عاملة البورنو الفلسفي
من هم شغيلة الفلسفة الحاليين في فرنسا؟ وهل لهؤلاء الدور نفسه الذي تمتعت به الأجيال السابقة عليهم؟ ثم كيف ينظرون هم إلى هذا الدور، لا سيما بعد الكلام الكثير على توقف باريس عن التفلسف، واحتضار "النظرية الفرنسية"؟
ترفض أوفيدي (Ovidie وهو الاسم-اللقب الذي لا يُعرف لها غيره) أن توصف بـ"الفيلسوفة" فقط. هي أساساً "عاملة جنس"، كما تكتب في بداية المانيفستو، الذي نشرته دفاعاً عن البورنوغرافيا. إذ أن ممارسة الحب تحثها على طرح إستفهامات متعلقة بأكثر من مضمار جسدي وفكري. فيوم قررت أوفيدي (ليل، شمال فرنسا، 1980) توزيع نشاطها بين التمثيل والإخراج والكتابة، كانت تعرف أنها ستواجه ثقافة صلبة من الأجوبة الجاهزة والقاطعة.
لذا، تسلحت بالفلسفة، التي درستها أكاديمياً، قبل أن تفارقها إلى "براكسيس" جنسي، تداوم، بفعله، على استنباط بعض المسارات، التي تفيد المرأة في معاركها المتواصلة. فعاملة الجنس، التي كانت يساريةً راديكالية ً ذات يوم، تنتسب إلى الجيل الرابع من النسويات، وتبرع في الدعوة إلى جنوسية جديدة، تستند إلى التربية المفتوحة من جهة، وإلى احترام البورنو من جهة أخرى، وذاك، من أجل الوصول إلى قمم حرة من التمتع والتلذذ.
لم تفصل أوفيدي بين تمثيلها وفلسفتها، بحيث أنها مارستهما بالتوازي، حتى اليوم، الذي اختارت فيه الوقوف وراء الكاميرا، كمخرجة، بدل التحرك أمامها، كممثلة. لكنها، استمرت في نضالها البورنوغرافي، باحثة ً عن دلالاته غير النمطية، التي لا تظّهر الأفلام الجنسية كأنها مجرد أشرطة للإستمناء، تؤدي إلى إشباع حاجة المشاهد، ومن ثم إبعاده عن الواقع، كارهاً النساء، وقامعاً دوافعه. على العكس، تحاول العاملة الإنتهاء من إرث شيطنة الجنس، الذي قالت المسيحية فيه، مثلما، تسعى إلى الحد من تسخيف الجنس، الذي باشرته أنماط معينة من فيديوات البورنو، حيث الجسد أملس، نضر، ومختصر بثقوبه، التي تبتلعه، وتؤلف مخارج ومداخل نشوته.
بعد الحلقات الماضية، عن تريستان غارسيا، ومهدي بلحاج قاسم، ومكسانس كارون، وفيلياس فوغ، , وفرنسيس ميتفييه، هنا الحلقة السادسة من سلسلة مقالات أسبوعية ستسعى إلى الإجابة عن هذه الإستفهامات بإستعراض تجارب عدد من الفلاسفة الشباب في فرنسا، الذين إما يمارسون الفلسفة أكاديمياً، أو على سجاياهم غير التخصصية.
ترفض أوفيدي (Ovidie وهو الاسم-اللقب الذي لا يُعرف لها غيره) أن توصف بـ"الفيلسوفة" فقط. هي أساساً "عاملة جنس"، كما تكتب في بداية المانيفستو، الذي نشرته دفاعاً عن البورنوغرافيا. إذ أن ممارسة الحب تحثها على طرح إستفهامات متعلقة بأكثر من مضمار جسدي وفكري. فيوم قررت أوفيدي (ليل، شمال فرنسا، 1980) توزيع نشاطها بين التمثيل والإخراج والكتابة، كانت تعرف أنها ستواجه ثقافة صلبة من الأجوبة الجاهزة والقاطعة.
لذا، تسلحت بالفلسفة، التي درستها أكاديمياً، قبل أن تفارقها إلى "براكسيس" جنسي، تداوم، بفعله، على استنباط بعض المسارات، التي تفيد المرأة في معاركها المتواصلة. فعاملة الجنس، التي كانت يساريةً راديكالية ً ذات يوم، تنتسب إلى الجيل الرابع من النسويات، وتبرع في الدعوة إلى جنوسية جديدة، تستند إلى التربية المفتوحة من جهة، وإلى احترام البورنو من جهة أخرى، وذاك، من أجل الوصول إلى قمم حرة من التمتع والتلذذ.
لم تفصل أوفيدي بين تمثيلها وفلسفتها، بحيث أنها مارستهما بالتوازي، حتى اليوم، الذي اختارت فيه الوقوف وراء الكاميرا، كمخرجة، بدل التحرك أمامها، كممثلة. لكنها، استمرت في نضالها البورنوغرافي، باحثة ً عن دلالاته غير النمطية، التي لا تظّهر الأفلام الجنسية كأنها مجرد أشرطة للإستمناء، تؤدي إلى إشباع حاجة المشاهد، ومن ثم إبعاده عن الواقع، كارهاً النساء، وقامعاً دوافعه. على العكس، تحاول العاملة الإنتهاء من إرث شيطنة الجنس، الذي قالت المسيحية فيه، مثلما، تسعى إلى الحد من تسخيف الجنس، الذي باشرته أنماط معينة من فيديوات البورنو، حيث الجسد أملس، نضر، ومختصر بثقوبه، التي تبتلعه، وتؤلف مخارج ومداخل نشوته.
إستمتاع غير ذكري
خلال الحوار، الذي دار بين أوفيدي وأندريه كونت-سبونفيل (مجلة فيلوماغازين-عدد 67)، تتنتقد فيلسوفة البورنوغرافيا بعض المقولات السائدة حيال ممارسة الجنس، منطلقةً، بذلك، من تجربتها الخاصة، للرد على القديس أوغسطينوس، وإقصائه الجنس، وعلى راينز ماريا ريلكه، وكلامه عن إنسانية المرأة مقارنة مع الرجل. بالنسبة لأوفيدي، لا تستمتع المرأة بجسد الآخر، خلال ممارسة الجنس، بل أنها تتلذذ معه.
بالتالي، لا تستقر العلاقة بينهما على "لعبة صغيرة بين ذات وموضوع"، أي على معادلة ذكرية، تفيد أن الإنتهاك سبيل إلى التمتع، رغم تفاوت القدرة على التلذذ بين المرأة والرجل، والذي يؤدي إلى تصيير الأولى فانتاسم عنيف في مخيلة الثاني. فلا تحضر الإنسانية خلال ممارسة الجنس، بل الأنانية، التي تظلم الرجل، وتضعفه في بعض الأحيان. هذا، ومَن يعتقد في تلك "اللعبة الصغيرة" هو إما مدمن على قراءة جورج باتاي، أو من الجاهلين بنشوء جيل نسوي رابع، همّه الرئيسي هو إتاحة اللذة أمام المرأة، عبر طرق وتصنيفات غير ذكرية البتة، بحيث لا ينتج السير فيها حقداً على الرجال.
بالتالي، لا تستقر العلاقة بينهما على "لعبة صغيرة بين ذات وموضوع"، أي على معادلة ذكرية، تفيد أن الإنتهاك سبيل إلى التمتع، رغم تفاوت القدرة على التلذذ بين المرأة والرجل، والذي يؤدي إلى تصيير الأولى فانتاسم عنيف في مخيلة الثاني. فلا تحضر الإنسانية خلال ممارسة الجنس، بل الأنانية، التي تظلم الرجل، وتضعفه في بعض الأحيان. هذا، ومَن يعتقد في تلك "اللعبة الصغيرة" هو إما مدمن على قراءة جورج باتاي، أو من الجاهلين بنشوء جيل نسوي رابع، همّه الرئيسي هو إتاحة اللذة أمام المرأة، عبر طرق وتصنيفات غير ذكرية البتة، بحيث لا ينتج السير فيها حقداً على الرجال.
وفي السياق هذا، كانت عاملة البورنو قد شاركت فرنسيس ميتفييه في تأليف كتاب "جنس وفلسفة" (2012)، الذي يتمحور حول كيفية شرح وضعيات اللذة الجنسية بالإرتكاز على النظريات الفلسفية. ذاك، بهدف تخطي العائق الذي يفرق بين فعليّ التفلسف والتلذذ، لا سيما أنه حاضر في الوعي العام، أي أنه يشنج الكثيرين، ويمنع الإبتهاج عنهم، بحجة التعارض بين التفكر وممارسة الحب. فمن الضروري أن يربط، من هذه الناحية، بين وضعيات الكماسوطرا وتفلسفات نيتشه وروسو وغيرهم. فوضعية "أندروماك"، تذكر بـ"الإنسان المتفوق" عند نيتشه، ووضعية "69"، تذكر بالعقد الإجتماعي عند روسو، أما "اللعب الجنسية"، فعندها صلة بنظريات هايدغر حول التقنية، وقد خصصت لها الفيلسوفة كتاباً خاصاً، "إقدموا على اللعب الجنسية" (2008).
بورنو بلا أشباح
من ناحية أخرى، تدعو الفيلسوفة في "مانيفست البورنو" (2001) إلى التأسيس لبورنوغرافيا بديلة، غير تلك الميكانيكية، التي تصور الأجساد على أنها مجرد آلات تبغي المضاجعة بهدف بلوغ النشوة مباشرة ً. فالبورنو التجاري، يبدو منزوع السياقات في الكثير من الأحيان. وعلى هذا الأساس، أخرجت أوفيدي الكثير من الأفلام الجنسية بأسلوب جديد، لا علاقة له بطريقة أشرطة الـ"POV"، أي التي تخفي جسم الرجل، لكنها، تبيّن أعضائه التناسلية، التي تعنف المرأة، وتعذبها، كما لو أنها تعوض غياب وجه الذكر بقساوته الجنسية. وقد استنتدت في إخراجها الجديد على تطورات معينة في تاريخ البورنو، كتصوير الرعشة عام 1981 (أني سبرنكل) وإنتاج الأفلام الجنسية المتخصصة بحياة الزوجين عام 1990 (لارس فون ترايير).
ترغب أوفيدي في ابتكار بورنوغرافيا واقعية، وليس حلمية أو شبحية، بحيث تكون ممارسة الجنس، التي تظهر في الأفلام، جزءاً أساسياً من سردية معينة. بالتالي، يولد الجنس بفعل القصة، ولا يقع بشكل غير ملائم، أو مفاجئ، كما لو أنه هو الغاية بحد ذاتها، وليس سبيلاً إيروتيكياً، يحقق اللذة، لكنه، وفي الوقت عينه، يكمل سرد الأجساد أيضاً. فأفلام البورنو السائدة هي أشبه بأشرطة التشريح، حيث يُربط بين الشق والمتعة، فلا يمكن إشباع الرغبة بسوى التمزيق والقطع، القاسيين أو الهادئين.
كأن البورنو هذا يشرع إيديولوجيا الكبت، ويشجع على ترك الدوافع والغرائز مدفونة داخل الجسم، الذي لو قرر صاحبها تفليتها سيؤدي ذلك إلى هلاكه. فالبورنوغرافيا الحلمية تثير قمعياً، على خلاف البورنو الواقعي، الذي يثير بالتحرير والتخفيف، ودفع المشاهد إلى اشتهاء الآخر، لا الحقد عليه. ففوق الجلود، وبين الأعضاء، تكمن اللذة، التي ما أن تتحرك، حتى يبدأ الجسد بطرح الإستفهامات على جسد الغير. بعد ذلك، تبدو ممارسة الجنس عملاً فلسفياً، لا مناص من انجازه، كي يبلغ المرء نشوة النشوة. لذا، لا فرق إن كانت أوففيدي فيلسوفة أم شغيلة جنس، ما دام، في الحالتين، ستتفلسف بجسدها، حتى تنتعظ.
بيبلوغرافيا ناشئة
فضلاً عن أفلامها البورنوغرافية، ومداخلاتها الإذاعية حول الجنس، ألفت أوفيدي أكثر من عشرين كتاب، أبرزها: "نؤمن بالجنس" (2004)، "الأجساد في أفلام إكس" (2005)، "الجنوسية النسائية" (2010)، "الهيبي الجيد هو الهيبي الميت" (2012)، "قصص غير معترف بها" (2013). كما كتبت أوفيدي توطئة "النسوية والبورنوغرافيا" لديفيد كوربه (2012).