غيلان الصفدي والكائنات الدرامية الناطقة بالأسود والأبيض
للأسود والرمادي طاقة لونية بارزة في اختزان المأساة، فكيف والحال أن الفنان الذي يستخدمهما سوري عايش الأهوال الحالة في بلده وذاق طعم المنفى، هو الفنان غيلان الصفدي الذي يعرض في صالة الأرت لاب، تحت عنوان "العرض يجب أن يستمر"، وكأنه من خلال العنوان يوحي بضرورة الاستمرار بالحياة والحضور والتكملة على الرغم من كل الموانع والمنغصات والحدود.
ربما ما يعلق في الذهن من تجربة غيلان هو أسلوب انتقائه للتمثيل الدرامي المستقطع من الواقع، بطريقة غير بيانية، ولا وصفية، بل تهدف إلى تأطير الواقع الملموس ببصيرة تنقل منه جزئياته إلى العمل الفني عاكسا من خلالها الروح والمعنى بعيدا عن الذات الحاضرة والمتمثلة بالخارج.
تتلمس في أعمال الفنان بعدا يشي بالسريالية بالرغم من التعبيرية السوداء لتي تعلو لوحاته، فذلك يعكس روح التمرد والأزمة الجامعة ذاتيا وعرضيا وموضوعيا، بما يتواءم مع الشعور الخاص بالفنان، ولعله يرصد لغيلان عدم رغبته بالغرائبية في التناول بقدر رصده لحمولات رمزية تتبلور في الجمع والتوثيق والعرض والتأليف، لكائنات تسبح في مناخ من اللاعقلانية التصويرية، وتسعى لتمسرح الأزمات البينذاتية لتصدح بها على الملأ، بل قل لتكتنفها وتنقلها كمرآة عاكسة لما يعتمل في دخيلة نفس الرائي، بحيث تجعله مشاركا للفنان في قلقه وإدراكه ونمطه في التناول.
على الرغم من بداياته اللونية، اختار الفنان الأسود والأبيض شكلا لمعرضه المقام حاليا، في التفاتة تشي بنوع من السوداوية والقلق والانقباض، وكأن الألوان متعة أو مساحة من الأمل، فقدها الفنان بعد تجربة مريرة عايشها وطنه وما زال، أو كأنها اعتمال باطني لا واعي يعكس القيم الأولية والبدائية للتصوير، وتضفي على عمله التمثيلي بعداً رؤيوياً مسرحياً تقربه أكثر من مبادئ الهدم والعفوية والانفعال.
يحرر غيلان الصفدي مخلوقاته في بعض حالاتهم من تبعية الوزر، عبر بث روح إحيائية ذات دلالات انسانية. وعلى الرغم من تمثل المأساة، تبدو بعض لوحات الفنان وكأنها خارجة عن إطار الضحية والجلاد معا، بل تبدو كأنها تلهو في ملعب من الحياد والغموض والوحدة المرئية بأشكال وسمات جمعتها كلها في فضاء اللوحة، وزادتها غربة على غربتها، فالكل في لوحات الصفدي يعيش العزلة وسط الجمع المحتشد، ولكل عالمه وآفاقه وروحه المعذبة التي تنشد نوعا من الخلاص، فلا تجد غير الاضمحلال بالأسود المختار بعناية موئلا ونصيبا وقدرا.
لا يعتمد الفنان في أعماله على تقنية التشويه الكبيرة للشخوص، غير أن الكل الجامع لذات اللوحة يعلوه الشحوب، وتطغى عليه الهواجس، وكأنه أراد ان ينقل حالة حلمية على فضاء اللوحة، فالأشخاص وما يحيط بهم في صلب الأعمال تعبر عن بعد مأساوي معين، قريب نوعا ما من الروح الهزلية.
كائنات غيلان يجمعها المجتمع رغم استقلاليتها ووحدتها، فقلّ أن تجد له لوحة تمثل شخصا واحدا، بل كتلا من الاشخاص المتضافرة أمام عدسة ريشته تبادل بغالبيتها الرائي نظرته، وكأنها تستنجد لتخلصيها من الجحيم الذي هو الآخر المساوق لها والنظير الموجود في مساحة أخرى من اللوحة، فلا هي قادرة على التحرر من الآخر، ولا الآخر بمستطاعه التخلص من الحمولة التي يشكلها بذاته، وكأننا أمام دور منطقي يتوقف فيه الأول على وجود الآخر، ولا يمكن بوجه الخلاص من الصنوين، في تشكل لعل الفنان أراده للتعبير عن رؤيته للعالم والمحيط والمجتمع والمأساة والتدمير بطريقة فنية بارزة، وروح متقدة قلقة.
• يستمر المعرض حتى 3 أيار (مايو) في غاليري آرت لاب – الجميزة – بيروت.
ربما ما يعلق في الذهن من تجربة غيلان هو أسلوب انتقائه للتمثيل الدرامي المستقطع من الواقع، بطريقة غير بيانية، ولا وصفية، بل تهدف إلى تأطير الواقع الملموس ببصيرة تنقل منه جزئياته إلى العمل الفني عاكسا من خلالها الروح والمعنى بعيدا عن الذات الحاضرة والمتمثلة بالخارج.
تتلمس في أعمال الفنان بعدا يشي بالسريالية بالرغم من التعبيرية السوداء لتي تعلو لوحاته، فذلك يعكس روح التمرد والأزمة الجامعة ذاتيا وعرضيا وموضوعيا، بما يتواءم مع الشعور الخاص بالفنان، ولعله يرصد لغيلان عدم رغبته بالغرائبية في التناول بقدر رصده لحمولات رمزية تتبلور في الجمع والتوثيق والعرض والتأليف، لكائنات تسبح في مناخ من اللاعقلانية التصويرية، وتسعى لتمسرح الأزمات البينذاتية لتصدح بها على الملأ، بل قل لتكتنفها وتنقلها كمرآة عاكسة لما يعتمل في دخيلة نفس الرائي، بحيث تجعله مشاركا للفنان في قلقه وإدراكه ونمطه في التناول.
على الرغم من بداياته اللونية، اختار الفنان الأسود والأبيض شكلا لمعرضه المقام حاليا، في التفاتة تشي بنوع من السوداوية والقلق والانقباض، وكأن الألوان متعة أو مساحة من الأمل، فقدها الفنان بعد تجربة مريرة عايشها وطنه وما زال، أو كأنها اعتمال باطني لا واعي يعكس القيم الأولية والبدائية للتصوير، وتضفي على عمله التمثيلي بعداً رؤيوياً مسرحياً تقربه أكثر من مبادئ الهدم والعفوية والانفعال.
يحرر غيلان الصفدي مخلوقاته في بعض حالاتهم من تبعية الوزر، عبر بث روح إحيائية ذات دلالات انسانية. وعلى الرغم من تمثل المأساة، تبدو بعض لوحات الفنان وكأنها خارجة عن إطار الضحية والجلاد معا، بل تبدو كأنها تلهو في ملعب من الحياد والغموض والوحدة المرئية بأشكال وسمات جمعتها كلها في فضاء اللوحة، وزادتها غربة على غربتها، فالكل في لوحات الصفدي يعيش العزلة وسط الجمع المحتشد، ولكل عالمه وآفاقه وروحه المعذبة التي تنشد نوعا من الخلاص، فلا تجد غير الاضمحلال بالأسود المختار بعناية موئلا ونصيبا وقدرا.
لا يعتمد الفنان في أعماله على تقنية التشويه الكبيرة للشخوص، غير أن الكل الجامع لذات اللوحة يعلوه الشحوب، وتطغى عليه الهواجس، وكأنه أراد ان ينقل حالة حلمية على فضاء اللوحة، فالأشخاص وما يحيط بهم في صلب الأعمال تعبر عن بعد مأساوي معين، قريب نوعا ما من الروح الهزلية.
كائنات غيلان يجمعها المجتمع رغم استقلاليتها ووحدتها، فقلّ أن تجد له لوحة تمثل شخصا واحدا، بل كتلا من الاشخاص المتضافرة أمام عدسة ريشته تبادل بغالبيتها الرائي نظرته، وكأنها تستنجد لتخلصيها من الجحيم الذي هو الآخر المساوق لها والنظير الموجود في مساحة أخرى من اللوحة، فلا هي قادرة على التحرر من الآخر، ولا الآخر بمستطاعه التخلص من الحمولة التي يشكلها بذاته، وكأننا أمام دور منطقي يتوقف فيه الأول على وجود الآخر، ولا يمكن بوجه الخلاص من الصنوين، في تشكل لعل الفنان أراده للتعبير عن رؤيته للعالم والمحيط والمجتمع والمأساة والتدمير بطريقة فنية بارزة، وروح متقدة قلقة.
• يستمر المعرض حتى 3 أيار (مايو) في غاليري آرت لاب – الجميزة – بيروت.