وكأنها درعا.. اعتقال 50 طالباً من مخيم اليرموك
في تكرار لحادثة أطفال درعا التي فجرت الثورة النظام السوري عام 2011، اعتقلت مخابرات النظام أكثر من 50 طالبا فلسطينيا من طلّاب مدرسة "الجرمق البديلة" المتواجدة في بلدة يلدا جنوبي دمشق، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بتهمة أنهم من "أشبال الخلافة".
وبحسب ما قال محمد الحسن، أحد ناشطي مخيم اليرموك المهجّرين، لـ"المدن"، فإن الطلّاب البالغة أعمارهم بين 10 و18 عاما، اعتقلوا على دفعات وخلال مداهمات بأوقات متفرقة، حيث داهمت قوة أمنية تابعة لـ"فرع الدوريات –إدارة المخابرات العسكرية" منذ 40 يوما مدرسة "الجرمق" واعتقلت 20 طالبا ونقلتهم إلى الفرع، ثم توالت المداهمات لمنازل طلاب آخرين، ليبلغ عدد المعتقلين الكلّي أكثر من 50 طالباً، احتجزوا في فرع الدوريات وفرع فلسطين الواقعين في حي القزاز، وأفرع أخرى غير معلومة.
وبينما رجح الأهالي أن يكون الاعتقال بسبب تمزيق صور بشار الأسد والرسم عليها بطريقة "مسيئة" داخل المدرسة، إلّا أن الإفراج عن أحد المعتقلين كشف أن التلاميذ متهمون بانتسابهم إلى معسكرات "أشبال الخلافة"، أي أنهم مجنّدون سابقا في تنظيم الدولة، الذي حكم مخيم اليرموك ومحيطه بين عامي 2015-2018، الأمر الذي شكل صدمة بين الناس بسبب خطورة هذه التهمة.
وأوضح المصدر أن التحقيقات في الأفرع الأمنية شملت سؤال الطلاب عن قيمة رواتبهم، والمجالات التي عملوا فيها ضمن التنظيم، رغم كون غالبية المعتقلين قد انتقلوا للعيش في بلدة يلدا بعد سيطرة التنظيم على اليرموك في نيسان/أبريل 2015، وفرض قوانينه وسلطته على الأهالي، والتي شملت إغلاق مدارس المخيم، وتدريس مناهج خاصة، والتضييق المعيشي في مختلف المجالات، إضافة إلى أن ظاهرة "الأشبال" في جنوب دمشق، لا تتعدى كونها ظاهرة خلّبية لغايات دعائية، اقتصرت بشكل أساسي على تجنيد عشرات الأطفال من أبناء مقاتلي التنظيم أنفسهم، ولم يكن لها بيئة خصبة بين المدنيين في اليرموك ومحيطه.
وتشير المدّة الطويلة لاحتجاز الأطفال إلى ضعف التأثير على الأفرع الأمنية من قبل الفاعلين المحليين في جنوب دمشق، سواء الأطراف الفلسطينية أو لجان "المصالحة"، وبحسب المصدر فإن أغلب الشخصيات التي لعبت أدوارا سابقة في ملف التفاوض، أو نشطت في الشأن العام، غير قادرة على إحداث أي تأثير ذي جدوى، بسبب فقدان أوراق الضغط بعد خروج فصائل المعارضة من المنطقة، عدا عن كون تلك الشخصيات خاضعة للتهديد الدائم بالاعتقال، أو أن قسما لا بأس به قد اعتقل خلال الأشهر الماضية.
ويوما بعد يوم، تزداد القناعة بأن اتفاق "المصالحة" الموقّع في أيار/مايو 2018، لم يغيّر شيئا في العقلية الأمنية للنظام، بل على العكس تصاعدت عمليات الاعتقال في جنوب دمشق خلال الآونة الأخيرة، وطالت قادة وعناصر سابقين في الفصائل، رغم تطوّعهم في "الفرقة الرابعة" مثلا، إضافة إلى ناشطين في مؤسسات مدنية، وهذا يوحي بمصير الطلبة السيء، خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان نظرة النظام لهم باعتبارهم "إرهابيين صغار".
وما تزال مئات عائلات اليرموك تعيش في البلدات المجاورة، وتحديدا في يلدا، في ظل ظروف لا تختلف كثيرا عما سبق اتفاق "المصالحة"، إذ لا يسمح لفلسطينيي اليرموك بالخروج من بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم إلى العاصمة دمشق من دون الحصول على موافقة فرع "فلسطين" المسؤول أمنيا عن المخيم، وهذا ما كان عليه الوضع خلال الهدنة المحلية، بين عامي 2014-2018، حيث أسفرت هذه الإجراءات عن سقوط عدد من الضحايا بسبب حاجتهم للعلاج في مشافي العاصمة، ورفض النظام منحهم الموافقة للخروج.
ورغم سيطرة قوات الأسد وحلفائها على مخيم اليرموك، إلا أنها منعت عودة سكان المخيم إليه، واقتصر العائدون على الشريحة الموالية والمجنّدة في النظام أصلا، من عائلات الجبهة الشعبية – القيادة العامة، وفتح الانتفاضة، والذين تربطهم علاقات قوية مع مسؤولين في المخابرات، ما يعني إبقاء نازحي اليرموك في جزيرة معزولة على مقربة من مخيمهم، مع تعريضهم لضغوط ومضايقات كبيرة، على المستوى المعيشي والأمني، بقصد دفعهم إلى شتات جديد لا تعرف محطّته القادمة.