دستور أردوغان الجديد..دولة أكثر مدنية تغازل الغرب
فجّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قنبلة من العيار الثقيل، حين دعا قبل أيام، إلى وضع دستور مدني جديد يقطع مع دستور العسكر، ويؤسس لدولة الحقوق والحريات، وهي دعوة قوبلت بترحيب واسع لدى حزب "العدالة والتنمية" وحلفائه في الحكم، فيما اعتبرت المعارضة أنها محاولة ل"استرضاء" الإدارة الأميركية الجديدة ومغازلة أوروبا التي تتحدث دوما عن تراجع منسوب الحريات داخل تركيا.
وكان أردوغان أكد، خلال مشاركته مؤخراً في المؤتمرات العامة لحزب "العدالة والتنمية"، أن الوقت قد حان لكي تتخلص تركيا من الدستور الحالي، وتُعدّ دستوراً مدنياً يلائم تطلعات الشعب، ويواكب التطور الحاصل في البلاد، مشيراً إلى أن الدستور الجديد المزمع إعداده "سيُبنى على القفزات التاريخية التي حققناها في البلاد، وخاصة نظام الحكم الرئاسي".
وقوبلت دعوة أردوغان لوضع دستور جديد بردود فعل متباينة في تركيا، حيث اعتبر حليفه رئيس حزب "الحركة القومية" دولت بهتشلي أن تركيا بحاجة إلى دستور جديد يقطع مع الماضي، مشيراً إلى أن حزبه يدعم هذا التوجه.
فيما قال زعيم حزب "الشعب الجمهوري" المعارض كمال كيليجدار أوغلو إن "حكومة لا تحترم الدستور المعتمد، لا يمكنها صياغة نص أكثر ديموقراطية. أخشى أن يؤدي هذا المشروع الى تعزيز النزعة السلطوية".
ويؤكد رئيس جامعة "أحمد يسوي التركية الكازاخستانية الدولية" البروفسور جنكيز تومار أهمية دعوة الرئيس التركي لوضع دستور جديد يقطع كلياً مع الدساتير التي وضعها العسكر على مدى قرن، مشيرا إلى أن الدستور الجديد سيكون أول دستور مدني في تاريخ الجمهورية التركية بعد دستور 1921 الذي وضعه العسكر، لتتواصل بعده الدساتير التي تمّ وضعها في ظل الانقلابات العسكرية.
ويقول تومار في حديث ل"المدن"، إن "الدستور الحالي يعود في معظمه إلى عام 1982، وقد تغير الوضع الدولي كثيراً بعد نهاية الحرب الباردة. كما أن تركيا تغيرت كثيراً خلال العقود الأربعة الأخيرة، وهي تحاول اليوم وضع دستور جديد مستقل عن الوصاية العسكرية والانقلابات".
وتأتي دعوة أردوغان لوضع دستور جديد بعد أربع سنوات من تعديلات شملت 18 مادة (من اصل 177)، أهمّها اعتماد النظام الرئاسي في الحكم بدلاً من النظام البرلماني الذي كان سائداً منذ ولادة تركيا الحديثة عام 1921.
لكن تومار يرى أن التعديلات التي أُدخلت على الدستور غير كافية، إذ لا بد من توسيع هامش الحريات وحقوق الإنسان في البلاد، وخاصة أن الدساتير السابقة كُتبت في ظل حكم العسكر الذي ساهم في قمع الحريات داخل البلاد، كما أن "المناخ السياسي اليوم يسمح بوضع دستور جديد تشارك فيه جميع القوى السياسية والمدنية، في ظل تراجع حكم العسكر وفشل الانقلاب الذي نفذته جماعة فتح الله غولن".
ويبدو أن الدستور الجديد سيحافظ على المواد الأساسية الأربع المتعلقة بهوية الدولة ووحدتها ولغتها الرسمية ونظام الحكم الرئاسي، لكنه سيساهم في تشكيل عقد اجتماعي جديد، يقوم على المساواة في الحقوق والحريات لدى جميع المواطنين الأتراك، كما هو الحال عليه بالنسبة للدساتير الأوروبية.
ويرى مراقبون أن دعوة الرئيس أردوغان لوضع دستور جديد تحمل عدة رسائل للخارج، خاصة بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة، حيث ترغب أنقرة التأكيد بأنها بدأت مرحلة جديدة باتجاه تعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان، كما تسعى -من جهة أخرى- لدعم ملف انضمامها للاتحاد الأوروبي عبر اتباع دستور مدني يدعم الحقوق والحريات على غرار الدساتير الأوروبية.
لكن تومار يؤكد أن الدستور موجّه بالدرجة الأولى نحو الداخل، فالأتراك لن يصوتوا لصالح دستور لا يعزز الحريات وحقوق الإنسان، دون أن ينفي مساهمة الدستور الجديد في تحسين علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وخاصة أن هذه العلاقات تشهد توتراً كبيراً في الفترة الأخيرة.
وكان أردوغان قد أكد في وقت سابق، أن الدستور الجديد سيساهم في تتويج أهداف الجمهورية التركية في مئوية تأسيسها، عام 2023، مشيراً إلى أنه سيعزز مكانة تركيا في ظل تغير موازين القوى السياسية والاقتصادية حول العالم.