أميركا اللاتينية والعالم في وداع 'غابو'
ليست أكثر من أيام قليلة تلك التي قضاها غبريال غارسيا ماركيز في منزله بعد خروجه من المستسفى التي أُبقي فيها لثمانية أيام. كان من وصفوا حاله، لدى خروجه، قد قالوا بأنها هشة وأنه قابل للسقوط من جديد في مرضه. على أيّ حال كانت صحّته قد بدأت بالتراجع منذ سنوات، ما اضطرّه إلى التوقّف عن الكتابة، وقد شاع آنذاك أنّه فاقد التركيز وصار غافلا عن أحداث تجري حوله.
ربما يشكّل رحيله حدثا أدبيا غير مسبوق، لا في بلدان أميركا اللاتينية وحدها، بل في العالم أيضا. الرئيس الأميركي باراك أوباما أسرع إلى إعلان أسفه لرحيله قائلا إن العالم "فقد واحدا من أكثر الروائيين سعة رؤية"، وأنّ كتاباته "ستستمرّ ملهمة للعديد من الأجيال المقبلة". وقد ذكر أوباما أنّه حصل على "مئة عام من العزلة"، الرواية الأشهر بين مؤلّفات ماركيز، هدية تسلّمها من كاتبها.
الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، كتب أمس عبر "تويتر"، مستعيدا عنوان تلك الرواية: "ألف سنة من العزلة والحزن لموت الكولومبي الأعظم في كلّ زمان". أما رئيس المكسيك التي جعلها ماركيز منذ سنوات مكان إقامته، وهو توفّي فيها، فوصفه بأنه "أحد أهم كتّاب عصرنا".
لم يُتح لكاتب ربما أن حقّق مكانة مماثلة في حياته. ظلّت صداقة ماركيز مع فيديل كاسترو مستمرّة لعقود، ولطالما حثّه كاسترو على التقدّم لرئاسة بلده كولومبيا. كما كان صديقا لبيل كلينتون وللرئيس الفرنسي فريدريك ميتران، كما قال بنفسه، متعدّيا هكذا ما يشكّل الجوهر السياسي الذي تقوم عليه كتبه. يُذكر هنا أنّ الولايات المتحدة حجبت عنه تأشيرة الدخول إليها بسبب مواقفه السياسية.
"سنتذكّر حياتك، عزيزي غابو" (وهو الإسم الذي يعرف به في بلدان أميركا اللاتينية) قالت المغنية شاكيرا إثر سماعها خبر وفاته، واصفة إيّاه بكونه "هبة فريدة لا تتكرّر أبدا".
إنّه يوم حداد في أميركا اللاتينية كلها، وكذلك في أوساط العالم الأدبية على اختلافها، مؤيّدة لواقعيّته السحرية أو متحفّظة حيالها، من دون الإنكار لأهمّية ما أنجزه فيها. ذاك أنّ الجميع يقرّ بأنّه رفع الأدب إلى ما يتعدّى السقوف التي أبقيت تحتها الجوانب التأملّية والتخيّلية من حياة الأفراد. بعض عارفيه رأوا أنّ حصّة شخصه من الشهرة المستحقَّة له تكاد تعادل حصّة أدبه. ربما ارتكز هؤلاء القائلون إلى ما قرأوه في مذكّراته، وهو الأضخم عدد صفحات من جميع كتبه الأخرى؛ أو ربما كان هو، بشخصه، حاملا لذلك الجوهر الذي تمكن قراته من النظر إلى صوره الكثيرة، تلك التي يبدو فيها رجلا جديدا من أخلاف أبطال رواياته القديمين.
حين كان ماركيز يعالج في المستشفى منذ أيام، كتبتُ مقالاً عن حياته وأدبه بعنوان "غارسيا ماكيز.. ساحر أميركا اللاتينية"، أعيد نشره الآن:
حين كان غابريال غارسيا ماركيز قابعا في المستشفى بمكسيكو سيتي منذ نحو عشرة أيام، أجرت الصحف، في العالم كلّه كما يبدو، تغطية للحدث، متهيّئة لتحضير ملفّات كانت قد أعدّتها عنه. من الصحف هذه ما ذكر أنّ كتابه "مئة عام من العزلة" كان أكثر الكتب انتشاراً، باللغة الإسبانية، بعد الكتاب المقدّس. منها ما ذكر أنّ ماركيز أهم كاتب في اللغة الإسبانية بعد سرفانتس صاحب "دون كيشوته" الذي يعدّه النقاد المؤرّخون العمل الروائي الأول، المؤسّس لفن الرواية. أما في ما يتعدّى مكانة ماركيز في البلدان الناطقة بالإسبانية، فقد ترجمت "مئة عام من العزلة" إلى لغات العالم الكثيرة وقد ذكر أنّه قد بيع منها ما يقرب من خمسين مليون نسخة.
قبل روايته هذه، التي صدرت العام 1967، كان قد كتب ق�%
ربما يشكّل رحيله حدثا أدبيا غير مسبوق، لا في بلدان أميركا اللاتينية وحدها، بل في العالم أيضا. الرئيس الأميركي باراك أوباما أسرع إلى إعلان أسفه لرحيله قائلا إن العالم "فقد واحدا من أكثر الروائيين سعة رؤية"، وأنّ كتاباته "ستستمرّ ملهمة للعديد من الأجيال المقبلة". وقد ذكر أوباما أنّه حصل على "مئة عام من العزلة"، الرواية الأشهر بين مؤلّفات ماركيز، هدية تسلّمها من كاتبها.
الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، كتب أمس عبر "تويتر"، مستعيدا عنوان تلك الرواية: "ألف سنة من العزلة والحزن لموت الكولومبي الأعظم في كلّ زمان". أما رئيس المكسيك التي جعلها ماركيز منذ سنوات مكان إقامته، وهو توفّي فيها، فوصفه بأنه "أحد أهم كتّاب عصرنا".
لم يُتح لكاتب ربما أن حقّق مكانة مماثلة في حياته. ظلّت صداقة ماركيز مع فيديل كاسترو مستمرّة لعقود، ولطالما حثّه كاسترو على التقدّم لرئاسة بلده كولومبيا. كما كان صديقا لبيل كلينتون وللرئيس الفرنسي فريدريك ميتران، كما قال بنفسه، متعدّيا هكذا ما يشكّل الجوهر السياسي الذي تقوم عليه كتبه. يُذكر هنا أنّ الولايات المتحدة حجبت عنه تأشيرة الدخول إليها بسبب مواقفه السياسية.
"سنتذكّر حياتك، عزيزي غابو" (وهو الإسم الذي يعرف به في بلدان أميركا اللاتينية) قالت المغنية شاكيرا إثر سماعها خبر وفاته، واصفة إيّاه بكونه "هبة فريدة لا تتكرّر أبدا".
إنّه يوم حداد في أميركا اللاتينية كلها، وكذلك في أوساط العالم الأدبية على اختلافها، مؤيّدة لواقعيّته السحرية أو متحفّظة حيالها، من دون الإنكار لأهمّية ما أنجزه فيها. ذاك أنّ الجميع يقرّ بأنّه رفع الأدب إلى ما يتعدّى السقوف التي أبقيت تحتها الجوانب التأملّية والتخيّلية من حياة الأفراد. بعض عارفيه رأوا أنّ حصّة شخصه من الشهرة المستحقَّة له تكاد تعادل حصّة أدبه. ربما ارتكز هؤلاء القائلون إلى ما قرأوه في مذكّراته، وهو الأضخم عدد صفحات من جميع كتبه الأخرى؛ أو ربما كان هو، بشخصه، حاملا لذلك الجوهر الذي تمكن قراته من النظر إلى صوره الكثيرة، تلك التي يبدو فيها رجلا جديدا من أخلاف أبطال رواياته القديمين.
حين كان ماركيز يعالج في المستشفى منذ أيام، كتبتُ مقالاً عن حياته وأدبه بعنوان "غارسيا ماكيز.. ساحر أميركا اللاتينية"، أعيد نشره الآن:
حين كان غابريال غارسيا ماركيز قابعا في المستشفى بمكسيكو سيتي منذ نحو عشرة أيام، أجرت الصحف، في العالم كلّه كما يبدو، تغطية للحدث، متهيّئة لتحضير ملفّات كانت قد أعدّتها عنه. من الصحف هذه ما ذكر أنّ كتابه "مئة عام من العزلة" كان أكثر الكتب انتشاراً، باللغة الإسبانية، بعد الكتاب المقدّس. منها ما ذكر أنّ ماركيز أهم كاتب في اللغة الإسبانية بعد سرفانتس صاحب "دون كيشوته" الذي يعدّه النقاد المؤرّخون العمل الروائي الأول، المؤسّس لفن الرواية. أما في ما يتعدّى مكانة ماركيز في البلدان الناطقة بالإسبانية، فقد ترجمت "مئة عام من العزلة" إلى لغات العالم الكثيرة وقد ذكر أنّه قد بيع منها ما يقرب من خمسين مليون نسخة.
قبل روايته هذه، التي صدرت العام 1967، كان قد كتب ق�%