البكيّر: العشيرة في مواجهة ابنها الضال وسلطة الأمر الواقع
في وسط قرية برشم بريف ديرالزور الشمالي، تجلس مجموعة من أبناء فخذ الكبيصة المنتمي لعشيرة البكيّر بسلاحهم الكامل، يتبادلون أطراف الحديث عما حدث خلال المواجهات بينهم وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال اليومين الماضيين، "متفاخرين بما فعلوه دفاعاً عن كراماتهم" كما يقوم أحدهم، بينما يتحدث آخر بحماسة عن شجاعة أحد أبناء القرية خلال تلك المواجهات.
اندلاع الخلاف
المواجهات بين أبناء عشيرة البكيّر–فخذ الكبيصة وبين قوات سوريا الديمقراطية، بدأت السبت، في قرية برشم بريف ديرالزور الشمالي، وتسببت حتى الآن بمقتل عنصرين من قوات قسد إضافة الى عدد من الجرحى، بينما اقتصرت خسائر عشيرة البكير على جريحين، أحدهما كان من المشاركين في المواجهات وآخر بسبب إطلاق النار العشوائي.
الخلاف بين الطرفين اندلع على خلفية قيام قوة من مجلس دير الزور العسكري التابع لقسد، بمداهمة قرى برشم وحريزة والتوامية صباح السبت، واقتياد رجال وشباب تلك القرى الى احدى المدارس في قرية برشم للتحقيق معهم، بحجة إحراق أعمدة الكهرباء وكسر قناة الري القادمة من نهر الفرات، التي تغذي الأراضي الزراعية في الريف الشمالي لدير الزور-مناطق قرى الخابور.
خلال اعتقال قوات قسد للرجال والشباب، قام القيادي في مجلس ديرالزور العسكري شاهر الخبيل الملقب ب"أبو علي فولاذ" والمنحدر من عشيرة البكّير، بتوجيه الإهانات لأبناء القرى المحتجزين داخل المدرسة، كما قام عناصر من الدورية، بإطلاق النار على جدران المدرسة لترهيب من بداخلها من أبناء العشيرة، الذين قاموا بالتواصل مع أقاربهم لأخبارهم بما حدث معهم.
رد فعل
بعد تسريب الحادثة، تجمع أبناء عشيرة البكير-فخذ الكبيصة وقاموا بمهاجمة دوريات قسد التي تحتجز الأهالي داخل المدرسة في قرية برشم، ودارت اشتباكات بين الطرفين تسببت بمقتل عنصرين من قوات مجلس ديرالزور العسكري وجرح آخرين، خلال تلك المواجهات تمكن أبناء العشيرة من تحرير المعتقلين وطرد القوى العسكرية من داخل القرية.
تبعات المواجهة لم تنحصر في قرية برشم، بل هاجم المسلحون من أبناء عشيرة البكيّر حواجز قوات سوريا الديمقراطية المنتشرة في ريف ديرالزور الشمالي وقاموا بطرد جزء منها، بينما انسحب البعض الآخر دون أي مواجهة، كما شهدت مدينة البصيرة أكبر مدن ريف دير الزور الواقع شرق نهر الفرات انسحاب حواجز قسد من المدينة وركزت وجودها في مقر القيادة الرئيسي وسط المدينة وعلى منطقة الجبل المطل على البصيرة.
رغم مضي يومين على الحادثة ودعوات التهدئة الموجهة للطرفيين، إلا أن حالة التوتر لا تزال مستمرة في المنطقة، حيث تحشد قسد قواتها في مراكز عملياتها المحيطة بالقرى الثائرة، بينما يتجمع المسلحون من أبناء البكيّر في قراهم ومناطقهم تحسباً لأي طارئ.
قضية اعتقال المدنيين من أبناء الكبيصة من عشيرة البكير ليس السبب الرئيسي للخلاف، إنما كان الشرارة التي أشعلت النار في هشيم المنطقة، ويعود الخلاف الرئيسي الى اسباب عديدة، شكل تراكمها عبر الزمن حالة من الاحتقان الذي فجرته الأحداث الأخيرة.
تاريخ الخلاف
أول تلك الأسباب وهو آني، حيث تقوم قوات سوريا الديمقراطية عبر ذراعها مجلس ديرالزور العسكري، بمشروع لنقل المياه عبر شبكة انابيب من قناة الري "قناة الصبحة"، إلى محافظة الحسكة مروراً بمنطقة ال47 والشدادي الواقع جنوب محافظة الحسكة، ما تسبب بأزمة مياه مضاعفة تزيد من خسائر أبناء المنطقة على المستوى الزراعي، خاصة أن تلك المنطقة حالها حال أرياف شرق سورية تعتمد بشكل مباشر على الزراعة في معيشتها. ويتسبب مشروع قسد بنقل المياه بتخفيض المخصصات المائية للمنطقة والتي كانت تعاني من نقص في المياه الخاصة بالري قبل هذا المشروع.
السبب الثاني، إهمال الإدارة الذاتية للمنطقة، على المستوى الخدمي والمشاريع الإنمائية، حيث يشعر أبناء المنطقة بحالة من المظلومية وتعرضهم لسياسة التهميش، مقارنة بما تشهده مناطق ريف دير الزور الشرقي والغربي، من مشاريع تنموية وعمل مكثف للمنظمات المحلية والأجنبية داخل تلك المناطق، رغم أن مناطقهم تعتبر الأكثر حاجة لمثل هذه المشاريع.
ثالث الأسباب، لا يقتصر على البكيّر فقط بل هو مطلب لأغلب المجتمعات المحلية العشائرية في المنطقة، وهو الحصول على المشاركة الحقيقية في إدارة المنطقة وإدارة ثرواتها، وألا يقتصر مفهوم مشاركتها على شكليات، بينما تقع السلطة الفعلية بيد الكوادر الكردية، التي تدير المنطقة سياسياً وعسكرياً ويعود لها القرار في كل شيء.
انقسام داخل العشيرة
حادثة عشيرة البكيّر الحالية، تعيد إلى حالة من الانقسام بين القبيلة وبعض أبنائها، حيث يحمّل جزء من أبناء القبيلة، أحمد الخبيل قائد مجلس ديرالزور العسكري والمنحدر من العشيرة ذاتها، مسؤولية ما حدث مؤخراً، لسببين اثنين، الأول فرض رؤيته المتوافقة مع مشروع قسد على أبناء العشيرة المختلفين معه والذين يرفضون هذا المشروع ويرونه غير ممثل لتطلعاتهم، الثاني، داخلي ضمن العشيرة، عبر تعمده إهانة مكونات داخل القبيلة مثل الكبيصة التي تعرض أبناؤها لعمليات الاعتقال، لكونها البطن الأقوى داخل العشيرة وفيها بيت مشيخة العشيرة، بينما ينتمي هو للخضير وهو قسم صغير داخل العشيرة الأم.
أحمد الخبيل الإبن الضال في البكيّر، خرج من العدم إلى زعامة مجلس دير الزور العسكري مع بدء التحالف الدولي محاربة تنظيم "داعش"، ولا يذكر عنه أبناء المحافظة قبل ذلك أي نشاط خلال الثورة، باستثناء بعض التهم عن كونه كان يقود عصابة سرقة على طريق ديرالزور الحسكة، بينما يراه البعض من المحيطين به وسكان المنطقة المخلص الذي أنقذهم من "داعش".
الشيخ عبد العزيز الحمادة شيخ عشيرة البكيّر قال ل"المدن"، إن "حالة التوتر بين الطرفين لا تزال مستمرة ولا توجد أي اتصالات مباشرة بين الطرفين لحل الخلاف والوصول لتسوية عادلة، خاصة أن قسد عبر قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل، تأخذ الموضوع بعيداً عن حالة وجود حقوق لأبناء المنطقة يجب التعامل معها وتطبيقها، إلى حالة فرض لرؤية ومشاريع بالقوة وهذه المشاريع تضر بمصلحة المجتمع المحلي".
وعن الحلول التي من شأنها حل حالة التوتر بين المجتمعات المحلية في المحافظة مع الإدارة الذاتية، قال الحمادة إن "الحل يبدأ بتشكيل قيادة عربية تكون ممثلاً حقيقياً للمنطقة، مهمة هذه القيادة إدارة المنطقة بالتنسيق مع التحالف الدولي، وعدم بقاء القرار بيد بعض المنتفعين من أبناء المنطقة، إضافة لتفرد الجانب الكردي ضمن الإدارة الذاتية في القرار".