الجولاني وملوك طوائف الشمال السوري
ما أشبه اليوم بالأمس؟ ما اشبه حال الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني التابع لما يسمى وزارة دفاع في حكومة تسمى مؤقتة، بحال ملوك الطوائف في الأندلس عندما كانت دويلاتهم متناحرة ومتحاربة في ما بينها من أجل السلطة والنفوذ، ويحيك أمراء وقادة تلك الدويلات كل منهم المؤامرات والدسائس لجيرانه من أبناء جلدته، ويستعينون بالقادة الصليبيين على بعضهم البعض، ويدفعون لهم الأموال الطائلة من أجل ذلك، حتى فتحوا لهم مداخل ومخارج ممالكهم للاستقواء بهم على إخوانهم، إلى أن وصل الحال بملك اشبيلية المعتمد بن عباد لعقد حلف مع ملك قشتالة ألفونسو لحمايته وحماية ملكه لقاء دفع جزية كبيرة جداً من الذهب الخالص.
وكأن الزمن يعيد نفسه مرة أخرى بين قائد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) أبو محمد الجولاني، وبين قادة التشكيلات العسكرية المحسوبة على الثورة السورية تحت مسمى الجيش الوطني، والذين على ما يبدو لم يعتبروا من مقولة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) ولم يتعظوا من ابتلاع جبهة النصرة مبكراً لأغلب فصائل الجيش الحر تحت ذرائع مختلفة، ابتداءً من جبهة ثوار سوريا في خريف عام 2014، حيث وقفت الفصائل الأخرى حينها متفرجة بل كان بعض قادتها شامتاً مسروراً، وربما قدم بعضها التسهيلات لتمكين النصرة من إزاحة منافس له، ليتكرر الأمر نفسه على مدار السنوات اللاحقة مع حركة حزم والفرقة \13\ وتجمع فاستقم كما أمرت وجيش المجاهدين وحركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وكتائب ثوار الشام وصقور الشام وفصائل أخرى بعضها كان حليف لهيئة تحرير الشام في وقت من الأوقات.
ما حصل في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2022 من تحالف فرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه مع هيئة تحرير الشام، واستقواء قادة الفرقتين بأبو محمد الجولاني، بل وصل الأمر بهم إلى حد دفع مبالغ مالية باهظة له لمناصرتهم ودخول المعركة الى جانبهم ضد الفيلق الثالث الذي يعتبر شريكهم في الجيش الوطني!
هذا التحالف والتنسيق شكل سابقة جديدة وخرق كبير لمنطقة عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات التي تعتبر المعقل الأساسي لفصائل الجيش الوطني، والتي لم يكن ليحلم الجولاني بموطئ قدم فيها من قبل، وقد تمكن من خلال هذا الخرق من كسر شوكة الفيلق الثالث الذي كان يعتبر التشكيل الأكبر والأقوى في الشمال السوري، وما كان للجولاني أن يحقق هذا النصر لولا تخاذل الحكومة المؤقتة ووزارة دفاعها وكثير من الفصائل التابعة لها والتي تمكن الجولاني من اختراقها وبناء تحالفات معها.
اليوم يتكرر نفس السيناريو مع الفصائل التي التزمت ظاهرياً الحياد في بغي هيئة الجولاني على الفيلق الثالث، ويهاجمها بعد أن تمكن -وهو قناص الفرص- من إدخال أعداد كبيرة من مقاتلي الهيئة إلى عقر دار تلك الفصائل تحت غطاء فزعة العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في محاولة للسيطرة على معبر الحمران بين مناطق سيطرة الجيش الوطني ومناطق سيطرة "قسد"، والاستحواذ على مناطق نفوذ على نقاط التماس المباشر معها، مستغلاً كعادته هشاشة تلك الفصائل وعدم وجود قيادة مركزية حقيقية لجميع فصائل الجيش الوطني، يكون بإمكانها وضع الخطط العسكرية للتصدي لهذا العدوان، بالإضافة الى عدم وجود الرغبة الحقيقية لدى مقاتليها في قتال الهيئة، لعدم ثقتهم بقادتهم الذين لا يعرفون إشكالهم إلا من خلال صور الولائم الفاخرة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي !
أما السبب الأهم لانكفاء بعص الفصائل وحتى عناصر الفصيل المعتدى عليه عن القتال، فهو الترويج الإعلامي الكبير لمعرفات هيئة تحرير الشام الرسمية وغير الرسميةـ أن هذه المعركة هي معركة معابر وسلطة ونفوذ بين القادة، لا ناقة بها لهم ولا جمل، وحديث "أنُقتل لتكبر الإمبراطورية المالية لهؤلاء القادة، ولا فائدة لنا أياً كان المسيطر على المعابر"، وهو الحديث الرائج والمتداول بين العناصر وقادة الصف الثاني والثالث حالياً.
على الرغم من أن الهدف المعلن للجولاني هو السيطرة على خطوط التماس بما فيها المعابر هو هدف اقتصادي، إلا أنه يخفي أهدافاً أخرى ربما تكون أهم من النفط والتجارة مع "قسد"، قد تكون أمنية بالدرجة الأولى، فالأهداف التي يسعى لها الجولاني في الحقيقة هي أن تكون له حدود مشتركة مع قسد بذريعة المشاركة في أي عملية عسكرية ضدها، رغم التشكيك الكبير بهذه النوايا على اعتبار أن الهيئة تسعى لعقد صفقات تجارية وأمنية مع "قسد" في محاولة للتقرب منها لتكون الوسيط لدى واشنطن والتحالف الدولي لرفع تحرير الشام من قوائم الإرهاب.
لربما التساؤل الذي يدور في ذهن أغلب الناس هو هل يمكن أن يجرؤ الجولاني على الإقدام على هذه المغامرة بمهاجمة أكثر فصيل مقرب ومدعوم من تركيا وهو فرقة السلطان مراد وفي عقر داره، دون ضوء أخضر، وممن هذا الضوء الأخضر؟ وقد يعتقد البعض أن الضوء الأخضر تركي.
الموقف التركي واضح بعدم السماح للهيئة بالتمدد في مناطق سيطرة الجيش الوطني، لأسباب كثيرة، لعل أهمها عدم صبغ تلك المناطق التي تقع تحت نفوذها بالإرهاب، وبالتالي إعطاء فرصة ذهبية ل"قسد" للاستثمار فيها ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ولكن تركيا تعول على فصائل الوطني للتصدي لعناصر ال"هيئة" وإخراجها من المنطقة، كونها تخشى من عمليات أمنية تقوم بها هيئة تحرير الشام قد تستهدف قواعدها وجنودها في إدلب وربما تصل حد خطف أو أسر بعض الجنود، ولكن المعضلة تكمن في حجم اختراق الجولاني الكبير لقادة تلك الفصائل، والاستثمار في خلافاتها البينية وحجم الكراهية الكبير بين قادتها لبعضهم البعض، فما نشاهده من إعلان استنفارات ورفع جاهزية من قبل وزارة الدفاع وتلك الفصائل لا يعدو كونه بيانات فارغة، ولا يوجد على أرض الواقع مواجهة حقيقية تتناسب مع حجم وأعداد تلك الفصائل الذي يفوق أعداد عناصر ال"هيئة" بعشرات المرات، ولكن هذه الأعداد غير مستعدة للقتال والموت كرمى لعيون أولئك القادة.
نتيجة انعدام الثقة بين قادة فصائل الجيش الوطني فإن الكثير من تلك الفصائل ربما تنتظر الانخراط الحقيقي لفصيل السلطان مراد في المعركة التي تدور رحاها في حياضه، لتدخل غمارها بشكل فعلي كما حصل بداية انطلاق معركة الجيش الحر لدحر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مطلع عام 2014، فهل ستكون مغامرة الجولاني سبباً في قيامة جديدة للثورة يظهر فيها يوسف بن تاشفين جديد من بين ثوار 2011 المخلصين الذين غيبهم أولئك القادة الانتهازيين المتسلقين الذين تحولوا لأمراء طوائف؟
وكأن الزمن يعيد نفسه مرة أخرى بين قائد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) أبو محمد الجولاني، وبين قادة التشكيلات العسكرية المحسوبة على الثورة السورية تحت مسمى الجيش الوطني، والذين على ما يبدو لم يعتبروا من مقولة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) ولم يتعظوا من ابتلاع جبهة النصرة مبكراً لأغلب فصائل الجيش الحر تحت ذرائع مختلفة، ابتداءً من جبهة ثوار سوريا في خريف عام 2014، حيث وقفت الفصائل الأخرى حينها متفرجة بل كان بعض قادتها شامتاً مسروراً، وربما قدم بعضها التسهيلات لتمكين النصرة من إزاحة منافس له، ليتكرر الأمر نفسه على مدار السنوات اللاحقة مع حركة حزم والفرقة \13\ وتجمع فاستقم كما أمرت وجيش المجاهدين وحركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وكتائب ثوار الشام وصقور الشام وفصائل أخرى بعضها كان حليف لهيئة تحرير الشام في وقت من الأوقات.
ما حصل في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2022 من تحالف فرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه مع هيئة تحرير الشام، واستقواء قادة الفرقتين بأبو محمد الجولاني، بل وصل الأمر بهم إلى حد دفع مبالغ مالية باهظة له لمناصرتهم ودخول المعركة الى جانبهم ضد الفيلق الثالث الذي يعتبر شريكهم في الجيش الوطني!
هذا التحالف والتنسيق شكل سابقة جديدة وخرق كبير لمنطقة عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات التي تعتبر المعقل الأساسي لفصائل الجيش الوطني، والتي لم يكن ليحلم الجولاني بموطئ قدم فيها من قبل، وقد تمكن من خلال هذا الخرق من كسر شوكة الفيلق الثالث الذي كان يعتبر التشكيل الأكبر والأقوى في الشمال السوري، وما كان للجولاني أن يحقق هذا النصر لولا تخاذل الحكومة المؤقتة ووزارة دفاعها وكثير من الفصائل التابعة لها والتي تمكن الجولاني من اختراقها وبناء تحالفات معها.
اليوم يتكرر نفس السيناريو مع الفصائل التي التزمت ظاهرياً الحياد في بغي هيئة الجولاني على الفيلق الثالث، ويهاجمها بعد أن تمكن -وهو قناص الفرص- من إدخال أعداد كبيرة من مقاتلي الهيئة إلى عقر دار تلك الفصائل تحت غطاء فزعة العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في محاولة للسيطرة على معبر الحمران بين مناطق سيطرة الجيش الوطني ومناطق سيطرة "قسد"، والاستحواذ على مناطق نفوذ على نقاط التماس المباشر معها، مستغلاً كعادته هشاشة تلك الفصائل وعدم وجود قيادة مركزية حقيقية لجميع فصائل الجيش الوطني، يكون بإمكانها وضع الخطط العسكرية للتصدي لهذا العدوان، بالإضافة الى عدم وجود الرغبة الحقيقية لدى مقاتليها في قتال الهيئة، لعدم ثقتهم بقادتهم الذين لا يعرفون إشكالهم إلا من خلال صور الولائم الفاخرة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي !
أما السبب الأهم لانكفاء بعص الفصائل وحتى عناصر الفصيل المعتدى عليه عن القتال، فهو الترويج الإعلامي الكبير لمعرفات هيئة تحرير الشام الرسمية وغير الرسميةـ أن هذه المعركة هي معركة معابر وسلطة ونفوذ بين القادة، لا ناقة بها لهم ولا جمل، وحديث "أنُقتل لتكبر الإمبراطورية المالية لهؤلاء القادة، ولا فائدة لنا أياً كان المسيطر على المعابر"، وهو الحديث الرائج والمتداول بين العناصر وقادة الصف الثاني والثالث حالياً.
على الرغم من أن الهدف المعلن للجولاني هو السيطرة على خطوط التماس بما فيها المعابر هو هدف اقتصادي، إلا أنه يخفي أهدافاً أخرى ربما تكون أهم من النفط والتجارة مع "قسد"، قد تكون أمنية بالدرجة الأولى، فالأهداف التي يسعى لها الجولاني في الحقيقة هي أن تكون له حدود مشتركة مع قسد بذريعة المشاركة في أي عملية عسكرية ضدها، رغم التشكيك الكبير بهذه النوايا على اعتبار أن الهيئة تسعى لعقد صفقات تجارية وأمنية مع "قسد" في محاولة للتقرب منها لتكون الوسيط لدى واشنطن والتحالف الدولي لرفع تحرير الشام من قوائم الإرهاب.
لربما التساؤل الذي يدور في ذهن أغلب الناس هو هل يمكن أن يجرؤ الجولاني على الإقدام على هذه المغامرة بمهاجمة أكثر فصيل مقرب ومدعوم من تركيا وهو فرقة السلطان مراد وفي عقر داره، دون ضوء أخضر، وممن هذا الضوء الأخضر؟ وقد يعتقد البعض أن الضوء الأخضر تركي.
الموقف التركي واضح بعدم السماح للهيئة بالتمدد في مناطق سيطرة الجيش الوطني، لأسباب كثيرة، لعل أهمها عدم صبغ تلك المناطق التي تقع تحت نفوذها بالإرهاب، وبالتالي إعطاء فرصة ذهبية ل"قسد" للاستثمار فيها ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ولكن تركيا تعول على فصائل الوطني للتصدي لعناصر ال"هيئة" وإخراجها من المنطقة، كونها تخشى من عمليات أمنية تقوم بها هيئة تحرير الشام قد تستهدف قواعدها وجنودها في إدلب وربما تصل حد خطف أو أسر بعض الجنود، ولكن المعضلة تكمن في حجم اختراق الجولاني الكبير لقادة تلك الفصائل، والاستثمار في خلافاتها البينية وحجم الكراهية الكبير بين قادتها لبعضهم البعض، فما نشاهده من إعلان استنفارات ورفع جاهزية من قبل وزارة الدفاع وتلك الفصائل لا يعدو كونه بيانات فارغة، ولا يوجد على أرض الواقع مواجهة حقيقية تتناسب مع حجم وأعداد تلك الفصائل الذي يفوق أعداد عناصر ال"هيئة" بعشرات المرات، ولكن هذه الأعداد غير مستعدة للقتال والموت كرمى لعيون أولئك القادة.
نتيجة انعدام الثقة بين قادة فصائل الجيش الوطني فإن الكثير من تلك الفصائل ربما تنتظر الانخراط الحقيقي لفصيل السلطان مراد في المعركة التي تدور رحاها في حياضه، لتدخل غمارها بشكل فعلي كما حصل بداية انطلاق معركة الجيش الحر لدحر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مطلع عام 2014، فهل ستكون مغامرة الجولاني سبباً في قيامة جديدة للثورة يظهر فيها يوسف بن تاشفين جديد من بين ثوار 2011 المخلصين الذين غيبهم أولئك القادة الانتهازيين المتسلقين الذين تحولوا لأمراء طوائف؟