حلب: مدينة الباب بين لعنة الجغرافيا وأطماع الفصائل!
توتر جديد تشهده مدينة الباب الخاضعة لسيطرة المعارضة، في ريف حلب الشرقي، بسبب إعادة افتتاح معبر أبو الزندين، الواصل بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة الجيش الوطني المعارض.
ومنذ الإعلان عن الافتتاح الأحد الماضي، تجدد الجدل حول هذه الخطوة في أوساط الثورة، بين من يراها مفيدة اقتصادياً، وبين من يؤكد أنها ذات مخاطر سياسية كبيرة.
لكن اعتباراً من الاثنين، انتقل التوتر إلى الأرض، مع نصب مجموعة من أبناء مدينة الباب خيمة اعتصام على الطريق "إم-4"، بالقرب من المعبر، قبل أن يتوجه رتل سيارات من بلدة مارع للمشاركة فيه، لكن لدى دخولهم مدينة الباب حصل احتكاك مع مجموعة من أبناء المدينة.
وأكد مصدر محلي لـ"المدن" أن سبب الاعتراض هو دخول الرتل القادم من مارع بطريقة توحي بالتحدي لأهل الباب وليس للجهات التي قررت فتح المعبر. وبالنظر إلى أن مدينة الباب عاشت باستمرار توترات عشائرية ومناطقية، كانت تترجم فصائلياً من خلال إرسال الأرتال المسلحة التي تقتحم المدينة، فقد اعتزل أكثر سكانها الخلافات التي باتوا يعتقدون أنها مفتعلة غالباً، أو يتم استغلالها من قبل القادة والفصائل المتنافسة.
غياب المرجعية الثورة
ويرى الناشط مالك أبو عبيدة، وهو مقيم في مدينة الباب، أن "ما يحصل سببه غياب المرجعية والتي تمثل الثورة، ما سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من الخلافات".
وأضاف في تصريح لـ"المدن"، هناك انقساماً بين من يرى أن فتح المعبر ضرورة اقتصادية للمناطق المحررة، وفريق آخر يحذر من التداعيات السياسية لهذه الخطوة، وكلا الطرفين لديه مبررات منطقية، لكن للأسف التعاطي مع الأمر يتم بطريقة متشجنة، ما يهدد بتوتر جديد في مدينة الباب التي عانت الكثير بسبب الخلافات خلال السنوات الماضية.
وبعد دخول رتل من أبناء مدينة مارع، من عسكريين ومدنيين إلى الباب، لمحاولة إغلاق معبر أبو الزندين، بدأ الوضع يحتدم بينهم، وبين بعض الفصائل والشرطة العسكرية في المدينة، إثر استقدام الأخيرة تعزيزات إلى المعبر.
ويوضح أبو عبيدة أن سبب هذا التخبط "هو غياب المرجعية الثورية الموحدة التي تتخذ القرارات أو ترفضها بناء على مصلحة المنطقة والثورة، وأن استمرار غياب هذه المرجعية سيزيد من التخبط والصراعات البينية بالضرورة".
معاناة مستمرة
لكن البعض من أهالي مدينة الباب يذهبون أبعد من ذلك، ويرون أن ما حصل أخيراً هو حلقة من مسلسل معاناة المدينة المستمر منذ تحريرها من تنظيم داعش عام 2017، على يد الجيش الوطني والجيش التركي، في "عملية درع الفرات".
ويعتقد هؤلاء أن الباب، التي تُعتبر ثاني أكبر مدينة في ريف حلب بعد منبج، والتي تضاعف عدد سكانها ليصل إلى أكثر من 500 ألف نسمة، عانت من استقطابات الفصائل التي تخفي تنافس قادتها خلف رداءات المناطقية والعشائرية، والذين يستغلون أي حادثة أو مناسبة من أجل تحقيق مكاسب خاصة، ما أدى في كثير من الأحيان إلى أزمات دفعت ثمنها المدينة وسكانها، من ضمنهم النازحون إليها.
أزمة المعبر
لكن أحد الناشطين من أبناء المدينة استبعد حصول أي تصعيد هذه المرة، لأن جميع الفصائل وافقت على فتح المعبر بعد اللقاءات مع الجانب التركي بهذا الخصوص، وآخرها الذي جرى في حوار كليس قرب إعزاز، نهاية الأسبوع الماضي.
الناشط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال إن "طرفين فقط يقفان خلف الاعتصام الذي انطلق قرب المدينة احتجاجاً على فتح معبر أبو الزندين، وهما حزب التحرير، وفصيل أحرار عولان، التابع لحركة أحرار الشام، التشكيل الذي كان أحد أكثر الأطراف انخراطاً في التوترات التي شهدتها الباب، خلال السنوات الماضية".
وكادت القوة التابعة للجبهة الشامية في المدينة، أن تشتبك الأسبوع الماضي، مع مقاتلين من "لواء أحرار الشرقية" بسبب خلاف عائلي، على الرغم من التحالف بين الفصيلين، فيما يكاد لا يوجد فصيل من الفصائل لم يخُض مواجهات بينية منذ سيطرة الجيش الوطني على الباب.
لعنة الجغرافيا
يتفق جميع الأطراف تقريباً على أن جغرافيا مدينة الباب، لعبت دوراً رئيسياً في هذه المعاناة، ومن ذلك إطلالتها على الطريق "إم-4"، الذي جعل المعبر مع مناطق سيطرة النظام على يقع على أطرافها.
بل إن هناك من يؤكد أن أحد عوامل الضغط التي مورست على المدينة مؤخراً، من أجل تسريع افتتاح هذا المعبر، هو تعمّد النظام قطع المياه عنها بشكل متكرر، رغم أن مجرى نهر الفرات ومحطات المياه تقع قريباً منها.
يتفق الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان على أن الباب دفعت ثمن موقعها الجغرافي، بالإضافة إلى تحملها أعباء عوامل أخرى.
ويقول لـ"المدن"، إن "وقوع الباب على جبهة ظلت حية مع النظام وهي جبهة بلدة تادف، بالإضافة إلى استضافتها النازحين من مختلف المناطق، جعلها محل تداخل فصائلي كبير".
ويشير علوان إلى مجاورة المدينة أيضاً لمعبر الحمران مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأطماع الجميع، بما في ذلك هيئة "تحرير الشام"، بتحقيق وجود لها هناك بسبب ذلك المعبر، ما تسبب بصراع مع "جيش الاسلام" في بلدة سوسان القريبة، ثم مع "الفيلق الثاني" لاحقاً، وقبلها المواجهات بين "الفيلق الثالث" و"القوة المشتركة"، وصولاً إلى السجال الحالي حول معبر أبو الزندين.
كل ذلك جعل سكان المدينة، كما يقول علوان، يشعرون بضغط وإرهاق شديد، الأمر الذي يصلح معه القول إن الباب التي كانت من أوائل المدن التي ثارت على النظام عام 2011، تدفع ثمن جغرافيتها بالدرجة الأولى، وكذلك محاولات مختلف القوى العسكرية فرض الهيمنة عليها.