موضة نقاش وبحوث "صاعدة" في الغرب: الإسلام وتصوير الأنبياء
منذ اندلاع عاصفة الرسوم الساخرة من النبي محمد، والتي كانت أحداث الدنمارك الأخيرة آخر فصولها، يخرج الإختصاصيون الغربيون في التاريخ الإسلامي إلى واجهة الإعلام المرئي المسموع والمقروء ليعرضوا مقاربتهم الأكاديمية لقضية تحريم تصوير الهيئات الإنسانية والحيوانية في الإسلام. اذ ظهرت مؤخراً، إثر مجزرة "شارلي إيبدو"، مقالات بهذا الصدد في كل الصحف الفرنسية تقريباً. والمقال الأكثر موسوعية نجده في الموقع الإلكتروني للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى (IFPO)، نُشر العام 2012 تحت عنوان "التصوير المصوَّر للنبي محمد"، بقلم المؤرخة المستشرقة فانيسا فان رنترغيم (Van Renterghem). بحسب فان رنترغيم، القرآن لا يحرّم البتة تصوير الهيئات الحيوانية والإنسانية، إنما هو يشجب فقط العبادة الوثنية وينهى في هذا الإطار عن تمثل الذات الإلهية من خلال الأصنام والرسوم في طقوس العبادة.
في المقابل، نجد في كتب السيرة والحديث مواضع أبدى فيها النبي تحفظه حيال تصوير الهيئات الإنسانية والحيوانية، كمثل قوله أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صور من هذا النوع. ويذكِّر مؤرّخ الأديان إيريك كاكبو (Cakpo) في مجلة "نوفيل أوبسيرفاتور" بأنه، وفي مواضع أخرى من السيرة، يبدي النبي تسامحاً وتساهلاً مدهشاً في هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال، في كتاب السيرة الأقدم الذي وصل إلينا، يرد أن النبي محمد، وحين دخل ظافراً إلى الكعبة، وجد جدرانها مليئة بالرسوم، فأمر عندها الصحابة بمحوها كلها، باستثناء رسم واحد طلب منهم الحفاظ عليه لأنه يصوّر مريم العذراء والمسيح الطفل (يورد كاكبو حديثاً للداعية يوسف القرضاوي يستشهد فيه بهذا المقطع).
وتورد فان رنترغريم عن أحوال الصورة في الاسلام، إنه، وبينما كانت الإمبراطورية الإسلامية الفتية في طور التشكل، سرعان ما تم استبعاد صور الهيئات الإنسانية والحيوانية من المساجد، لكن من دون أن يشمل ذلك الزخارف الزهورية (نسبةً إلى الزهور) والتجريدية، الأمر الذي يشهد عليه مسجد الأمويين في دمشق المبني قي بداية القرن الميلادي الثامن.
وعلى رغم تباين آراء المشرّعين في هذا الشأن، بدا الشرع الإسلامي الوليد بمجمله، في مطلع القرن الثامن، متحفظاً حيال تصوير الهيئات الإنسانية والحيوانية، لكن هذا التحفظ اقتصر على دور العبادة، بينما بقي هذا الصنف من الصور، بما في ذلك رسوم النساء العاريات التي تملأ جدران قصور الأمويين (قصر عمرة في الأردن على سبيل المثال). نجد كذلك أن صوراً من هذا النوع تزين غالباً الأواني والأدوات المنزلية التي تعود إلى العصور الوسطى الإسلامية. لاحقاً وابتداءً من القرن الثاني عشر، ولد في في العالم الإسلامي (في بلاد ما بين النهرين تحديداً)، وازدهر، فن الكتب والمخطوطات المشروحة بالصور. هذا الفن خلّف إرثاً ضخماً من الكتب الأدبية والعلمية المصورة، وبينها عدد كبير من الكتب التي تروي سير الأنبياء وتحوي رسوماً تمثل النبي محمد بوجه مكشوف في كل مراحل حياته، قبل النبوة وبعدها.
الرسامون المسلمون التزموا غالباً بالسمات الجسدية التي تنسبها كتب السيرة وكتاب الشمائل إلى النبي محمد. في هذه الرسوم، يظهر النبي غالباً بصورة رجل متوسط العمر، أحمر الوجنتين، ذقنه مشذبة وممشطة بعناية، يضع عمامة وتتدلى أحياناً خصلتان من الشعر على جبينه. الرسوم تظهره غالباً مع مريديه وأفراد من عائلته محاطاً بهالة من النار أو النور، ورسوم أخرى أقل عدداً تظهره في مراهقته ومراحل أخرى سابقة على النبوة من حياته. لكن، ومن القرن السادس عشر فصاعداً، قل تدريجياً عدد الرسوم التي تصور النبي كما درجت تقنية أيقونية جديدة تقوم على تغطية وجهه بحجاب أو شعلة (ويلفت الباحث كاكبو نظرنا إلى حضور التقنية نفسها في الفن اليهودي).
من الملفت أن المؤرخين الغربيين يميلون إلى أن رجال الدين لا علاقة لهم بهذا التحول. مؤرخة الفن كريستيان غروبر (Gruber)، تعيد هذه الظاهرة إلى انتشار النزعة إلى التجريد كانعكاس للمقاربة الصوفية التي تحيل النبي إلى النور النبوي بصفته تجلياً للنور الرباني تعجز أمامه مَلَكة التصور. هذه الأفكار نمت في إيران الصفوية، وحضرت على نحو واسع في الشعر الفارسي خلال تلك الحقبة. ويخلص المؤرخون الغربيون إلى أن الفقهاء المسلمون لم يتبنوا هذه الموضة الفنية أو يتخذوا موقفاً من تصوير النبي إلا في العصر الحديث. يشير هؤلاء كذلك إلى اختلاف الموقف من المسألة بين السنة والشيعة، ففي حين يميل الإسلام السني إلى التشدد في الموضوع، ليس من النادر أن تظهر في شوارع طهران، أيام عشوراء، رسوم للنبي محمد والإمام الحسين، كما أن الموقع الإلكتروني للمرجع الشيعي علي الحسيني السيستاني يبيح تصوير الأنبياء، شرط ألا تسيء الصور إليهم وألا تُستعمل في طقوس العبادة.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن المؤرخين الغربيين لا يرمون إلى محاججة الفقهاء المسلمين، بل كلامهم موجه أساساً إلى الجمهور الغربي الذي يحاول تهذيب صوره النمطية. لكن كاكبو، وإن كان لا ينكر حق الفقهاء في تحريم وتحليل ما يشاؤون، فهو يتمنى عليهم، وخصوصاً على المقيمين منهم في "ديار الكفار"، التوضيح بأن التحريم لا يعني غير المؤمنين به من المسلمين ولا يجوز فرضه على الآخرين...
في المقابل، نجد في كتب السيرة والحديث مواضع أبدى فيها النبي تحفظه حيال تصوير الهيئات الإنسانية والحيوانية، كمثل قوله أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صور من هذا النوع. ويذكِّر مؤرّخ الأديان إيريك كاكبو (Cakpo) في مجلة "نوفيل أوبسيرفاتور" بأنه، وفي مواضع أخرى من السيرة، يبدي النبي تسامحاً وتساهلاً مدهشاً في هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال، في كتاب السيرة الأقدم الذي وصل إلينا، يرد أن النبي محمد، وحين دخل ظافراً إلى الكعبة، وجد جدرانها مليئة بالرسوم، فأمر عندها الصحابة بمحوها كلها، باستثناء رسم واحد طلب منهم الحفاظ عليه لأنه يصوّر مريم العذراء والمسيح الطفل (يورد كاكبو حديثاً للداعية يوسف القرضاوي يستشهد فيه بهذا المقطع).
وتورد فان رنترغريم عن أحوال الصورة في الاسلام، إنه، وبينما كانت الإمبراطورية الإسلامية الفتية في طور التشكل، سرعان ما تم استبعاد صور الهيئات الإنسانية والحيوانية من المساجد، لكن من دون أن يشمل ذلك الزخارف الزهورية (نسبةً إلى الزهور) والتجريدية، الأمر الذي يشهد عليه مسجد الأمويين في دمشق المبني قي بداية القرن الميلادي الثامن.
وعلى رغم تباين آراء المشرّعين في هذا الشأن، بدا الشرع الإسلامي الوليد بمجمله، في مطلع القرن الثامن، متحفظاً حيال تصوير الهيئات الإنسانية والحيوانية، لكن هذا التحفظ اقتصر على دور العبادة، بينما بقي هذا الصنف من الصور، بما في ذلك رسوم النساء العاريات التي تملأ جدران قصور الأمويين (قصر عمرة في الأردن على سبيل المثال). نجد كذلك أن صوراً من هذا النوع تزين غالباً الأواني والأدوات المنزلية التي تعود إلى العصور الوسطى الإسلامية. لاحقاً وابتداءً من القرن الثاني عشر، ولد في في العالم الإسلامي (في بلاد ما بين النهرين تحديداً)، وازدهر، فن الكتب والمخطوطات المشروحة بالصور. هذا الفن خلّف إرثاً ضخماً من الكتب الأدبية والعلمية المصورة، وبينها عدد كبير من الكتب التي تروي سير الأنبياء وتحوي رسوماً تمثل النبي محمد بوجه مكشوف في كل مراحل حياته، قبل النبوة وبعدها.
الرسامون المسلمون التزموا غالباً بالسمات الجسدية التي تنسبها كتب السيرة وكتاب الشمائل إلى النبي محمد. في هذه الرسوم، يظهر النبي غالباً بصورة رجل متوسط العمر، أحمر الوجنتين، ذقنه مشذبة وممشطة بعناية، يضع عمامة وتتدلى أحياناً خصلتان من الشعر على جبينه. الرسوم تظهره غالباً مع مريديه وأفراد من عائلته محاطاً بهالة من النار أو النور، ورسوم أخرى أقل عدداً تظهره في مراهقته ومراحل أخرى سابقة على النبوة من حياته. لكن، ومن القرن السادس عشر فصاعداً، قل تدريجياً عدد الرسوم التي تصور النبي كما درجت تقنية أيقونية جديدة تقوم على تغطية وجهه بحجاب أو شعلة (ويلفت الباحث كاكبو نظرنا إلى حضور التقنية نفسها في الفن اليهودي).
من الملفت أن المؤرخين الغربيين يميلون إلى أن رجال الدين لا علاقة لهم بهذا التحول. مؤرخة الفن كريستيان غروبر (Gruber)، تعيد هذه الظاهرة إلى انتشار النزعة إلى التجريد كانعكاس للمقاربة الصوفية التي تحيل النبي إلى النور النبوي بصفته تجلياً للنور الرباني تعجز أمامه مَلَكة التصور. هذه الأفكار نمت في إيران الصفوية، وحضرت على نحو واسع في الشعر الفارسي خلال تلك الحقبة. ويخلص المؤرخون الغربيون إلى أن الفقهاء المسلمون لم يتبنوا هذه الموضة الفنية أو يتخذوا موقفاً من تصوير النبي إلا في العصر الحديث. يشير هؤلاء كذلك إلى اختلاف الموقف من المسألة بين السنة والشيعة، ففي حين يميل الإسلام السني إلى التشدد في الموضوع، ليس من النادر أن تظهر في شوارع طهران، أيام عشوراء، رسوم للنبي محمد والإمام الحسين، كما أن الموقع الإلكتروني للمرجع الشيعي علي الحسيني السيستاني يبيح تصوير الأنبياء، شرط ألا تسيء الصور إليهم وألا تُستعمل في طقوس العبادة.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن المؤرخين الغربيين لا يرمون إلى محاججة الفقهاء المسلمين، بل كلامهم موجه أساساً إلى الجمهور الغربي الذي يحاول تهذيب صوره النمطية. لكن كاكبو، وإن كان لا ينكر حق الفقهاء في تحريم وتحليل ما يشاؤون، فهو يتمنى عليهم، وخصوصاً على المقيمين منهم في "ديار الكفار"، التوضيح بأن التحريم لا يعني غير المؤمنين به من المسلمين ولا يجوز فرضه على الآخرين...