نجمة داود على قبور المسلمين
يكاد يكون الرسم المعروف بـ"نجمة داود" أحد أشهر الرموز اليهودية، وهو رسم تبنته الحركة الصهيونية وحولته إلى علم "دولة اسرائيل"، وهو ما يجعل وجود الرسم على شواهد قبور تاريخية تعود لمسلمين معروضة في متحف الرياض، منقوشاً إلى جانب البسملة، أمراً محيراً للبعض.
ولحلّ معضلة ترافق "نجمة داود" مع "بسم الله الرحمن الرحيم"، علينا أن نستعرض التفاسير التي يقدمها اليهود أنفسهم، وبعض الماسونيين الأحرار، لرمزية النجمة السداسية. اليهود يسمّونها "درع الله" التي حمت داود، احد ابرز ملوك إسرائيل وخليفة الله حسب القرآن. وفي تفسيرات أخرى، يعتبر بعض اليهود أن المثلث الذي يشير إلى الأعلى، يمثل علاقة الإنسان بخالقه، فيما المثلث الذي يشير إلى الأسفل، يشير إلى الذات الإلهية. وفي تفسيرات يهودية أخرى أن النجمة ترمز إلى الكون: شرق وغرب وشمال وجنوب وفوق وتحت.
أما الماسون، الذين يغلبون إلى تسميتها "نجمة سليمان" أو "خاتم سليمان"، فيميلون إلى القول إن مثلثاً يمثل الذكر، وآخر يمثّل الانثى.
التفاسير المتوافرة حول "نجمة داود" او "خاتم سليمان" غير مقنعة، وتبدو تفاسير لاحقة لتبني الرسم. وجهة نظر بديلة، قد تكون اكثر اقناعاً، تربط الرقم ستة، وتالياً النجمة السداسية، بالرسم الذي يتولد عن دورة الكوكب عطارد الكاملة حول الشمس.
هذا الكوكب هو الأقرب الى الشمس، وهو ما جعل الأقدمين يربطونه بالإله الأقرب الى الإله الأعلى. هو الإله عطارد (ميركري)، الروماني رسول الإله جوبيتر (اسمه من زوس اليوناني) الى العالم، وهو الإله هرميز الإغريقي، رسول الإله زوس (اسمه من كلمة ضوء الافرو-آسيوية) الى العالم. وفي المسيحية، هو ميخائيل (واسمه من الآرامية "من كالإله")، كبير الملائكة وأقربهم الى الله. وفي الإسلام، يتحول ميخائيل الى جبرائيل، وجبرا تعني رجل في الآرامية.
وفي المخيلة المسيحية، تمثل صورة عطارد مستبقاً شروق الشمس، صورة ميخائيل وهو يحمل سيفاً ذهبياً او سيفاً نارياً مشعاً، وقد تكون هذه الصورة هي التي ألهمت الصورة على اول دينار عربي مصكوك، في العام 699 ميلادية، والمعروف بدينار عبدالملك، نسبة الى الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان. وفيما تعتقد غالبية المؤرخين ان عبدالملك صوّر نفسه على ديناره، إلا ان صورة السيف الناري توحي بأن الصورة ترمز الى "رسول"، وأن عبدالملك إما صكّ نقشاً يمثل الرسول محمد، أو أن الخليفة كان يخال نفسه رسولاً أو في مرتبة رسول.
هذا الرابط بين "عطارد" و"رسول"، قد يفسر وجود نقوش "نجمة داود" على شواهد قبور إسلامية في الجزيرة العربية. فالأقدمون تعارفوا على ان "النجمة السداسية" تمثل الرسول، اي رسول، وقد تكون بعض المجموعات في جزيرة العرب قد نقشت هذا الرمز على شواهد قبورها لتوكيد الشهادة التالية للبسملة، أن لا إله الا الله وأن محمداً رسوله، وهو ما يربط النجمة المذكورة، لا بداود وسليمان فحسب، وهما رسولان في الإسلام، بل بسائر الرسل من دون الانبياء (الرسول رسول ونبي، فيما النبي نبي فقط)، ومنهم محمد رسول المسلمين.
ارتباط عطارد ونجمته السداسية بمفهوم الرسول الأقرب إلى الإله الأعلى يأتي من أماكن كثيرة ومتنوعة.
في ما تبقى من سقف في معبد باخوس في قلعة بعلبك الرومانية، نجمة سداسية داخلها "ميدوزا"، السيدة ذات الشعر المكون من ثعابين. وجود ميدوزا في نقوش المعبد قد يكون مرتبطاً بأسطورة الغواية الناجمة عن استهلاك الخمر، طالما أن المعبد يعود إلى إله الخمر. وقد تكون الرسالة المقصودة هنا هي التحذير من الإفراط في الخمر وتالياً الوقوع في الغواية. لكن وجود طنجمة دواد" أو "خاتم سليمان" في معبد وثني روماني، أمر لا يتناسق مع المفاهيم الدينية، إلا إذا اعتبرنا أن باخوس، ومعبده ثاني اكبر معبد في تجمع المعابد الرومانية في بعلبك والأقرب من المعبد الأكبر العائد للإله جوبيتر، هو رسول جوبيتر إلى العالم.
وباخوس إله الخمر، رسول جوبيتر، مثل المسيح ودمه الخمر ومعجزته الخمرية في قانا، وهو ما يربط رؤية المسيحيين والمسلمين للمسيح رسولاً من الإله الأعلى الى الناس. فالمسيحية لا تنفي الدور الرسولي للمسيح، اللاهوت الذي تجسد في الناسوت، حسب مشيئة الإله الأب. اما المسلمون، فيعتقدون المسيح رسولاً كذلك. اما الخلاف بين الاثنين، فيتمحور حول طبيعة المسيح، الإلهية لدى المسيحيين، والبشرية حصراً لدى المسلمين.
باخوس، وداود، وسليمان، والمسيح، ومحمد، وعبدالملك، أسماء ترتبط بالنجمة السداسية، المستوحاة من حركة عطارد وموقعه، وهو الكوكب نفسه الذي أوحى أساطير عطارد الروماني وهيرمز الاغريقي، وهذه آلهة تطير بأجنحة على قبعاتها او أحذيتها، ودورها الوحيد هو نقل الرسالة بين الإله الأعلى والناس. فرؤية الإله الأعلى عصية على الناس، مثلما يستعصي عليهم التحديق في الشمس، وهو ما يتطلب رسولاً.. ومَن أقرب الى الشمس من عطارد؟