دمشق: لا أحد يريد تأهيل "جسر الرئيس"
يواجه النظام السوري أزمة جديدة تتمثل بإحجام المستثمرين عن تعهد المشاريع العامة، في حالة يمكن وصفها بـ"الغرائبية"، في بلد كان الحصول فيه على عقد تنفيذ أي مشروع حكومي يتطلب رشىً كبيرة للمسؤولين، نظراً للأرباح الباهظة التي يجنيها المتعهدون من هذه المشاريع التي يُغيب الفساد، آليات الرقابة على مواصفاتها المطلوبة.
جسر الرئيس
جسر الرئيس
ومن الأمثلة على ذلك، مشروع تأهيل "جسر الرئيس حافظ الأسد"، وسط العاصمة دمشق، الذي طرحته محافظة دمشق للاستثمار 3 مرات، من دون أن يتقدم إليه أي مستثمر بعد.
ويربط الجسر المعروف بـ"جسر الرئيس"، بين منطقتي البرامكة وأبو رمانة، وتنوي الحكومة إعادة تأهيله والمنطقة أسفله على صعيد الأرصفة والأطراف، إضافة إلى أعمال التزفيت، وبناء مرافق خدمة، وتخصيص ركن مغلق لبيع الكتب، والعمل على الإنارة والدهان ومقاعد الجلوس، بكلفة تتجاوز 10 مليارات ليرة سورية.
وقبل أيام ضجّت منصات التواصل، بصور إزالة بسطات بيع الكتب القديمة، من تحت الجسر، والغرض "تجميل المكان" بحسب رواية النظام.
ونقلت وسائل إعلام تابعة للنظام عن مصدر من محافظة دمشق، تأكيده أن الأخيرة قد تقوم بأعمال التأهيل بنفسها وعلى نفقتها، في حال عجزت عن إيجاد مستثمر، وأرجعت ذلك إلى "عدم وجود جدية من المستثمرين لطرح مبالغ خلال هذه الفترة نظراً للأوضاع الاقتصادية الراهنة، علماً أن المشروع نوعي وحيوي ولا يتضمن أي مشكلة فنية على الإطلاق".
ويمكن، بحسب الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، الحديث عن جملة أسباب تفسر سبب امتناع المستثمرين عن تنفيذ المشاريع الحكومية، آخرها الأوضاع غير العادية التي تعيشها سوريا والمنطقة عموماً.
ويقول قضيماتي لـ"المدن"، إن القراءات الإخبارية لا تستبعد دخول سوريا على خط التصعيد الذي يشهده لبنان وغزة، وهذا يُعطي تفسيراً للحالة هذه، حيث يعمّ القلق والتوتر مناطق النظام، خصوصاً في دمشق القريبة من جبهة الجولان المحتل.
تحت المجهر
لكن طرح المشروع للاستثمار في المرة الأولى، جرى قبل أكثر من عام، أي عندما كانت المنطقة تشهد حالة هدوء باستثناء سوريا، ويفسر قضيماتي أن "الاستقرار السياسي يلعب دوراً هاماً في حسابات المستثمرين، وسوريا غير مستقرة منذ أكثر من عقد، بدلالة فشل النظام في جذب الاستثمارات الخارجية، والحال ينسحب على المستثمرين المحليين".
من جانب آخر، يلفت الباحث الاقتصادي إلى تخوف غالبية المستثمرين من الدخول في عقود استثمارية كبيرة، "تحسباً لوضعهم تحت مجهر النظام وأجهزته الأمنية"، موضحاً أن "النظام درج على ابتزاز المستثمرين والتجار، لتحصيل الأموال، والمشروع هنا في قلب العاصمة الحيوي".
فوضى اقتصادية
ويواجه الاقتصاد السوري أزمة خانقة، باعتراف النظام، الذي أقرّ بفشل السياسات الاقتصادية، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال زيادة العجز الحكومي، والتضخم الذي يُحكم الأسواق.
ويقول المراقب الاقتصادي منذر محمد لـ"المدن"، إن البيئة في سوريا عموماً وفي مناطق النظام تحديداً، لا تساعد المستثمرين في الأعمال الإنشائية على مزاولة العمل، لأن أسعار المواد ترتفع باستمرار، بسبب عدم استقرار الليرة، وأكلاف المواصلات المتغيرة بحسب مزاجية الحواجز، وتوفر المحروقات.
ويضيف أن "ثمة حسابات أخرى متعلقة بالرشى للأجهزة الأمنية، وهذا كله قد يحول أرباح المشروع إلى خسارة محققة".
واللافت من وجهة نظر محمد، هو تلويح محافظة دمشق بتنفيذ للمشروع على نفقتها الخاصة، متسائلاً: "هل تملك المحافظة الميزانية الكافية لتنفيذ هذا المشروع؟، أم إن المشروع يُفصل على مزاج شركة عامة تُدار من مقربين من عائلة الأسد".