سوريا:سياسة الدعم تعوّم أمراء الحرب
يتعمق سؤال السوريين يومياً عما إذا كان ما يقر من سياسات اقتصادية رسمية، يهدف فعلاً الى تعميم الفقر على الشعب بأكمله، لا سيما بعدما أصبح المستفيدون من امتيازات الاقتصاد السوري هم أمراء الحرب الذين شكلوا نخباً اقتصادية جديدة قائمة على "التشبيح"، وانضم إليهم العديد من الفئات التي انخرطت في اقتصاديات القتال بشكل مباشر أو غير مباشر.
أما أغلبية العاملين كموظفين أو مياوين، الى جانب الطبقة القديمة من المستثمرين والتجار والصناعيين، فقد خسرت بشكل حاد نتيجة تدهور مقومات الاقتصاد الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الاستقرار وحكم القانون، بالإضافة إلى نقص إمدادات الطاقة.
ويوضح الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر بأنه "لا يوجد منهج اقتصادي واضح المعالم يتم إتباعه في سوريا"، وذلك "نتيجة عدم الثبات في الوضع الاقتصادي والسياسي"، شارحاً أن "الظروف الداخلية والخارجية دائمة التغيّر، تجعل من الصعب اتباع منهج ثابت في الاقتصاد".
ويضيف عمر لـ"المدن": "يمكن وصف إدارة الاقتصاد السوري حالياً بالإدارة الموقفية أو الإدارة الآنية، بمعنى أنها إدارة متغيّرة مع تبدل الظروف، وعموماً يلاحظ سيطرة واضحة لاقتصاد الحرب في سوريا".
وكانت آخر خطوات التدرج نحو التدهور المعيشي الذي يعيشه السوريون يومياً، هو إلغاء الدعم عن بعض الشرائح المجتمعية، وهو إجراء يعتبر خبراء اقتصاديون بأن نتائجه ستكون كارثية إذا لم يترافق مع طرح كميات كافية من السلع. فاستبعاد مئات الآلاف عن شراء المواد المدعومة "سيؤدي إلى طلب أكبر على مثيلاتها غير المدعومة"، وبالتالي "زيادة أكبر في الأسعار وخلق سوق موازٍ سيشجع المدعومين على المتاجرة بحصصهم من هذه المواد لترميم رواتبهم الضئيلة إن وجدت، فتستمر الحلقة المفرغة".
ارتفاع تكالف المعيشة
ووسط افتراض بأن الشرائح الميسورة لا تجود بحصتها من المواد المدعومة إلا لعدد قليل من المحرومين العاملين لديهم أو غيرهم، فقد أثبتت السنوات العشر السابقة أن نقص السلع لا يعالجه التخفيض القسري للاستهلاك". ومع الأخذ بعين الاعتبار أن المعايير التي جرى اتباعها للاستبعاد هي معايير غير واقعية وتحمل الكثير من الإشكاليات، يرى اقتصاديون أنه "كان من المفروض استبعاد الجميع من الدعم بداية ومن ثم تحديد من يستحقه وفق معايير معينة".
ولكن بغض النظر عن أي صيغة ستطبق، هل تبقى للسوريين حصة من اقتصاد بلدهم تسمح لهم بتأمين احتياجاتهم الرئيسية بالحد الأدنى؟
يقول الباحث في المركز السوري لبحوث السياسات ربيع نصر: "وسطياً حصة الفرد في سوريا (للمقيمين في سوريا، أي باستثناء اللاجئين) أصبحت أقل من ثلث حصة الفرد عام 2010 من الناتج الحقيقي، فيما زادت الحرب نسب التفاوت بين السوريين لصالح أمراء الحرب والقوى السياسية والعسكرية المسيطرة، أي أن ما تبقى من الناتج استحوذت عليه فئة قليلة من المجتمع على حساب أكثرية المجتمع"، لافتاً الى ان "المؤشر الذي يعكس حصة الفرد هو معدلات الفقر العام التي تجاوزت 93 في المئة من السوريين".
ويضيف نصر أن "عامي 2020 و2021 شهدا تطورات خطيرة مع ارتفاع هائل في تكاليف المعيشة من تراجع الناتج متأثراً بجائحة كورونا، وموسم الجفاف في عام 2021، إلى جانب تطبيق سياسات حكومية لا تعمل على استعادة مقومات الاقتصاد (المؤسسات والحوكمة، رأس المال البشري، رأس المال المادي) بل على تحقيق توازنات الحد الأدنى والتي ترتكز في السيطرة العسكرية وتحصيل الإيرادات بغض النظر عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي". وبالتالي، يقول نصر، "دخلنا في حلقة مفرغة من رفع الأسعار وتراجع الانتاج الذي يقود إلى تدهور جديد في قيمة العملة المحلية ومن ثم رفع الأسعار مجدداً".
وبذلك يكون السوريون أمام مرحلة جديدة من توفير احتياجاتهم الاساسية من مواد غذائية ومشتقات نفطية وفق شروط افترضت حكومتهم صحتها وبنت عليها أحقيتهم في الوصول إلى المواد المدعومة، علماّ أن التوزيع الحالي لهذه المواد عبر البطاقة الذكية أثبت فشله.
دعم البطاقة الذكية
على هذا الأساس يعتبر خبراء اقتصاديون أن أسوأ أساليب توزيع الدعم هو الدعم النقدي أو عن طريق البطاقة الذكية، لأنه يؤدي لزيادة في نسب التضخم. و بدلاً من ذلك، كان من الأجدى التوجه نحو دعم كلف استيراد الاحتياجات الأساسية مما سيقود إلى تخفيض الأسعار وتقوية سعر الصرف وتخفيف الضغط على الدولار. ويمكن أيضا اتخاذ إجراء آخر من خلال اعادة إحياء المشاريع الاستثمارية الخاسرة في القطاع الحكومي بتغيير البنى التحتية لها لتتمكن من تحسين ظروف الانتاج وتأمين ايرادات مالية، لأن الدعم المالي الحالي لا يشكل أي إمكانية لتخفيض الأسعار، كما وينبغي العمل على تخفيض الضرائب التي يسددها المستوردون والسماح باستيراد مختلف السلع.
وكانت الحكومة السورية حددت بداية شباط/فبراير، الشرائح المستبعدة من الدعم الحكومي عبر البطاقة الإلكترونية ضمن مشروع ايصال الدعم إلى مستحقيه وهم أصحاب السجلات التجارية الفئة الاولى والممتازة، كبار ومتوسطو المكلفين ضريبياً، المستوردون والمصدرون، أصحاب ومؤسسو المصارف الخاصة، أصحاب كل من شركات الصرافة، الجامعات، المدارس الخاصة، محطات التزود بالوقود، الأفران الخاصة وشركات النقل. واعتمدت الثروة والملكية ومستوى الدخل كمعايير للاستبعاد.