خوفاً من استيلاء النظام عليها..عقارات ريف دمشق بأبخس الأسعار
تشهد سوق العقارات في المدن التي جرت فيها تسويات أو إخلاءات لقوات المعارضة في ريف دمشق نشاطاً ملحوظاً. وتُباع الشقق السكنية سواء كانت جاهزة أو "معفّشة" في وقت سابق من قبل عناصر النظام، بأسعار غير مسبوقة من حيث انخفاضها.
ويقول مهجرون من دوما وداريا وبلدات جنوبي العاصمة إنهم تعرضوا لخسائر فادحة في الممتلكات غير المنقولة (المنظمة) أو الأراضي الأميرية (التي لم تخضع للتنظيم)، بعد إقدامهم على بيعها بخسارة لا تقل عن 60 في المئة للعقار، كون ظروف الحرب اضطرتهم لترك مناطقهم والعيش في إدلب أو تركيا.
ويروي أبو بسام، وهو مهجر يقيم شمالي سوريا، ل"المدن"، أنه باع منذ أسابيع محلاً تجارياً في مدينة داريا بمبلغ 500 ألف ليرة للمتر المربع الواحد أي ما يعادل 160 دولار. كان سعر العقار نفسه قبيل الحملة التي شنها النظام على داريا في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 لا يقل عن 40 ألف ليرة (للمتر الواحد) تعادل 800 دولار حسب سعر الصرف حينها. بلغت نسبة خسارة أبو بسام 80 في المئة عدا عن أجور مكاتب التحويل لتسلم أمواله في إدلب.
مصدر آخر مهجر من مدينة دوما تحدث عن خسائر مشابهة طاولته نتيجة بيع شقة سكنية في المدينة لأحد القاطنين فيها. ويقول المصدر ل"المدن"، إن قلقه من حجز النظام السوري على الشقة لا سيما بعد إصدار القانون رقم 10 في نيسان/أبريل 2018، والذي ينص على مصادرة الأموال غير المنقولة، في حال لم يقم أصحابها بإثبات ملكيتهم لها خلال شهر، جعله يتشجع على بيع العقار الوحيد الذي يمتلكه في المدينة بغية "إنقاذ ما يمكن إنقاذه".
مسألة معقدة
ويعزو مصدر حقوقي يعيش في دمشق أسباب انهيار أسعار العقارات في المدن التي كانت ثائرة ضد النظام في ريف دمشق، إلى عدم وجود صاحب العقار في المنطقة، وهذا ما يجعل من عملية نقل الملكية في السجل العقاري مسألة معقدة ومكلفة بل وبالغة الصعوبة في بعض الأحيان، وذلك في حال كان البائع مطلوباً للفروع الأمنية.
ويلمح المصدر في حديثه ل"المدن"، إلى أن معظم ما يباع من بيوت وأراضٍ زراعية يتم عبر عقود بدون نقل ملكية حيث يحتاج الشاري إلى إجراءات معقدة ودفع رشاوى لكتّاب العدل في محاكم النظام، لاتخاذ هذا الإجراء. وهذا ما يجعل من نقل الملكية معاملة مؤجلة إلى أجل غير مسمى، وهذه النقطة جعلت الأسعار تتهاوى بشكل كبير.
يستطيع المهجّر الذي لديه أقارب في مناطق النظام توكيل أحدهم عبر وكالة عامة يحرّرها محامٍ من مناطق النظام، وهذا ما يخوله بيع ونقل الملكية إلى الشاري. وبهذه الطريقة يمكن رفع سعر العقار بنسبة لا تقل عن 10 في المئة بحسب ما تؤكد مصادر عديدة ل"المدن".
شهية مفتوحة على الشراء
تبقى الأسعار منخفضة على أي حال، لأن هناك أسباباً أخرى أدت إلى ذلك بجانب متاعب نقل ملكية العقار، مثل ضعف الخدمات في المنطقة، والقرارات الصادرة عن النظام السوري، مثل القانون رقم 10 الذي زاد من كثافة العرض على العقارات، في ظل طلب خفيف، كما يتحدث أحد العاملين في المجال العقاري من داخل دمشق ل"المدن".
ويؤكد المصدر أن المناطق التي وصلت إليها الخدمات من ماء وكهرباء وأضحت مأهولة بالسكان ازدادت قيمة عقاراتها بشكل محدود، لكن الأراضي الزراعية والمنازل البعيدة نسبيا عن وسط المدينة لا تزال أسعارها منخفضة، لاسيما أن المعروض للبيع نسبته كبيرة.
كما أن القرارات الصادرة عن النظام بما يخص ممتلكات المواطنين الذين يعيشون خارج مناطق النظام ساهمت في فتح شهية تجار العقارات ومديري المكاتب العقارية في ابتزاز أصحاب هذه الممتلكات عبر نشر شائعات مغرضة بين السكان تتحدث عن الحجز الاحتياطي على ممتلكات جميع المعارضين، ما يدفع أصحابها للبيع بأي سعر. ويروي المصدر العامل في المجال العقاري أن عشرات تجار العقارات داخل مناطق النظام مستعدون للشراء من المهجرين، انتهازاً لفرصة قلق هؤلاء من قوانين الحجز، وبُعدهم عن ممتلكاتهم، ما يجعلهم على استعداد لبيعها بأي سعر يحصلون عليه.
وتقول منال، وهي سيدة تعيش في الغوطة الشرقية، ل"المدن"، إن الشائعات حول الحجز على ممتلكات معارضي النظام تنتشر منذ أكثر من سنتين لكنها تعرف العديد من المهجرين تمكنوا من بيع بيوتهم بل ونقل ملكيتها إلى المشتري الأصلي عبر وكالات لأقاربهم في المنطقة.
العبث بالممتلكات
يقول مدير تجمع المحامين السوريين المحامي غزوان قرنفل إن القوانين التي أصدرها النظام السوري خلال سنوات الصراع، تمثل بشكل أو بآخر، عوامل تأثير على ملكيات السوريين وتلحق ضرراً بأصحاب الأملاك. ويضيف ل"المدن"، أن "النظام ينسب لمعارضيه دعم الإرهاب"، لافتاً إلى أنه "بموجب قانون الإرهاب الخاص به يمكن له أن يحجز على أموال المعارضين وهذا ما حدث بالفعل حيث طاول الحجز عدداً منهم وأنا كنت من ضمنهم، فقد تم الحجز على أموالي المنقولة وغير المنقولة".
ويشير قرنفل إلى أن النظام يضيّق على أصحاب العقارات الذين هاجروا من مدنهم بريف دمشق مثل داريا ودوما وجنوب العاصمة، لأنه يعتقد أنها حواضن للمعارضين، "ما يدفع الناس ضمن حالة اليأس الناجمة عن هذا التضييق، ونتيجة حالتهم المادية الصعبة في الخارج، الى بيع ممتلكاتهم" بأي شكل وأي سعر.
قرنفل الذي حذر من وجود شبكات احتيالية تتكون من محامين وسماسرة تعبث بممتلكات الناس، نصح كل من يرغب ببيع عقاراته أن يبحث عن الوسائل التي يحمي من خلالها حقه، بحيث "لا يعطي أي موافقة على البيع؛ قبل أن يقبض الثمن بالدولار".