة ومهدّمة، له ثمنه كذلك.
- المشهد الأول، مع وصول ماريان في القارب وسقوط أدوات الرسم في البحر، يجعل المرء يفكر في "البيانو" لجان كامبيون.
بالطبع فكّرتُ في فيلم جين كامبيون. لا أودّ التحدث عن إلهام أو تحيّة، بل أفضِّلها صداقة بين الفيلمين. فيلم آخر "صديق" أحب الإشارة إليه، هو "الماركيزة أوه" لإريك رومير، بسبب رغبته في إعادة بناء الماضي باستخدام أدوات السينما، من دون الثقل المعتاد في أفلام الأزياء والفترات الزمنية. تجنّبنا كل ما لا لزوم له، ذلك التمثيل المفرط لتجربة العيش في القرن الثامن عشر. لملاقاة هاتين الفتاتين، نحتاج إلى مشاركتهما العزلة.
- تعرض ماريان إحدى لوحاتها المخصصة لأسطورة أورفيوس ويوريديس، وهي أسطورة تحضر أصداؤها بقوة في الفيلم، لكنها تنسبها إلى والدها، الذي كان رساماً أيضاً.
يُظهر هذا المشهد غياب الاحتمالات أمام الفنانات في ذلك الوقت: كانت هناك حوالى مئة من الرسامات في القرن الثامن عشر، اللواتي استبعدن من السجلات والحسابات التاريخية، رغم تمتعهن بحياة مهنية ناجحة والحاجة إليهن أيضاً. لكنهن لم يتحصّلن على الفرص نفسها المتاحة للفنانين الذكور. لم يكن لديهن الحق في رسم رجال عراة، أو معرفة تشريح الجسد الذكوري، لذلك كان استبعادهن من رسم مشاهد أسطورية عظيمة، على سبيل المثال، هو في حقيقته مسألة حرمان من المعرفة ونقص فرص. الحلّ لمحاربة التحامل التاريخي هو إعطاء النساء الفرصة للتعبير عن أنفسهن، وهذا يعني في السينما إعطاء المزيد من الأموال لصانعات الأفلام.
- الفيلم بلا موسيقى، إلا في مشهد السبت (اجتماع منتصف الليل السنوي المفترض للساحرات مع الشيطان - المحرر) ومشهد الأوبرا.
أردتُ فيلماً بلا موسيقى، حتى إن كانت فكرة فيلم حبّ وأزياء، من دون موسيقى مرافقة، مخيفة بعض الشيء. لكنني أردت وضع نفسي في ظروف هاتين الفتاتين، لأن العثور على كتاب والاستماع إلى الموسيقى كان أمراً نادراً وليس حقيقة هيّنة. لذلك عندما تصل الموسيقى، يتصلّ المتفرج بهما بقوة أكبر. لكن الفيلم موسيقي رغم ذلك، باعتماده خلق إيقاع، وكوريوغرافيا الأجساد.
كان الغرض من أغنية السبت، المؤلفة خصيصاً للفيلم، خلق نشوة، لاستحضار خيال الساحرات، اللواتي هن في الحقيقة مجرد نساء وجدن أنفسهن صديقات حكيمات، يعرفن الطب وعلم النبات، واللواتي أيضاً أُحرقن بجريمة حكمتهن وتضامنهن واستقلالهن.
- ومشهد الإجهاض، ذلك الطفل الذي يجلب راحة في موقف غير مريح إطلاقاً؟
تمثيل الإجهاض نادر جداً في السينما، وهذا غريب لأنه حدث شائع جداً. ذات مرة، قالت الكاتبة آني إرنو، إنه لا توجد لوحة واحدة في العالم تسمى الإجهاض أو موت الملائكة. لهذا السبب مثَّلتُ كلاً من الإجهاض ولوحة الإجهاض.
من المخيف دائماً أن تنبض بالحياة صورة لا مرجع لها. الهدف ليس فقط الشعور بالرضا عن القيام بذلك، لكن أيضاً عن الصورة التي ستخترعها. أردتُ أن أصنع هذا المشهد ليس فقط لإبراز الإجهاض نفسه، لكن على وجه التحديد بسبب الطفل الذي، بطريقة ما وعلى نحو غير متوقع، يواسي الفتاة المجهضة.
- كيف عملت مع مصممة الأزياء دوروثي جيرو؟ هناك عدد قليل جداً من الفساتين في الفيلم.
الملابس مصنوعة من مواد ثقيلة غير لامعة. لم نستخدم الحرير، باستثناء الفستان الأخضر لإيلويز، واعتمدنا القطن والصوف. إنه ليس عرض أزياء في فرساي. الى جانب ذلك، أردت أن تكون للفساتين جيوب. في القرن التاسع عشر، كانت الجيوب محظورة على النساء لأن ذلك يعني بستطاعتهن إخفاء شيء ما داخلها، لكن في القرن الثامن عشر كان ما زال مسموحاً بها. على أية حال، حتى اليوم نحن النساء لدينا جيوب أصغر وعلينا دائماً حمل الحقائب.
- هل العلاقة بين هؤلاء النساء الثلاث الصغيرات، التي أيضاً تتجاوز الحواجز الاجتماعية في العلاقة مع الخادمة، هي يوتوبيا خالصة؟
اليوتوبيات ليست أشباحاً، فهي تستند إلى شيء نعيشه حقاً، مثل اليوتوبيا البيئية أو يوتوبيا الأختية (sisterhood) التي اختبرتها بالفعل. الديستوبيات موجودة أيضاً: هناك أماكن تكون فيها الديكتاتورية والفاشية حقيقية.
الشيء المثير هو أن السينما تعطي جسراً سحرياً بين هذه وتلك. يمكنك أن تعرض فيلماً عن الحبّ المثلي بين فتاتين في بلدٍ فاشي يجرّم المثلية الجنسية، وربما يجد جمهوراً يقدّره ويحبّه. أعتقد أن قوة الفيلم، أي فيلم، تكمن في قدرته على خلق حالة فريدة تشبه حالة الأُمّة في اتحادها، يتواجد فيها المتفرجون. لا يهم من أين أتوا، وأين يرون الفيلم. تشبه قاعة السينما أحياناً بيتاً. أسافر كثيراً مع الفيلم وأشعر بهذا الدفء، هذه النار اللطيفة في القاعات هي يوتوبيا مُعاشة.
(*) رُشّح الفيلم مؤخراً لعشر جوائز سيزار، فاز منها فقط بجائزة أفضل تصوير.