3 سنوات على الحصار..قطر تنتصر
يدخل الجمعة، حصار قطر عامه الرابع. حصار دقّ إسفيناً في مجلس التعاون الخليجي، لكنه لم يحقق أي من نتائجه المرجوة. كل المؤشرات تدل على أن قطر اليوم أقوى مما كانت عليه قبل الحصار.
في 5 حزيران/يونيو 2017 أعلنت السعودية والامارات ومصر والبحرين مقاطعة قطر، بعد قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية "قنا" ونشر حديث مفبرك لأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. إثر ذلك أعلنت دول الحصار قطع كل العلاقات مع قطر وأغلقت السعودية حدودها البرية معها، ومنعت الدول الأربعة تحليق الطيران القطري فوق أراضيها، كما منعت مواطنيها من زيارة الدوحة.
لكن بعد ثلاث سنوات من الحصار، يبدو أن هناك من عليه أن يتعايش مع قطر قوية مستقلة، تسير على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي، وترسم سياساتها الداخلية والخارجية بناءً على أساس المصلحة والسيادة الوطنية والقانون الدولي، واحترام الجيران والدول الشقيقة.
قطر خلال حصار
عززت قطر خلال سنوات الحصار الثالث علاقاتها الاستراتيجية مع عدد كبير من دول العالم. وبنت جسوراً دبلوماسية مع القوى المؤثرة في الراي العام العالمي مما جعلها ذات تاثير كبير في محيطها الخليجي والعربي.
منذ الأيام الأولى للأزمة الخليجية، عملت قطر على تفادي تداعيات الحصار الذي فرض غلقا للمنفذ البري الوحيد مع السعودية، وتجاوز كل ذلك بالاعتماد على النفس ومواجهة التحديات الاقتصادية. أسهم هذا الحصار في تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية وتعزيز التجارة الخارجية القطرية.
قامت حكومة الدوحة خلال الحصار بإجراءات لمجابهة تلك التداعيات عبر حزمة اقتصادية جريئة حولت تداعيات الحصار إلى إيجابيات وحققت الكثير من المكاسب علي المستويين الداخلي والخارجي. وتشير التقارير إلى أن قطر نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي في عديد احتياجاتها الغذائية بنسبة كبيرة ما يرسخ الاعتقاد بأنها استطاعت استثمار هذه الأزمة على الوجه الأكمل من أجل إكساب اقتصادها مناعة قوية تعزز بها مكانتها في المنطقة والعالم.
وساهم الحصار في تسريع الصناعة المحلية، إذ بلغ عدد المنشآت الصناعية المسجلة العاملة والمرخصة مع نهاية العام 2019 نحو 1464 منشأة صناعية بمختلف القطاعات الصناعية. وتعززت خلال فترة الحصار صادرات القطاع الخاص ووصل المنتج الوطني إلى عدد كبير من الأسواق العالمية.
فتح الحصار شهية قطر على العديد من الشركاء الاقتصاديين والتجاريين الاستراتيجيين الجدد على غرار تركيا وإيران وبعيدا عن الحساسيات الاقليمية القديمة، كما استطاعت أن ترفع من حجم صادراتها نحو الخارج بشكل قوي، بعدما أضافت عشرات الوجهات الجديدة لا سيما بعد تدشين ميناء حمد الذي يعد واحداً من أكبر الموانئ في الشرق الأوسط والذي كان عاملا حاسماً في كسر الحصار. فتح الميناء خطوط ملاحة جديدة لمدّ البلاد بما تحتاجه من متطلبات العيش وتنفيذ مشاريع البنية التحتية في ظل التطورات التي تشهدها البلاد استعدادا لاستضافة بطولة كاس العالم لكرة القدم في 2022.
المستوى السياسي
قدمت قطر أداءً سياسياً فريداً مقارنة بجيرانها. حافظت على علاقاتها الدولية رغم كمّ مكاتب العلاقات العامة ومجموعات العامة التي عملت على تشويه سمعتها في الغرب. لكن الدوحة تجاوزت هذه الضغوطات بحكمة.
وتابعت قطر دورها المؤثر سياسياً خارج حدودها، والذي تجلى بأكثر صوره ظهوراً مع اندلاع ثورات الربيع العربي. لم توقف قطر هذا الدور، واستضافت مؤخراً محادثات سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية، انتهت بتوقيع اتفاق يفترض أن ينهي حالة الحرب واللاستقرار التي تعيشها كابول منذ عام 2011.
المصالحة الخليجية
لم تنجح محاولات المصالحة بين قطر ودول الحصار التي قامت بها الكويت، التي رفضت الانضمام إلى الحصار، رغم أن رئيس مجلس الوزراء الكويتي صباح الخالد الصباح قال قبل يومين إنّ "الآمال أكبر مما كانت عليه" في طريق إنهاء الخلافات الخليجية، مؤكداً أنّ الكويت تضع المصالحة الخليجية والمحافظة على وحدة مجلس التعاون الخليجي "أولوية لها".
وكذلك فشلت حتى اللحظة المحاولات الأميركية التي جرت من تحت طاولة لإعادة لمّ الشمل الخليجي. ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأربعاء، عن مسؤولين أميركيين وخليجيين أن الإدارة الأميركية تتخذ مساراً جديداً، في محاولة حلّ الأزمة عبر الضغط على السعودية والإمارات لإنهاء الحظر الجوي الذي تفرضانه على رحلات الخطوط الجوية القطرية، من ضمن في صفقة شاملة لإنهاء الخلاف.
وتحدثت الصحيفة عن أن ترامب ضغط شخصياً على القادة السعوديين من أجل إنهاء القيود الجوية، التي تجبر في غالبية الأحيان الطائرات على التحليق فوق إيران، ما يؤمن لطهران مصدر تمويل تريد الولايات المتحدة قطعه، على حدّ تأكيد المسؤولين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله إن هناك شعوراً متنامياً بضرورة حلّ قضية المجال الجوي، لافتاً إلى أن "ذهاب الأموال إلى خزينة إيران نتيجة تحليق طائرات الخطوط الجوية القطرية في أجوائها هو مصدر إزعاج مستمرّ لنا".
وطوال سنوات الحصار أكدت قطر استعدادها للتسوية، وهذا يعني تقديم تنازلات، ولكنها لن تقبل بالوصاية. وشهد العام الماضي زيارتين لوزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى الرياض لمناقشة الأزمة الخليجية. شهدت المحادثات تقدماً طفيفاً قبل أن توقفها السعودية.
وأعلن وزير الخارجية القطرية في 15 شباط/فبراير، إن جهود حل الأزمة مع السعودية والإمارات -التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر- لم تنجح وعُلّقت مطلع كانون الثاني/يناير. وأوضح أن "الدوحة غير مسؤولة عن فشل جهود حل الأزمة، ومستعدة لاستئناف المحادثات".
لم تُستأنف المحادثات، وآفاق حلّها لا يمكن رؤيتها بعد فالأزمة مثلها مثل شروط الحل المفروضة منذ 3 سنوات لم تتغير. بعد ثلاث سنوات لم تنجح دول الحصار في فرض شروطها على الدوحة، فيما نجحت قطر في تجاوز التداعيات التي بدت كارثية للوهلة الأولى. كان الوقت كفيلاً في إثبات القدرات الذاتية لقطر التي حوّلت الحصار إلى مسألة هامشية في الداخل القطري، أمام الانجازات التي تحققت.