نهاية جولة الدستورية:بيدرسن خائب..التفاؤل كان في غير مكانه
أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن الجمعة، اختتام الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، بفشل ذريع بعد 5 أيام من الجلسات من دون تحقيق أي تقدم.
ورغم أن أعضاء في الوفود الثلاثة المشاركة، بينهم رئيس وفد المعارضة هادي البحرة، كانوا قد وصفوا الجلسات الأولى من الجولة ب"الايجابية"، إلا أن النقاشات التي أخذت حيزاً خلال اليومين الماضيين كانت "مخيبة للآمال حسب أحد أعضاء وفد المعارضة".
وفي مؤتمر صحافي عقب نهاية الجولة، قال بيدرسن إن "وفد النظام أخبره أنه لن يقدم للجنة بعد الآن أي نصوص جديدة حول المبادئ الدستورية" من دون تحديد الأسباب، وبالتالي فقد تم العدول عن عقد الجولة السابعة مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2021 كما كان مقرراً من قبل، بانتظار تحديد موعد جديد.
وكانت الجولة السادسة قد انطلقت في 19 تشرين الأول/أكتوبر الحالي بلقاء مباشر هو الأول من نوعه بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة والنظام أحمد الكزبري، بحضور بيدرسن، الذي استبق الجولة بلقاءات مكوكية مع مختلف الأطراف لاقناعهم بعقد هذه الجولة.
ووصف بيدرسن مناقشات الجمعة في جنيف بأنها "كانت مخيبة للآمال ولم تحقق ما كان يُؤمل إنجازه".
فشل متوقع
نتيجة لم تكن مفاجئة، بناءً على أداء وفد النظام خلال جلسات يومي الأربعاء والخميس، حيث كشف أحد أعضاء وفد المعارضة المشارك في الجلسات ل"المدن"، أن "الطرف الآخر عاد لأسلوب النقاش العقيم وإضاعة الوقت واستفزاز المحاورين خلال مناقشة بندي الإرهاب و سيادة القانون، ما أعطى انطباعاً واضحاً عن رغبة هذا الوفد بافشال المفاوضات، بعد التزامه خلال أول يومين على غير العادة".
وبعد أن قدّم وفد النظام مقترح النص الدستوري الأول الأحد، وخصصه للحديث عن "سيادة الدولة ووحدة أراضيها" تقدم وفد المعارضة الاثنين ببند يتعلق ب"مؤسسات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية"، بينما خصصت جلسات يوم الثلاثاء لمناقشة مقترح قدمه وفد المجتمع المدني حول "سيادة القانون"، أما الأربعاء فقد قدّم وفد النظام مقترحه الثاني المتعلق ب"الإرهاب".
وفي تصريحات صحافية، عبّر عضو وفد المعارضة صائب تليد عن دهشته من إفشال وفد النظام للنقاشات بهذه الطريقة، مشيراً إلى أن "الجميع كان يتوقع ذلك لكن أحداً لم يتصور أن يكون بهذه السلبية حتى خلال مناقشة بند سيادة القانون، الذي يفترض ألا يكون إشكالياً، فتصوروا كيف يكون الحال مع البنود الأخرى، وخاصة بند الإرهاب".
وكان لافتاً أن النص الدستوري الذي اقترحه وفد النظام يتضمن تصنيف جماعة "الاخوان المسلمين" المعارضة كجماعة "إرهابية" إلى جانب كل من تنظيمي "داعش" و"القاعدة".
أخطاء المعارضة
لكن غضب الكثيرين من المعارضين حيال الحماس المستمر الذي يبديه البحرة نحو المسار الدستوري لم يتوقف على ذلك، ولم يتعدّاه فقط إلى القبول بطرح "التعديل الدستوري" بدلاً عن كتابة دستور جديد"، بل تجاوزه إلى انتقادات أخرى تقنية أيضاً.
ورأى الباحث في مركز "الحوار السوري" للدراسات أحمد قربي أنه حتى "الوثيقة التي قدمها وفد المعارضة بخصوص الجيش والأمن والقوات المسلحة خطيرة جداً" على المعارضة نفسها.
وقال في تصريح ل"المدن": "مكمن الخطورة في هذه الوثيقة أن صياغة موادها جاءت وكأننا نعدّ دستوراً ونحن في حالة دولة مستقرة، لديها مؤسسات تقنية احترافية تحتاج فقط إلى نصوص لتنظيمها، بحيث أنها تتحدث عن تنظيم المؤسسات والتزامها بالقانون، من دون الحديث عن ضرورة إعادة هيكلتها".
وأضاف قربي أن "إشكاليتنا كانت وما تزال في هيكلية هذه المؤسسات، ومعالجتها البنيوية تتم عادة إما باتفاق سياسي سابق على الدستور، أو بإعلان دستوري مؤقت، أما وأن الخيارين لم يُتاحا حتى الآن، فالأفضل كان التوجه إلى النصوص الدستورية التفصيلية، أو ما يطلق عليه الدساتير البرامجية، التي تدخل في التفاصيل، بصياغة شبيهة بما جاء في الإطار التنفيذي الصادر عن الهيئة العليا للمفاوضات عام 2016، الذي تحدث بالتفصيل عن المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية، ولم يقتصر فقط على ذكر المبادئ العامة".
وأكد أنه من الجيد أن يُشار إلى حياد هذه المؤسسات عن السياسة، ولكن الأفضل الإشارة إلى تجريم الانتماء إلى التيارات السياسية والأحزاب من أفراد القوات المسلحة أو ترويجهم لأية أفكار حزبية...إلخ، والحديث عن أن فكرة الجيش العقائدي هي فكرة مدمرة للدولة والمجتمع، وتعمل الدولة على تجريمها ومعاقبتها والتخلص من تبعاتها داخل الجيش والأمن مثلاً.
لكن المتحدث باسم وفد المعارضة العميد ابراهيم جباوي حمّل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المسؤولية عن تلاعب وفد النظام بالمسار الدستوري، من خلال عدم ممارسة أي ضغط عليه.
واعتبر جباوي في حديث ل"المدن"، أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الأمم المتحدة هو توصيف بيدرسن ب"الميسّر" وليس الوسيط، ما أفرغ مهمته من مضمونها، وجعله غير قادر على القيام بأي دور خلال المفاوضات، وبات دوره فقط الحضور والاستماع كشاهد لا أكثر، بحجة أن الحل سوري-سوري، و"هو أمر غير واقعي في ظل تعنت النظام واستحكام الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة والذي يدفع ثمنه السوريون دون أفق".
وأضاف "النظام لا يعترف رسمياً باللجنة الدستورية، وفي الوقت نفسه يصف وفده بالوفد الوطني، وبالتالي فوفد المعارضة غير وطني، وهو مستمر بتلاعبه وسلبيته لدفعنا إلى الانسحاب من مفاوضات اللجنة كي يقول للعالم إن الطرف الآخر هو من يعطل العملية السياسية". وتابع: "يبدو أن المجتمع الدولي يريد ذلك أيضاً للتغطية على عجزه وفشله في الايفاء بالتزاماته الأخلاقية والقانونية، وتسريع عملية إعادة تعويم النظام".
بعد بداية تحمس لها المبعوث الدولي ورئيس وفد المعارضة، وكان يتوقع أن تعقبها جولتان إضافيتان قبل نهاية العام 2021، انتهت الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي كانت مخصصة لصياغة أولى النصوص على فشل جديد، بعد خمس جولات استغرقت عامين من دون تحقيق أي تقدم على هذا المسار، الامر الذي يعيد مجدداً طرح الأسئلة حول مستقبل العملية السياسية السورية برمتها.